على مدة عشرة أيام، كيف تبدّت صورة المواقف الدولية والإقليمية من انقلاب النيجر؟
لاحظنا أن دول مجموعة “ايكواس” (المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا وتضم غامبيا، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، مالي، السنغال، سيراليون، بنين، بوركينا فاسو، غانا، ساحل العاج، النيجر، نيجيريا، وتوغو)، عقدت قمة في العاصمة النيجيرية أبوجا في ٣٠ تموز/يوليو ٢٠٢٣ أعلنت في ختامها “تعليقاً فورياً لجميع التبادلات التجارية والمالية” مع النيجر، كما تعليق جميع المساعدات المالية للنيجر وتجميد أصول الانقلابيين، وإمهالهم أسبوعاً لإعادة النظام الدستوري إلى البلاد، أي إعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم.
ولم تمضِ أيام حتى إجتمع رؤساء أركان جيوش دول “إيكواس”، في أبوجا، وبحثوا في الخطوات الواجب اتخاذها لإعادة الأمور إلى نصابها الدستوري.
وفي تطور بارز كان موازياً لإجتماعات “إيكواس”، أعلنت نيجيريا أكبر وأقوى دول المجموعة قطع إمدادات الكهرباء عن النيجر على خلفية الانقلاب العسكري.
بدورها، دعت الولايات المتحدة إلى عودة الرئيس المنتخب بازوم الذي تلقى إتصال دعم ومساندة من وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن. تزامن ذلك مع نشر صحيفة “واشنطن بوست” مقالة لبازوم يُحذّر فيها من سقوط منطقة غرب الصحراء بيد روسيا بواسطة قوات “فاغنر”.
أما فرنسا، فقد رفضت الانقلاب ودعت إلى عودة الرئيس المنتخب بازوم لممارسة السلطة، ورفضت قرار الإنقلابيين بقطع العلاقات مع فرنسا. وكان لافتاً للإنتباه قرار الإنقلابيين بوقف تصدير المعادن وأبرزها اليورانيوم إلى فرنسا في تهديد خطير لأمن الطاقة في فرنسا التي تستورد ثلث ما تستهلك من يورانيوم في مفاعلاتها النووية الكهربائية من النيجر.
في المقابل، تلقى الانقلابيون تأييداً من مالي وبوركينا فاسو، وهو موقف مهم لدولتين جارتين للنيجر، فيما تعاطفت بنين معهما. وبقي موقف تشاد غامضاً ومتردداً حتى الآن. أما دولة الجزائر، وهي الجارة العربية القوية التي تتشارك حدوداً مع النيجر في الصحراء (بالإضافة إلى ليبيا التي لم تحرك ساكناً حتى الآن)، فقد دعت للحفاظ على الشرعية لكنها عارضت بشدة أي تدخل عسكري.
وللمرة الأولى في تاريخها تشهد منطقة غرب إفريقيا مثل هذا التأزم والإستقطاب وفرض عقوبات على إحدى دولها، فضلاً عن قرار الإنقلابيين بقطع امدادات المعادن عن فرنسا. وهذه المنطقة هي بمثابة حديقة خلفية لفرنسا جعلها تنفرد مراراً بالتدخل العسكري لفرض مصالحها من دون العودة إلى الأمم المتحدة أو لصيغة قوات متعددة الجنسيات كما تفعل الولايات المتحدة.
غالب الظن أن الولايات المتحدة ستدعم عملية عسكرية لمجموعة “إيكواس” بغالبية عسكرية نيجيرية لأنها الخيار الأفضل لها ولحليفتها فرنسا ولأنها ستغلق غرب إفريقيا بوجه روسيا وربما الصين التي يزداد حضورها ونفوذها في القارة السمراء
وكانت منطقة غرب إفريقيا قد اهتزت تحت أقدام الفرنسيين عندما طردت سلطات مالي ما تبقى من قوات فرنسية عن أراضيها عام ٢٠٢٠ ثم تبعتها بوركينا فاسو عام ٢٠٢١.
تزامنت أحداث النيجر مع قمة روسية إفريقية في موسكو حضرتها نحو ثلاثين دولة وظهر فيها الرئيس فلاديمير بوتين بوصفه الراعي الجديد للقارة.. وكانت باكورة “رعايته” تقديم القمح مجاناً لعدد من الدول الإفريقية.
