هذا الغياب اللبناني لا يدفع لبنان ثمنه بتأخير تأليف الحكومة الموعودة وتأجيل المعالجات الإقتصادية والمالية، بل بما يستجلبه الفراغ، بدليل ما تشهده طرابلس في الأيام الأخيرة، وهو أمر يمكن أن ينسحب في أية لحظة على مناطق وشوارع لبنانية أخرى.
غياب لبنان الكلي عن صناعة حكومة محلية تستعد لمواكبة مناخات التفاوض، “عامل سلبي جدا”، وكما يقول دبلوماسي لبناني متابع فإن الفاتيكان الذي أطلق مبادرة حوارية بين الأديان كان ينتظر أن يكون لبنان أول متلقف وداعم لها، ليس بالقول بل بالفعل، “صحيح ان الفاتيكان لن يضحي بلبنان ولكنه ليس هو من يدير السياسة العالمية، وهذه مسألة على اللبنانيين الإلتفات جيداً إليها”.
وفيما أعلن الفاتيكان رسمياً اليوم (الخميس) أن البابا فرنسيس سيلتقي المرجع الشيعي السيد علي السيستاني خلال زيارته المقررة إلى العراق في شهر آذار/ مارس المقبل، ويتم خلالها توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التي كان وقعها مع شيخ الأزهر أحمد الطيب في شباط/ فبراير 2019، فإن الخطوة التالية هي التحضير لزيارة تاريخية يفترض أن يقوم بها فرنسيس إلى إيران من أجل توقيع الوثيقة ذاتها من قبل مرجعية قم.
هل يبادر حزب الله الى فتح باب الحوار مع الفاتيكان عن سابق اصرار وترصّد، ام سيطول صمته وجفاف مبادراته الى ان ينقضي امرا معلوما لديه؟
في هذا السياق، ينبري السؤال الآتي: من هو الاقدر على لعب دور داعم للحوار في لبنان من البوابتين الفاتيكانية والايرانية؟
واقع الامور يقول بأن حزب الله “هو الاقدر على لعب هذا الدور، لانه باعتراف خصومه قبل اصدقائه، يفي بتعهداته ويمتلك رؤية استراتيجية وان كان الجميع يشكو اليوم من إفتقاده إلى ارادة تشغيل محركاته الداخلية والخارجية التي تكاد تعاني من الصدأ”، ويعتبر الدبلوماسي نفسه انه باستطاعة الحزب ان يفعل الكثير في حال انتقل “من الحوار الجالس، اي أن ينتظر من يأتي اليه طلباً للحوار، إلى الحوار الواقف، اي ان يبادر حزب الله الى الحوار، من دون أن يستثني حزبا أو مكونا داخلياً، ولعل اهم قناة اتصال وحوار يجب ان يبادر اليها هي السفارة البابوية في لبنان وعدم الإكتفاء بزيارات مجاملة للبطريركية المارونية، المهم أن يقتنع الحزب بأن مصلحته تكمن في ساحة داخلية محصنة، وهذا امر لصالح لبنان وحزب الله استراتيجيا”.
في السادس من تموز/ يوليو 1963، شارك الإمام السيد موسى الصدر في مراسم تتويج البابا بولس السادس، وكان، وقتذاك، رجل الدين المسلم الوحيد الحاضر في هذه المناسبة. وعقدت بينهما خلوة دامت ساعة تمحورت حول أهمية التلاقي بين المسيحيين والمسلمين في العالم ولا سيما لبنان بصفته مختبراً حقيقيا للتعايش. المطلوب الإقتداء بالسيد موسى الصدر، “وأول خطوة في هذا الإتجاه تتمثل بفتح قنوات حوار مع الفاتيكان من خلال السفارة البابوية في بيروت، وذلك بهدوء وبعيدا من الاضواء والاعلام، حتى يكون للبنان دور في الحوار على مستوى المنطقة والعالم، خصوصا وان السفير البابوي في لبنان المطران جوزف سبيتاري “منفتح ويتقبل الافكار ويصغي بدقة ولا يختلف عن سلفه غابريالي كاتشا الذي بنى علاقات مع كل الأطياف اللبنانية، وهذا النوع من التواصل ضروري جدا، ولا بد من فتح باب الفاتيكان عبر السفارة البابوية في لبنان المشرّعة ابوابها لكل من يريد الحوار الصادق لمصلحة لبنان”، على حد تعبير الدبلوماسي ذاته.
يقول الدبلوماسي اللبناني إن كل من ينادي بالفيدرالية والإنفصال “لن يكون لطرحه أية مقبولية في الفالتيكان الذي سبق واسقط في زمن البابا يوحنا بولس الثاني هذه الطروحات التقسيمية”، ويضيف “ما يجب ان يقوم به حزب الله، هو تشكيل خلية متخصصة تتابع ما يصدر عن الفاتيكان في شأن الحوار المسيحي الاسلامي، حتى ينطلق الحزب في اي حوار من خلال معطيات حقيقية ودقيقة ومعلومات متاحة بكثافة سواء على الموقع الالكتروني لحاضرة الفاتيكان أو عند المعنيين، فهل يبادر حزب الله الى فتح هذا الباب عن سابق اصرار وترصّد، ام سيطول صمته وجفاف مبادراته الى ان ينقضي امرا معلوما لديه”؟