أولاً، في الشكل:
– لو كان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير حياً وما زال بطريركاً، هل كان ليسمح بالتعرض وتوجيه الاهانات لموقع رئيس الجمهورية بغض النظر عمن هو شخص رئيس الجمهورية؟ لنتذكر ما حصل في محلة الكحالة قرب عاليه اثناء عودة صفير من احتفال “مصالحة الجبل” في المختارة في صيف العام 2001، حيث احتشد معارضون لعهد الرئيس العماد اميل لحود، ورددوا هتافات ضده، فكان أن إنتفض صفير بشدة رافضاً هذه الشعارات.
– هل كان البطريرك صفير ليسمح بالتعرض لدولة شقيقة او صديقة مهما كانت درجة الخلاف معها، وكيف كان يتصرف عندما تستقبل بكركي وفودا وحشوداً تحاول رفع شعارات ضد سوريا أو غيرها من الدول؟
– هل كان البطريرك صفير ليقبل بالتعرض لحزب او طائفة لبنانية، مؤثرة وفاعلة وفي ساحة بكركي، وهو يصغي ويبتسم، وكيف كانت ردة فعله الغاضبة عند سماع هكذا هتافات؟
– هل كان البطريرك صفير الذي قاد الانقلاب على الراي العام الذي كان رافضا للطائف ومن ثم قاد المواجهة مع الوجود السوري بعد اندحار اسرائيل عن معظم الاراضي اللبنانية في العام 2000، هل كان ليرضى ان يحوّل الصرح في بكركي الى ساحة لمهرجان سياسي حزبي؟
هل البطريرك الراعي هو الثائر وعلى ماذا؟ وهل يقبل برفع شعار اسقاط النظام؟ وهل البطريركية المارونية التي تعتبر نفسها “ام الصبي” تريد اسقاط هذا النظام؟ وهل تسنى لها أن تفكر بالبديل؟ وهل إستشار بطريرك الموارنة “الأم” الفرنسية و”الأب” الفاتيكاني؟
– هل مطلوب من البطريرك الراعي ان يحوّل موقعه الى لاهوت تحرر بحيث تتقدم الاغنية الخاصة به على الصلاة، وهل يكون لاهوت التحرر بهذا المنطق؟
– هل البطريرك الراعي هو الثائر وعلى ماذا؟ وهل يقبل برفع شعار اسقاط النظام؟ وهل البطريركية المارونية التي تعتبر نفسها “ام الصبي” تريد اسقاط هذا النظام؟ وهل تسنى لها أن تفكر بالبديل؟ وهل إستشار بطريرك الموارنة “الأم” الفرنسية و”الأب” الفاتيكاني، قبل أن يشاور “الإخوة” و”الأخوات”؟
– هل يمكن للبطريرك الراعي أن يطلب من أقرب مستشاريه في هذه الأيام، أن يطلعوه على روزنامة مواعيدهم اليومية المزدحمة باللقاءات مع السفراء والقناصل (على سيرة الحياد)، وهل هذا هو مفهوم الحياد؟
ثانيا، في المضمون:
– جميل طرح الحياد، انما قبلاً، فليشرح البطريرك الراعي بالعلم الديبلوماسي والعلوم السياسية ان كان يوجد ما يسمى “حياد ناشط” و”حياد فاعل” و”حياد ايجابي”؟
– الا يقتضي الحياد موافقة الدول المحيطة بلبنان على هذا الحياد، وان تكون معترفة اساسا بلبنان، هل تم ترسيم الحدود مع سوريا؟ هل يقبل البطريرك الراعي الاعتراف باسرائيل وهل تعترف اسرائيل بلبنان؟ وهل تقبل اسرائيل ترسيم الحدود مع لبنان وفق الخرائط الموجودة في الامم المتحدة؟ وماذا عن موقف بكركي من خرائط حدود البحر التي قدمتها قيادة الجيش اللبناني خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية؟
– هل تشاور البطريرك الراعي بكل ما أدلى به مع بطاركة الروم الكاثوليك والروم الارثوذكس والارمن، ام يعتبر نفسه مرجعية المسيحيين الحصرية في لبنان؟
– هل تشاور البطريرك الراعي مع المرجعيات الاسلامية، ليعرف ان كان السنة والشيعة والدروز والعلويون يقبلون بهذا الطرح؟
– في طرح الحياد، ماذا يصبح لقب البطريرك الراعي، هل يبقى بطريرك انطاكيا وسائر المشرق، ام بطريرك بكركي والمسيحيين من كفرشيما الى المدفون وصولا الى بشري؟
– هل سها عن بال “المستشارين” كيف رفض البطريرك صفير أن يرافق البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته إلى سوريا.. وقتذاك قيل لصفير من أهل الفاتيكان “لسنا ذاهبين لاجل النظام (السوري) انما لاجل رعيتك الموجودة في سوريا”!
