طرابلس تُحرج الحريري.. هل يستقيل من البرلمان؟
TOPSHOT - A Lebanese anti-government protester waves a national flag during clashes with security forces in front of the Serail (headquarters of the Governorate), in the northern port city of Tripoli, following a demonstration to protest against the economic situation, on January 28, 2021. - Tripoli was already one of Lebanon's poorest areas before the coronavirus pandemic piled new misery onto a chronic economic crisis. Many of its residents have been left without an income since Lebanon imposed a full lockdown earlier this month in a bid to stem a surge in Covid-19 cases and prevent its hospitals from being overwhelmed. (Photo by JOSEPH EID / AFP) (Photo by JOSEPH EID/AFP via Getty Images)

لا بد من وضع أحداث طرابلس، في سلة "الحسبة" السياسية، بما يتجاوز المعطيات الميدانية، مع الأخذ بالحسبان وجع الناس المُشرع على إحتمالات جديدة ومناطق جديدة وأشكال من الإحتجاج لا أحد يُدرك مسبقاً شكلها.

من يقرأ المطالعة التي نشرتها الزميلة “الأخبار” في عددها اليوم (الجمعة) نقلاً عن الرئيس اللبناني ميشال عون، ومن ثم رد المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري معطوفاً على بيان نادي رؤساء الحكومات السابقين، يدرك أن الأحداث التي وقعت أو يمكن أن تتكرر، ربما تجاوزت هؤلاء، أو ربما هم تجاوزوها بأشواط من النكران، لكأن الجميع صار مقيماً في “لالا لاند”، بالإذن من محبي هذا الفيلم الرومنسي الجميل.

لأن طرابلس هي عاصمة الثقل السني، بحكم موقعها وديموغرافيتها، فإن أسئلة السياسة تتجه فوراً صوب سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل وزعيم الأكثرية السنية: كيف سترتد عليه أحداث عاصمة لبنان الثانية، سلباً أم إيجاباً؟

سعد الحريري مأزوم وثمة إحتمالات تقوده إلى معادلة “خاسر/ خاسر”. لنعرض هذه الفرضيات:

أولاً، برغم هول ما حصل في طرابلس وما يمكن أن يحصل في أية منطقة لبنانية أخرى، لم يعد بمقدور الحريري الإعتذار عن تكليفه برئاسة الحكومة. يردّد الرجل أنه من الآن وحتى آخر دقيقة من عهد ميشال عون سيستمر رئيساً مكلفا ولن يخضع لكل الشروط ومحاولات إبتزازه، “سواء بما يملك رئيس الجمهورية من صلاحيات أو بمن يستقوي بهم في الداخل أو الخارج”. حقيقة الأمر أن القضية لم تعد عبارة عن “مرجلة سياسية” أبداً. لم يعد رئيس تيار المستقبل يملك ترف المفاضلة في أن يكون رئيساً للحكومة أو لا يكون، على طريقة لحظة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما خذل حزب الله وأمينه العام وقرر تقديم إستقالته من دون التشاور مع أي من مكونات حكومته ولا سيما حزب الله الذي كان وضع، وقتذاك، مجموعة ضوابط: لا للمس بميشال عون، لا للمس بالحكومة، لا للإنتخابات النيابية المبكرة.

بات الحريري يدرك أن حصانته ونفوذه ومستقبله السياسي باتوا متصلين إتصالاً وثيقاً بموقعه في رئاسة الحكومة. أن يكون مرشحاً للموقع، من دون أن يُتوّج رئيسا بمرسوم رئاسي، أهون من البطالة السياسية في نادي رؤساء الحكومات، وعندها سيكون متاحاً لحسان دياب أو غيره من الطامحين بالوصول إلى منصب الرئاسة الثالثة.

أن يستمر الحريري مُكلفاً يعني خسارة بالسياسة وإستنزاف من رصيده، على صورة ما جرى في الشمال، إلا إذا قرر في آخر لحظة أن يحشر نفسه مع المحتجين، لعدم سحب البساط من تحت قدميه أو لجعل بوصلة الإحتجاج مصوبة بالدرجة الأولى في إتجاه رئيس الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال، حتى أن هذا الإستدراك لا يتضمن أي ربح، بل حد من الخسارة لا أكثر ولا أقل.

أقصى ما يمكن أن يحققه الحريري في ضوء هذا الإحتمال (التكليف بلا تأليف) هو أن ينجح في تصوير الأزمة أنها أزمة حكم  وليس أزمة حكومة. أي أن الأزمة هي أزمة ميشال عون وتركيبته وليس أزمة حكومة ورئيس حكومة مكلف. بهذا المعنى، ثمة مناخ سياسي يدفع مجموعة كبيرة من القوى في هذا الإتجاه، وليس رئيس مجلس النواب نبيه بري وسليمان فرنجية بعيدين عن هكذا معركة، برغم حرصهما على عدم التورط المباشر فيها، حتى الآن، لكن الآخرين، من رؤساء حكومات ووليد جنبلاط وسمير جعجع وسامي الجميل، يستفيدون من الدفع السياسي بإتجاه خلق أزمة حكم، من دون أن يتفقوا على ما بعد ذلك، أي على شعار إستقالة رئيس الجمهورية، طالما أن بكركي ستقف حتماً ضد هذا الشعار، كما وقفت سابقاً ضد إستهداف إميل لحود في العام 2005. زدْ على ذلك أن الكل يضع في حسابه موقف حزب الله الذي سيشكل حاجز صد لإستهداف عون، فضلاً عن أن حسابات القوات اللبنانية سترتبط ليس بالشعار بل بالبديل الرئاسي، سواء  الآن أو في العام 2022، وهذه الحسابات تشكل بحد ذاتها لغماً كبيراً في طريق أي تفاهم بين المعارضين للعهد الحالي.

