إعتذارات روحاني من شعبه.. ثقافة التواضع
IRAN, Tehran : Iran's President Hassan Rouhani (C) walks with Turkish President Recep Tayyip Erdogan (C-R) during an official welcoming ceremony following the latter's arrival at the Saadabad Palace in Tehran on April 7, 2015,Corbis PHOTO/ Mohsen Shandiz NO . 811 (Photo by Mohsen Shandiz/Corbis via Getty Images)

إنه لأمر جيد أن يتقدم رئيس للجمهورية هو رأس هرم السلطة التنفيذية، في بلد ما، بالإعتذار من شعبه، بسبب التقصير وعدم الالتزام بالوعود التي قطعها على نفسه.

ليست المرة الأولى. كرّر الرئيس الايراني حسن روحاني اعتذاراته للشعب الإيراني، في أكثر من مناسبة، بسبب التقصير أو الضعف في إدارة البلد أو بسبب الضغوط الإقتصادية التي يتعرض لها شعبه.

ما يردده روحاني دليل حيوية سياسية، برغم ما يسوقه الإعلام الغربي عن هذا البلد، فأنت لا تستطيع أن تعرف منذ الآن من هو الذي سيفوز بإنتخابات الرئاسة الإيرانية، ويسري ذلك على الإنتخابات التشريعية والمحلية في إيران. ثمة حيوية يعبّر عنها الإعلام الإيراني، الذي يتجاوز أحياناً حدود القانون، بدليل ما جرى مطلع هذه السنة بين روحاني والتلفزيون الإيراني.

وكان رجل الدين الإيراني أحمد جهان بزرغي، مدير معهد الثقافة والفكر الإسلامي في طهران، قد اتهم روحاني بتعاطي المخدرات في لقاء مباشر بثته القناة الرابعة، قبل أقل من شهر من الآن. وقال: “ربما يجلس المسؤول (روحاني) في منزله بجانب الموقد متجاهلا ما يحصل في بلاده ولا یتواصل مع الوزراء”. والمقصود من عبارة “بجانب الموقد”، وفق الثقافة الشعبية الإيرانية، الدلالة على تعاطي المخدرات.

وكانت ردة فعل روحاني التلويح بدعوى، الأمر الذي إستوجب تقديم مدير المحطة إعتذاراً رسمياً من روحاني، وذلك إلتزاماً بالسقف الذي يحدده القانون بالدرجة الأولى.

وكان روحاني قد قال مؤخراً إنه إستلم بلداً مدمراً من الناحية الإقتصادية من سلفه الرئيس أحمدي نجاد في العام 2013. ففي شتاء هذه السنة، وبسبب الخلل في توزيع سلة السلع الأساسية والمشاكل التي واجهتها الطبقة الفقيرة في تأمين مسلتزماتها المعيشية الأساسية، أجرى روحاني لقاءً مع التلفزيون الايراني، قدم خلاله إعتذاراً رسمياً من شعبه. قبل ذلك وفي حوار تلفزيوني أجراه يوم 5 شباط/ فبراير 2014، وفي معرض إشارته إلى المشاكل اليومية للإيرانيين، قال روحاني إن الشعب الايراني إذا واجه خلال ولايته الرئاسية مشاكل في تأمين السلة المعيشية، فسوف يتقدم شخصياً وبصفته رئيس الجمهورية بالاعتذار من الشعب الايراني.

يترك اعتذار الرئيس الايراني حسن روحاني من شعبه وقعه الأخلاقي على الإيرانيين الذين يريدون الخبز أولاً ولكن عزتهم وكرامتهم تجعلهم يقدرون كثيرا مواقف روحاني، ولو أنه بات على مشارف نهاية ولايته خلال مائة يوم ونيف

وفي الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2020، وفي إجتماع للحكومة الايرانية لدراسة أبعاد إسقاط الطائرة الأوكرانية وردود الفعل حول تلك الواقعة، قال روحاني إن الكثيرين من المسؤولين والمواطنين الايرانيين “ما زالوا يعيشون صدمة من الصعب تصورها، ولكن إذا حصل تأخير في الإعلان عن الأسباب.. عليهم الإعتذار”.

