واقعياً، أصبح الرأي العام الايراني مستعداً لتقبل فكرة أن قائداً عسكرياً يمكن أن يحتل سدة رئاسة الجمهورية، لعله يحاول أن يقدم نموذجاً إنقاذياً. هكذا خيار يمكن أن يشكل بديلاً لنماذج أخرى جرّبت حظها ولم تفلح. بعضها كان معمماً (نموذج الشيخ حسن روحاني وقبله السيد محمد خاتمي) وبعضها الآخر يرتدي الزي المدني (نموذج محمود أحمدي نجاد).
إذا تحقق سيناريو الرئيس ـ العسكري، ستكون إيران للمرة الأولى أمام تجربة ضابط كبير يحتل منصباً سياسياً مفصلياً في سدة القرار، وفي الوقت نفسه، سيكون ذلك بمثابة رسالة إلى الداخل والخارج: الحرب الإقتصادية ـ السياسية الشرسة التي تتعرض إليها إيران لا يمكن مواجهتها إلا بالأدوات نفسها.. وأولها الجنرالات.
محسن رضائي قائد الحرس الثوري الأسبق هو أحد الوجوه الجدية المرشحة للرئاسة الإيرانية. تولى قيادة الحرس الثوري في زمن الحرب العراقية الايرانية (1980 ـ 1988)، وعملت تحت إمرته شخصيات مرموقة مثل محمد باقر قاليباف الرئيس الحالي للبرلمان الايراني والراحل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري ومحمد باقري رئيس هئية الأركان المسلحة الايرانية وعلي شمخاني أمين عام مجلس الأمن القومي الأعلى في ايران.
يتجه رضائي للمشاركة بصفته مرشح التيار المحافظ ولكن بفارق أنه لن يخوض الإنتخابات من نافذة العسكر والحرب بل من نافذة محاولة إنقاذ الإقتصاد الايراني المريض
وفيما تبدو حظوظ الإصلاحيين الرئاسية ضعيفة جداً، تتجه الأنظار إلى معسكر المحافظين في الإنتخابات الرئاسية المقبلة. الجنرال محسن رضائي أمين سر مجمع تشخيص مصلحة النظام وأستاذ جامعة الإمام الحسين العسكرية والحاصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد من جامعة طهران، حاول إختبار حظوظه الرئاسية في الأعوام 2004 و2008 و2012 لكنه إنسحب من السباق الرئاسي لمصلحة مرشحين آخرين، كما فعل في المرة الأولى، وخسر رهانه كما حصل في آخر مرتين.
في هذه الإنتخابات، يتجه رضائي للمشاركة بصفته مرشح التيار المحافظ ولكن بفارق أنه لن يخوض الإنتخابات من نافذة العسكر والحرب بل من نافذة محاولة إنقاذ الإقتصاد الايراني المريض.
ومن المفيد التذكير بأن مجمع تشخيص مصلحة النظام هو عبارة عن مؤسسة حكومية تلعب دوراً استشارياً للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، كما أن محسن رضائي الذي يشغل منصب أمين سر هذه المؤسسة هو المسؤول عن رسم السياسة الإقتصادية العليا في ايران.
وكان لافتاً للإنتباه أن رضائي قرع أجراس الترشح للإنتخابات للمرة الأولى بتوجيه إنتقادات إلى سياسة حكومة روحاني الإقتصادية، في الثالث والعشرين من حزيران/ يونيو 2020 الماضي، وقال في تغريدة عبر “تويتر”:”الحكومة يجب أن تتصدى لغلاء الأسعار، مع الغلاء الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقراً”. وفي تغريدة أخرى، خاطب رضائي الشعب الإيراني من على رقعة شطرنج الإقتصاد، فقال: “في حال الإطاحة بعشاق أميركا والإدارة الإعتباطية التي تعتمد على الإستيراد، فإن العملة الايرانية ستصبح الأقوى في المنطقة”.
وفي الثلاثين من حزيران/ يونيو الماضي، انتقد رضائي السياسة الليبرالية التي تتبعها الحكومة الحالية. سياسة تسببت في تدهور سعر العملة الايرانية وفرضت ضغوطاً إقتصادية مضاعفة على الشعب الايراني. قال رضائي إن المصاديق السياسية تقتضي بأن يعتذر أنصار التفاوض مع أميركا – حكومة روحاني – من الشعب الايراني بعد إنهيار وفشل الإتفاق النووي.
هذا التدحرج في المواقف أعطى إشارة واضحة للرأي العام بأن رضائي على عتبة إعلان قراره بخوض السباق الإنتخابي، وفي هذا الصدد، نقل الناشط السياسي والإعلامي الايراني مصطفى فقيهي عن رضائي قوله في إجتماع خاص “بأن الدولة بحاجة إلى عالم إقتصاد ولذلك أدرس الظروف المحيطة بالإنتخابات الرئاسية الايرانية المقبلة”. أما محمد علي أبطحي رئيس مكتب الرئيس الايراني الأسبق محمد خاتمي، فقد كان جازماً بقوله إن رضائي سيترشح للإنتخابات الرئاسية “من دون أدنى شك”.
الأكيد أن خوض غمار السباق الإنتخابي من دون إجماع ودعم التيار المحافظ يمكن أن يضيف إلى سجل محسن رضائي خسارة جديدة، ولا يبدو أن الرجل في وارد تكرار التجارب الثلاث السابقة
ما قاله فقيهي وأبطحي يحيلنا إلى سؤال آخر: من سيدعم رضائي في الإنتخابات المقبلة؟
هذا السؤال يجيب عنه المحلل السياسي الإيراني المعروف حسين كنعاني مقدم، بقوله إن منافسي رضائي في الإنتخابات الرئاسية السابقة ليسوا موجودين، فالسيدان قاليباف ورئيسي يتصديان لمنصبين في السلطتين التشريعية والقضائية وليس للسيد رضائي منافس آخر في التيار (المحافظ) “إلا في حال قرر سعيد جليلي الدخول في السباق الإنتخابي عندها سوف يكون أمام منافس داخلي (جدي)”.
ميزة رضائي، من وجهة نظر الخبراء الذين ينتمون إلى التيار المحافظ، وأحدهم مصطفى فقيهي، أن القائد الأسبق للحرس الثوري “يملك برنامجاً واضحاً وبالتالي قد يشكل الخيار الأمثل من أجل العبور من هذه الحقبة الإقتصادية الصعبة التي تعيشها ايران إلى حقبة سياسية إقتصادية جديدة”.
صاحب الزي العسكري وصاحب البرنامج الإقتصادي يقرع أبواب الرئاسة. علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت التيارات والأحزاب المحافظة الايرانية ستنجح في توحيد كلمتها وصفوفها في الإنتخابات الرئاسية المقبلة أم لا؟ وهل سيحصل رضائي على دعم وإجماع التيار المحافظ في هذه الإنتخابات أم لا؟
الأكيد أن خوض غمار السباق الإنتخابي من دون إجماع ودعم التيار المحافظ يمكن أن يضيف إلى سجل محسن رضائي خسارة جديدة، ولا يبدو أن الرجل في وارد تكرار التجارب الثلاث السابقة.