أي قبول للحريري بحكومة بشروط غيره، يقود إلى إعادة تعويم تسوية العام 2016 الرئاسية، فهل أن الحريري مستعد للإتكال على الله وعلى علاء الخواجة لإعادة تجديد التسوية بشروط جبران باسيل، وهل هو مستعد لدفع أثمانها في الداخل والخارج؟ الجواب حتماً لا!

ثانياً، إذا كان الحريري لا يملك ترف التفكير نهائياً بسيناريو الإعتذار، هل يمكن أن يقبل بتأليف حكومة بشروط ميشال عون وجبران باسيل، طالما أنه سيكون متعذرا تأليفها بشروطه هو، في ظل الموقف الحاسم للعهد، برفض تقديم اي تنازل له؟

إذا وافق الحريري على شروط عون وباسيل، فإنه كمن يُقدم على الإنتحار السياسي، وعندها قد يربح رئاسة الحكومة وينتقل إلى السراي الكبير مع طبل وزمر، لكنه سيخرج من إنتخابات العام 2022 بكتلة نيابية أكثر تواضعاً وتمثيلاً من كتلته الحالية، إلا إذا قرر إستعادة تجربة “التحالف الرباعي” في العام 2005، فيتكل على “التكليف”، فتصب أصوات جمهور “الثنائي الشيعي” والتيار الوطني الحر لصالحه في بيروت والبقاع وبعبدا وصيدا، وهذا السيناريو أجمل من أن يصدقه الحريري وحزب الله وميشال عون، برغم مردوده المختلف على كل واحد منهم.

إقرأ على موقع 180  قوى التغيير.. تمثلني

أي قبول للحريري بحكومة بشروط غيره، يقود إلى إعادة تعويم تسوية العام 2016 الرئاسية، فهل أن الحريري مستعد للإتكال على الله وعلى علاء الخواجة (تردد أنه حرّك مولداته في الخارج) لإعادة تجديد التسوية بشروط جبران باسيل، وهل هو مستعد لدفع أثمانها في الداخل والخارج؟ الجواب حتماً لا!

ثالثاً، هل يمكن أن تفاجىء معطيات دولية وإقليمية كل اللاعبين المحليين، كما حصل في العام 2005 (التفاهم الفرنسي ـ الإيراني) أو في العام 2015 (الإتفاق النووي)، فنشهد ولادة حكومة بسلاسة وبشروط تحفظ ماء وجه الحريري وميشال عون؟

حتى الآن، لا يبدو أن هذا الإحتمال موضوع في الحسبان، بل تشي معطيات الأميركيين والإيرانيين أن العودة إلى الإتفاق النووي دونها حسابات وربما محاولات لي أذرع، سيكون العراق ساحتها الأولى، ولن يكون لبنان بعيداً عنها، ما يعني أن هذا الإحتمال هو الأقل واقعية في هذه اللحظة السياسية، أقله، وفق حسابات الحريري.

رابعاً، هل يملك الحريري سيناريوهات مختلفة؟

هنا، يجري الحديث عن سيناريوهين لا ثالث لهما:

أولهما، أن يبادر الحريري إلى الإستقالة من مجلس النواب ويلاقيه في خطوته كل من سمير جعجع ووليد جنبلاط ونجيب ميقاتي (عدد المستقيلين سيتجاوز الخمسة وأربعين نائباً، وإذا أضيف إليهم ثمانية نواب إستقالوا في آب/ أغسطس 2020، يصبح الإجمالي أكثر من خمسين نائباً، وعندها يصبح البرلمان معطلاً لأسباب ميثاقية، فلا يستطيع منح ثقة لحكومة ولا إنتخاب رئيس للجمهورية، وتصبح الإنتخابات النيابية ممراً إلزامياً للجميع، فيستطيع الحريري ومعظم حلفائه تحسين شروطهم، ولن يكون هناك خاسر من هكذا إنتخابات مبكرة سوى جبران باسيل وفرصة الحريري بالعودة إلى رئاسة الحكومة، إذا قرر حزب الله وضع “فيتو” عليه، ربطاً بإستقالته من البرلمان وفرض جدول أعمال مخالف لإرادته.

ثانيهما، أن يسعى الحريري، بالتنسيق مع شركاء آخرين في الداخل اللبناني، أبرزهم حزب الله ونبيه بري، إلى إختصار المراحل، عبر إطلاق مبادرة تقضي بإختصار ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي الذهاب فوراً إلى إنتخابات رئاسية، تليها إنتخابات نيابية وحكومة جديدة. هذا الخيار يكاد يكون مستحيلاً، فلا ميشال عون على إستعداد لمغادرة موقعه قبل يوم واحد من إنتهاء ولايته (بمعزل عن سماجة ماريو عون وبدعة التمديد)، ولا حزب الله بوارد الضغط على حليفه لتقصير ولايته، خصوصاً أن عون سيربط التسلم والتسليم ليس بإلزامية وصول باسيل التي باتت مستحيلة إلى رئاسة الجمهورية، من بعد العقوبات الأميركية عليه، بل بحقه في رفع “الفيتو” بوجه كل من سمير جعجع وسليمان فرنجية أولاً.

وماذا عن عناد رئيس الجمهورية وعن دور قيادة الجيش اللبناني في طرابلس؟ أين السعودية والإمارات وإيران وفرنسا والولايات المتحدة وغيرهم من كل هذه السيناريوهات والأحداث؟ للبحث صلة.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  مجتمع دولي يُكرر.. ولا عاقل لبنانياً يفهم عليه!