هل تتحول منطقة غرب إفريقيا إلى جبهة ثانوية في الحرب الروسية الأوكرانية تسعى من خلالها واشنطن إلى ضرب وتصفية نفوذ روسيا المتصاعد فيها؟
صحيح أن دول “إيكواس” قطعت الطريق على احتمال تطبيع الوضع مع الإنقلابيين، إلا أن العمل العسكري الذي هدّد به رؤساء أركان جيوشها دونه عواقب كبيرة وحسابات كثيرة، فهذه الدول لا تبدو في وضع يُمكنها من شن هجوم على النيجر قد يتحول إلى حرب معها ومع حليفتيها مالي وبوركينا فاسو مع ما يعنيه ذلك من جبهة عسكرية مترامية الأطراف ثمة صعوبة في تلبية احتياجاتها اللوجستية.
ولا تبدو فرنسا التي تمتلك قاعدة عسكرية في النيجر قوامها نحو ألف جندي جاهزة لعمل عسكري منفرد ولا ضمن إطار أوروبي أو دولي أو أطلسي. كما أن الولايات المتحدة التي تبني مصنعاً للطائرات المُسيّرة في النيجر، لا يبدو ان وجودها العسكري هناك من خلال مئات الجنود يصلح أساساً لتدخل عسكري.
لذا تبدو خيارات دول “إيكواس” وفرنسا والولايات المتحدة محدودة جداً، ذلك أن تنفيذ التهديد بانهاء الإنقلاب وعودة الشرعية صعبٌ، كما أن التراجع عن التهديد أصعب، فما هي الخيارات المحتملة أمام مجموعة “إيكواس” بالتنسيق مع باريس وواشنطن؟
يُحيلنا هذا السؤال إلى ما سربه موقع “إكسيوس” الأميركي عن احتمال لجوء نيجيريا وحدها لاجتياح النيجر وتحديداً العاصمة نيامينا القريبة من حدودها، ورأى كاتب المقال في الموقع أن هكذا خيار هو محاولة من الرئيس النيجيري بولا تينوبو للهروب من أزمته الداخلية، مستفيداً من آراء خبراء يُردّدون أن هكذا عملية عسكرية ضد النيجر حظوظ نجاحها كبيرة نظراً للتفاوت الكبير بين القوات المسلحة النيجيرية والقوات المسلحة للنيجر، غير أن مجلس الشيوخ النيجيري استبق قراراً من هذا النوع في ٥ آب/أغسطس، فأصدر قراراً بعدم تفويض الرئيس القيام بعمل عسكري ضد النيجر.
هل يلتزم الرئيس بولا تينوبو بالقرار أم يجدها فرصة لا يمكن تفويتها؟
ثمة مخرج قانوني ـ سياسي يتمثل بالتدخل في إطار مجموعة “إيكواس”، وهو تدخل مشروع وقانوني قابل لأن يجعل المشاركة النيجيرية وازنة طالما أن التحكم بسير المعارك ونتائجها سيكون مهمة الجيش النيجيري بدعم عسكري واستخباري من فرنسا والولايات المتحدة.
إذا نجح بولا تينوبو بالاطاحة بالانقلابيين في النيجر فإن نيجيريا ستظهر كقوة رئيسية ذات نفوذ سياسي وعسكري في غرب إفريقيا، وسيُقدّم هذا الإنجاز الكبير لفرنسا معيداً حلفائها في النيجر إلى السلطة.
أما الولايات المتحدة، وهي الحليفة الأساسية لنيجيريا، فستكون الرابح الأكبر لأن نيجيريا أطاحت بحلفاء روسيا.. وماذا يمنع احتمال تطور الموقف إلى حد التدخل في بوركينا فاسو ومالي والسعي للاطاحة بنظاميهما الحليفين لموسكو؟
غالب الظن أن الولايات المتحدة ستدعم عملية عسكرية لمجموعة “إيكواس” بغالبية عسكرية نيجيرية لأنها الخيار الأفضل لها ولحليفتها فرنسا ولأنها ستغلق غرب إفريقيا بوجه روسيا وربما الصين التي يزداد حضورها ونفوذها في القارة السمراء.