عندما يقول البطريرك الراعي ان اتفاق الطائف جاء وليد مؤتمر دولي، هل كانت نتائجه لمصلحة المسيحيين وتحديداً الموارنة؟ وهذا سؤال كبير لانه يفتح ابواب النقاش واسعا كون الامور تحولت الى اشبه بما حصل في عهد الرئيس شارل الحلو الذي توفي وهو يبرر بأنه لم يكن على علم باتفاق القاهرة
– اليس البطريرك الراعي الذي بدأ بطريركيته بشعار الانفتاح وذهب الى فلسطين المحتلة مستفزا مشاعر مكونات لبنانية اخرى، وذهب الى تركيا وجلس على كرسي مار بطرس في انطاكيا، في اشارة عملية ان كل هذا لنا، والان اصبح بطروحاته في موقع التخلي عنهم عبر الحياد؟
– هل سيعلن بطريرك انطاكية وسائر المشرق حياده في أي حرب قبرصية ـ تركية أو سورية ـ إسرائيلية أو حتى لبنانية (أو بين فريق لبناني) ـ إسرائيلية؟
– هل هناك من يوثق للبطريرك الراعي أن إسرائيل ومنذ إحتلالها أرض فلسطين في العام 1948، قضمت قرى لبنانية، بعضها مسيحية (من بين القرى السبع) وإرتكبت مجازر ذهب ضحيتها لبنانيون من كل الطوائف. هل سمع البطريرك مثلاً بإسم الطبيب الشهيد شكرالله كرم إبن بلدة الخيام؟
– لو أن مقر البطريركية المارونية في مرجعيون أو رميش أو عين إبل، هل كانت نظرة البطريرك الراعي لتكون هي ذاتها بالنسبة إلى “الخطر الإسرائيلي”؟
– لقد استشهد البطريرك الراعي بكلام البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان الرسالة وانه اطلقه من لبنان، وهو اطلقه في 7 ايلول/ سبتمبر 1989 عندما قال “لبنان اكثر من وطن، هو رسالة حرية وعيش معا للشرق كما للغرب”، وذلك في رسالة بعثها الى كل اساقفة العالم حول الوضع في لبنان، وهذه دعوة ورسالة الموارنة عبر التاريخ التي تقوم على الحرية والعيش معاً، وعندما زار البابا يوحنا بولس الثاني لبنان في العام 1997 لم يأت اطلاقا على ذكر عبارة “لبنان الرسالة”، لانه اعتبر انه اعطى اللبنانيين ولا سيما المسيحيين، ما هو اقوى من الرسالة وهو “الارشاد الرسولي” والذي لم يترجم عملياً، مما اضطر لاحقا البابا بنديكتوس السادس عشر، ولم يكن قد انتخب حبرا اعظما الى قول كلام قاسٍ في اجتماعات الجمعية العمومية للسينودوس من اجل لبنان عندما تحدث عن الخلط بين ما هو منسوب للأب بأنه للإبن وما هو منسوب للإبن تقولون انه للروح القدس وما هو منسوب للروح القدس تقولون انه لمريم العذراء، وهذا يسري على ما نسمعه ونشاهده اليوم.
