وفق نص الرسالة الفاتيكانية، فان زيارة البابا فرنسيس ستكون للشعب اللبناني، وليس إلى لبنان الدولة، اي ان الزيارة لن تكون رسولية، كما كان الحال مع زيارتي البابا يوحنا بولس الثاني (1997) والبابا بنديكتوس السادس عشر (2012)، وهي مرجحة عشية الذكرى السنوية الاولى لانفجار مرفأ بيروت، أي في مطلع آب/ أغسطس 2021، وقد يعلن خلالها طوباوية البطريرك الياس بطرس الحويك والأبوين الشهيدين ليونار ملكي وتوما صالح، وهما من بلدة بعبدات المتنية.
تضمنت رسالة البابا فرنسيس اربعة افكار رئيسة وهي الافكار ذاتها التي لطالما رددها البابا يوحنا بولس الثاني: الاولى قالها سنة 1979 لوفد نيابي لبناني برئاسة حسين الحسيني؛ الثانية مأخوذة من “الارشاد الرسولي” (1997)؛ الثالثة من رسالة يوحنا بولس الثاني في 1 ايار/ مايو 1984؛ والرابعة مأخوذة من عظة يوحنا بولس الثاني في قداس مرفأ بيروت (البيال) إبّان زيارته الرسولية إلى لبنان في 11 ايار/ مايو 1997، والاضافة الوحيدة هي اقتباس من نص سبق أن قاله البطريرك الحويك.
هناك كلمة مهمة للبابا فرنسيس يلقيها خلال الشهر الحالي اثناء إستقباله السلك الدبلوماسي المعتمد في حاضرة الفاتيكان، وهو تقليد سنوي، حيث سيكرّر في كلمته نظرة يوحنا بولس الثاني للبنان، والاهم التأكيد على محورية لبنان كمركز للحوار الاسلامي المسيحي، بظروف نشأة لبنان وبيئته وتركيبته وموقعه، وكلها عناصر قد لا تتوافر في دول أخرى في العالم.
من المتوقع أن يقول البابا فرنسيس كلامه مباشرة، أي بلغة لا تحتمل المسايرة، وهو مهد لذلك، بتمرير مواقف تأنيبية لرجال الدين والسياسة في لبنان مرات عديدة، وذلك للقول لهم “عندما يحين وقت الحساب، لقد نبهتكم مراراً ولم تفعلوا شيئاً، مما اضطرني للتدخل”.
“حتماً ستكون هناك مبادرة فاتيكانية ما خلال زيارة البابا فرنسيس الى الشعب اللبناني”، تقول الأوساط المقربة من الفاتيكان، وتضيف “الثقة معدومة بكل الطبقة السياسية والدينية في لبنان، وفي الفاتيكان، ثمة تقليد مفاده ان الزمن ليس له تأثير وليس هناك مرور زمن على اي قضية او مسألة، والكرسي الرسولي ينظر دائما بعين الابدية، يتمتع بطول البال ويأخذ وقته قبل اي تدخل يبادر إليه او قرار يتخذه ولكنه لا يعمل على قاعدة عفا الله عما مضى، مثلما لا يعمل تحت ضغط عامل الزمن ولا يصاب بمرض النسيان إستناداً إلى عامل الوقت او الزمن”.
ثمة رهان كبير في أن ينجح البابا فرنسيس في فك الحصار الاقتصادي والمالي والسياسي المفروض على لبنان، وبالتالي ان تكون زيارته المرتقبة في الصيف المقبل، “ايذانا بتحول ايجابي في كل الوضع اللبناني”
وإذا كانت دوائر الفاتيكان تأمل بأن تتم زيارة البابا فرنسيس “بوجود بطريرك ماروني جديد”، فإن زيارة الحبر الأعظم إلى العراق ما بين 5 و8 اذار/ مارس المقبل، ستكون معبّرة بمضمونها التاريخي. سيلتقي البابا فرنسيس في النجف الاشرف بالمرجع الشيعي الاعلى آية الله السيد علي السيستاني، وسيوقعان معاً “وثيقة الاخوة الانسانية” التي سبق أن وقعها البابا مع شيخ الازهر احمد الطيب في الامارات العربية المتحدة (شباط/فبراير 2019)، على ان يستكمل ذلك مع مرجعية قم بشخص المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية السيد على الخامنئي، كما ان البابا سيلعب دورا محوريا في تخفيف الضغط والعقوبات عن ايران، وذلك ضمن مسيرة الاخوة الانسانية، وضمن المساعي التي يبذلها لفك الحصار عن ايران، كما نجح بفك الحصار عن كوبا بعد عقود من الزمن. بهذا المعنى سيكون الرهان كبيراً في أن ينجح البابا فرنسيس في فك الحصار الاقتصادي والمالي والسياسي المفروض على لبنان، وبالتالي ان تكون زيارته المرتقبة في الصيف المقبل، “ايذانا بتحول ايجابي في كل الوضع اللبناني”، تقول الأوساط المقربة من الدوائر الفاتيكانية.
في سياق آخر، تتوقف الأوساط نفسها عند القرار الذي إتخذه البابا فرنسيس بتولي إدارة تراث الكرسي الرسولي (تعادل وزارة الخزانة والبنك المركزي للفاتيكان)، مهمة إدارة الأموال والأصول العقارية (430 مليون دولار) لأمانة سر دولة الفاتيكان، وذلك إعتبارا من الأول من كانون الثاني/ يناير 2021. وستكون الإدارة نفسها مسؤولة أيضا عن إدارة “بنس بطرس”، وهي الهيئة التي تدير التبرعات الخيرية للفاتيكان في جميع أنحاء العالم.
جاء هذا القرار إثر إكتشاف دوائر الكرسي الرسولي “فضيحة لندن”، وهي عبارة عن اموال مودعة في بريطانيا ناتجة عن مساعدات قدمت للفاتيكان وتبين أنها إستخدمت لشراء قصر في لندن باسم الكرسي الرسولي بقيمة 200 مليون يورو تقريباً.
وتبيّن أن عميد مجمع دعاوى القديسين في الفاتيكان الكاردينال أنجيلو بيتشو يقف وراء الصفقة، فأرسلت دوائر الفاتيكان وراءه على عجل من دون حتى إنتظار موعده الدوري مع البابا فرنسيس الذي طلب منه فور وصوله أن يقدّم استقالته من منصبه، وعندما سأله بيتشو عن السبب ابلغه بالوقائع الموجودة بين يديه مقرونة بإبلاغه بصورة حاسمة “لقد قُبلَت استقالتك”. وأعقب ذلك فوراً نزع رتبة الكاردينالية عن بيتشو. وجرت العادة أن مكتب الاعلام في الفاتيكان يصدر بيانا نهارياً يوميا عن نشاط الكرسي الرسولي، ولكنها كانت من المرات النادرة ان يصدر بيان ليلي عن المكتب الإعلامي يتضمن قبول استقالة بيتشو، في أيلول/سبتمبر الماضي.. ومن ثم فتح تحقيق بقضية الأموال المودعة في لندن.
تستشهد الأوساط المقربة من الفاتيكان بهذه القضية للقول إن الورشة الإصلاحية التي تشهدها دولة الفاتيكان لن تتوقف “وبالتالي لا يمكن للمستويين السياسي والديني في لبنان التحايل على البابا فرنسيس، كما حصل مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومبادرته اللبنانية”..
(*) راجع مقالة “البابا يحث المسؤولين اللبنانيين: ساعدوا أنفسكم يساعدكم أصدقاءكم“!