الرئيس الايراني وضمن تأكيده على أن الإعتذار من الشعب الايراني العظيم يجب أن يكون سلساً وشفافاً وبسيطاً وصريحاً، قال في كلمة متلفزة لمناسبة الذكرى الثانية والأربعين لانتصار الثورة الايرانية في العاشر من شباط الجاري:”إذا لم نستطع أن نعمل بشكل يليق بالشعب الايراني العظيم في بعض القطاعات خلال السنوات السبع الماضية، فأنا أعتذر من الشعب الايراني العزيز والعظيم وأطلب منهم المغفرة في هذه الأيام التي نعيش فيها إحتفالات انتصار الثورة الإسلامية”.

ليس المقصود من هذا السرد هو الدفاع عن روحاني وحكومته بقدر الإشارة إلى أن القادة السياسيين ورؤساء الجمهوريات يجب أن يتحلوا بسعة الصدر لتقديم الإعتذار من شعوبهم، في الوقت المناسب، بسبب التقصير أو سوء الإدارة. ولعل أهمية إعتذار روحاني أنه يأتى في وقت تعيش فيه ايران أجواء سياسية لافتة للنظر، فعندما كان روحاني يلقي كلمته بذكرى الثورة، كانت مجموعة من أصحاب الدراجات النارية تجوب شوارع طهران بعد إلغاء مسيرات انتصار الثورة الإسلامية بسبب جائحة كورونا، وردّد المشاركون شعار “الموت لروحاني”، وتبين أن هؤلاء ينتمون إلى مجموعة سياسية متطرفة ومعارضة وأطلقوا شعارات مسيئة للرئيس الايراني، في مخالفة واضحة لتعليمات آية الله علي خامنئي الذي أكد قبل أسبوع من هذه الواقعة على ضرورة مراعاة الأدب والأخلاق والإنصاف في المنافسة السياسية.

لا أحد يحسد حسن روحاني، الرئيس المخضرم في العمل السياسي والقانون والدعوي. فحكومته تتعرض إلى ضغوط خارجية لا مثيل لها في السنوات الأخيرة، ذلك أنه بعد أحد عشر شهراً فقط من توقيع الإتفاق النووي عام 2015، حُرمت إيران من ثمار الإتفاق النووي وقُطعت تبادلاتها المصرفية مع دول العالم ومنعت طهران من استخدام أموالها المجمدة في الخارج. كل ذلك بسبب خروج الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب من الإتفاق النووي (2018) وفرضها عقوبات إقتصادية مشددة على طهران هي الأقسى في التاريخ، بإعتراف الأميركيين، وفي المقابل، خذل الإتحاد الأوروبي كل المراهنين على تحمله مسؤولياته في تخفيف الضغط على الشعب الإيراني.

وفي خضم واقع إقتصادي ومعيشي صعب، إضطرت إيران قبل عام من الآن إلى إستقبال ضيف غير مرحب به، هو فيروس كورونا الذي ساهم بدوره في اكتمال ملامح مصائب حكومة حسن روحاني الإقتصادية.

إقرأ على موقع 180  حكومة دياب تفوز بثقة البرلمان.. و"العالم" ينأى بنفسه عنها

وبرغم الضغوط السياسية في الداخل والضغوط الإقتصادية الخارجية وظهور العديد من الأزمات الإجتماعية والصحية والسياسية في الداخل، وبرغم العديد من الإختراقات الأمنية، وآخرها إغتيال العقل النووي الإيراني محسن فخري زاده، يترك اعتذار الرئيس الايراني حسن روحاني من شعبه وقعه الأخلاقي على الإيرانيين الذين يريدون الخبز أولاً ولكن عزتهم وكرامتهم تجعلهم يقدرون كثيرا مواقف روحاني، ولو أنه بات على مشارف نهاية ولايته خلال مائة يوم ونيف.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  القميص الأسود VS البيت الأبيض