– للمرة الاولى في “الارشاد الرسولي”، يحدّد البابا يوحنا بولس الثاني جغرافيا امتداد الكنيسة في لبنان عبر الشرق الاوسط: من ايران الى تركيا فالسودان وشمال افريقيا، وبالتالي لا يمكن التخلي عن هؤلاء كلهم والذهاب الى حياد كما يريد البعض ويشتهي، خلافاً لروحية وقيمة بطريركية أنطاكيا وسائر المشرق.
– وعلى سيرة “المؤتمر الدولي”، يكفي ان يقرأ البطريرك الراعي كتاب هنري كيسينجر تحت عنوان “الديبلوماسية” ليتبين انه من مؤتمر 1814- 1815 الذي عقد في فيينا، وهو اول مؤتمر دولي اسّس وارسى العلاقات الديبلوماسية الحديثة، ليس هناك من مؤتمر دولي عقد من حينه الى يومنا وجاءت نتائجه لمصلحة الدولة او الدول التي انعقد من اجلها!
– عندما يقول البطريرك الراعي ان اتفاق الطائف جاء وليد مؤتمر دولي، هل كانت نتائجه لمصلحة المسيحيين وتحديداً الموارنة؟ وهذا سؤال كبير لانه يفتح ابواب النقاش واسعا كون الامور تحولت الى اشبه بما حصل في عهد الرئيس شارل الحلو الذي توفي وهو يبرر بأنه لم يكن على علم باتفاق القاهرة (1969)، والبطريرك صفير توفي وهو يقول ان اتفاق الطائف لم يطبق، لذلك؛ من الخطيئة ان تتحول عقدة ما سيذكره التاريخ الى سلوك خيارات يمكن البدء بها ولكن لا يمكن التحكم بنتائجها.
– يكفي البطريرك الراعي امثولة البطريرك بولس بطرس مسعد عندما استنجد في القرن التاسع عشر بالدول الكبرى وتحديدا فرنسا التي حضرت لمساعدته، فكانت النتيجة تقسيم الامارة الى قائممقاميتين وتصغيرها وسلخ اراضٍ منها واعطاء قسم لولاية عكا وقسم لولاية الشام، وليتحول الصراع داخل القائمقاميتين بين القائمقامية الدرزية والقائمقامية المسيحية، ومن ثم تحول الصراع بين المسيحيين.. وهذا ما يقوله التاريخ من القرن التاسع عشر وحتى “حرب الإلغاء” بين المسيحيين في العام 1990!
كان حزب الله منفتحاً على أطياف وشخصيات مسيحية قبيل التفاهم مع “التيار الوطني الحر”، لكن بعد شباط/ فبراير 2006، صارت الشخصيات المسيحية تتوسل إجتماعا ولو مع مسؤول من الصف الثالث في حزب الله. ليس هكذا تدار السياسة ولا الخصومات أو التحالفات
– عند الدعوة الى الثورة، يفترض أن تكون البداية من عند المدارس والجامعات الكاثوليكية التي انهكت اولياء التلاميذ والطلبة والهيئات التعليمية مالياً ويسري ذلك أيضاً على المستشفيات الكاثوليكية، فهل يمكن لبكركي أن تفيد بماذا قدمت لهؤلاء ولتدعيم دورة الإنتاج الوطني وحماية أموال المودعين، ومن رسم الخطوط الحمر حول حاكم مصرف لبنان ورئيس واعضاء جمعية المصارف. وعندما استشهد البطريرك الراعي بالبابا فرنسيس، هل طبق ما طلبه من رجال الدين والقادرة الروحيين للتشبه بالفقر ومساعدة الفقراء؟ ولماذا يرفض الفاتيكان أن تأتي مساعداته للمؤسسات الكاثوليكية في لبنان عن طريق الكنيسة المارونية، ولماذا يريدها أن تأتي حصراً عبر مؤسسات المجتمع المدني؟
– السؤال التاريخي الى اي نتيجة انتهت الثورة التي دعا اليها البطريك مسعد وعندما دعم ثورة الفلاحين كيف انتهت؟ اليس بمجازر مارونية ودرزية ومن ثم صراع ماروني – ماروني بين يوسف بك كرم الذي انتهى بالمنفى وطانيوس شاهين الذي عاد ليعمل اجيرا عند المشايخ؟.
