من جانبه، عبر وزير الدفاع الإسرائيلى بينى جانتس عن نيته «إقامة ترتيب أمنى خاص مع دول الخليج العربى التى لها علاقات مع إسرائيل وتشاركها المخاوف بشأن إيران».
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد نقلت عن مصادر خليجية لم تسمها، أن تل أبيب توجهت إلى كل من السعودية والإمارات والبحرين لبناء تحالف أمنى دفاعى على غرار حلف الناتو، للتعامل مع التهديد الإيرانى المتزايد فى المنطقة.
***
كتبت من قبل إن حكومات عربية تُدخلنا أخطر مراحل التطبيع مع إسرائيل، وهى ما أطلقت عليه قبل أعوام مرحلة «التطبيع بلا مقابل» لمواجهة أوهام وجود أخطار مشتركة.
ويحاول المطبعون الجدد إقناع شعوبهم العربية بأن هناك أخطارا تهددهم وتهدد إسرائيل معهم مثل الخطر الشيعى، وخطر تنظيم داعش، وخطر الإرهاب، والخطر النووى الإيرانى.. من هنا وجب علينا (نحن وإسرائيل) مواجهة هذه الأخطار معا.
ومع توقيع دولتى الإمارات العربية والبحرين اتفاقيات سلام قبل شهور مع إسرائيل، وإقامة علاقات دبلوماسية مع المغرب والسودان، حمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشرى للشعب الإسرائيلى مفادها أن الاتفاقية التاريخية مع دولة الإمارات تحمل فى طياتها بشرى عظيمة بالنسبة لإسرائيل. وأضاف فى سلسلة تغريدات أن الاتفاقية «تعزز أمننا» وأنها قائمة على سلام مقابل السلام، وقال إنه سيكون هناك «سلام مقابل ثمار السلام الهائلة». كما أكد نتنياهو أن «الحقيقة هى بأننا ملتزمون بتحقيق السلام مع العالم العربى، وشطبنا الفيتو الفلسطينى على تقدم السلام مع الدول العربية الأخرى، وستكون هناك دول عربية أخرى ستصنع السلام معنا».
***
ولا يرتبط التقارب الرسمى العربى الأخير بصفة عامة بأى من ملفات قضية حقوق الفلسطينيين، ولا يعد ذلك استثناء، بل هو الواقع الذى أملته رغبة الأطراف العربية، أو واقع فرض الأمر الواقع على الأرض من الجانب الإسرائيلى ورضوخ الأطراف العربية.
سلام مصر مع إسرائيل ومن بعدها سلام الأردن لم يأت أو يمنح الفلسطينيين أى حقوق أو تنازلات إسرائيلية، فى الحالة المصرية تم الانسحاب من سيناء، وفى الحالة الأردنية انسحبت إسرائيل من مساحة 380 كيلومترا مربعا من أراض أردنية، ولم تنسحب إسرائيل من أراضٍ فلسطينية إرضاء أو رضوخا للدول العربية.
وفى كتابه Every Day is Extra، يؤكد جون كیرى، وزير الخارجية الأسبق أن واشنطن تصورت إمكانية التأسيس للسلام الاقتصادى أولا كمدخل أكثر برجماتیة لسلام الشرق الأوسط، وهو نفس الطرح الذى قدمه من قبله بعقود شيمون بيريز، رئيس الوزراء والرئيس الإسرائيلى الأسبق. إلا أن كیرى أكد أن المفاجأة كانت فى موقف نتنياهو الذى تشدد، إذ سعى نتنیاهو لكسب المزيد من تطبیع الدول العربیة وخاصة الخلیجیة مع إسرائیل، ويبدو أن نتنياهو نجح نجاحا كبيرا فى مسعاه.
***
وللمرة الأولى يظهر استعداد الدول العربية اعتبار النزاع العربى الإسرائيلى منتهيا، والدخول فى اتفاقيات سلام مع إسرائيل بهدف تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة بدون شرط الانسحاب الكامل من الأراضى العربية المحتلة عام 1967، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194 مقابل تطبيع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل. إلا أن المطبعين الجدد لم يعد هناك ما يلزمهم بهذا الحد الأدنى من ضرورة إقرار الحقوق الفلسطينية.
كذلك تشتد الجهود الإسرائيلية داخل واشنطن لاستغلال حالة الضعف العربى غير المسبوق من أجل تحسين وضعها التفاوضى فى أى عملية سلام مستقبلية مع الفلسطينيين. وتركز هذه الجهود على القضاء على أى مسوغات قانونية دولية دعت فى السابق لانسحاب إسرائيل من الأراضى الفلسطينية التى احتلتها فى حرب حزيران/ يونيو 1967 عن طريق المطالبة بتجاهل تام لقرار مجلس الأمن 242، وغيره من القرارات الدولية.
وموازاة مع الشق السياسى يأتى الشق الأكثر خطورة مما نشهده الآن فى نطاق الهرولة العربية «للسلام» مع إسرائيل، وهو ما سيرتبط بتغيير المناهج الدراسية التعليمية العربية خاصة فى مواد التاريخ والجغرافيا.
ناقوس خطر كبير حيث تنشغل نخب العرب وتتوه وسط فوضى الأزمات اليومية التى يحيون فيها، فى حين يركز البعض على جهود لن تتوقف يدعمها خطوات التسامح والتطبيع ودعوات قبول الآخر، حيث تنسى الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال العرب وجود احتلال لأراض عربية بها مقدسات دينية.
ويعنى ذلك إنجاح العرب لاستراتيجية إسرائيل فى محاولة إقناع أطفال العرب أن «الاحتلال ليس هو أصل القضية»، وأن احتلال فلسطين ليس قضيتهم على الإطلاق.
***
تاريخيا وعلى الرغم من هزائمها العسكرية المدوية أمام إسرائيل، التزمت الدول العربية، ولو شكليا ورمزيا بحدود ما قبل 1967 للفلسطينيين، ويبدو أنه ليس هناك أى حاجة لهذه الأمور التى يرونها شكلية ورمزية وبالية، وهذا ما يستغله المطبعون العرب الجدد ويروجون له بلا خجل أو تردد.
(*) بالتزامن مع “الشروق“