-عند الدعوة إلى الثورة أيضاً وإرتسام هكذا مشهدية في بكركي، هل يمكن أن يفكر من شجعوا على التظاهرة ماذا إذا قرر حزب الله الدعوة إلى تظاهرة مليونية مضادة في الضاحية الجنوبية بعنوان رفض التدويل، عندها، هل يجوز تحويل بكركي إلى دشمة حزبية سياسية ومن يريد إقحامها في الإستقطابات الحزبية والفئوية، وهل هذا هو مجد لبنان الذي أعطي لبكركي؟
– هل قرأ البطريك الراعي تاريخ البطاركة اسلافه قبل توجيه دعواته التي يستمر في اطلاقها؟ وقبل الاستشهاد بالبطريركين عريضة والحويك، لا بد من الانتباه الى ان اكثر من حارب الحويك بمسألة اعطائه لبنان الكبير هي فرنسا التي استمرت بالتفاوض سرا مع الملك فيصل على الرغم من اعطاء الوعد للحويك، ولم يعط لبنان الكبير الا بعد اندلاع ثورة الدروز فكان الحل لدى فرنسا بتقوية الموارنة من خلال لبنان الكبير.
في الختام، كلمتان في السياسة.
الأولى، ثمة مشكلة بين غبطة البطريرك وحزب الله. تقتضي الصراحة القول إن قيادة حزب الله تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عنها. يسري ذلك ليس على العلاقة مع بكركي بل مع أطياف لبنانية عديدة، يختلف معها حزب الله فيقرر مقاطعتها بالسياسة. هذه حاله أيضا مع وليد جنبلاط. عندما “يُغرم” الحزب بشخصية يفيض عليها “غراماً”. كان حزب الله منفتحاً على أطياف وشخصيات مسيحية قبيل التفاهم مع “التيار الوطني الحر”، لكن بعد شباط/ فبراير 2006، صارت الشخصيات المسيحية تتوسل إجتماعا ولو مع مسؤول من الصف الثالث في حزب الله. ليس هكذا تدار السياسة ولا الخصومات أو التحالفات. لذلك، على حزب الله أن يبادر بإتجاه بكركي، وأن لا يترك ملعبها مفتوحاً أمام “المفاجآت الدونكيشوتية”!
الثانية، لا يجوز لا المبالغة ولا التقليل مما حصل في بكركي. أطلق البطريرك الراحل صفير قاطرة العام 2000، إنطلاقاً من العبارة الشهيرة لمجلس المطارنة الموارنة، “بعد أن خرجت إسرائيل، أفلم يحن الوقت للجيش السوري ليعيد النظر في انتشاره تمهيدا لانسحابه نهائياً”؟ لم يكن صفير وحده. كان معه كل أحزاب المسيحيين وجمهورهم ومعه رفيق الحريري ووليد جنبلاط والفاتيكان. من يقف مع البطريرك الراعي اليوم؟ نصف المسيحيين في أحسن تقدير وبلا شريك مسلم واحد وبلا الفاتيكان حتماً.
يا صاحب الغبطة الكلي الطوبى، هناك الكثير والكثير من الملاحظات، ولكن باختصار شديد: ليست كذلك نهاية الموارنة اطلاقا.. ما هكذا يُحمى وجود المسيحيين في لبنان!