الحراك الدبلوماسي لبنانيًا.. تهيب من الإرتطام الكبير

مع غياب أية قوة دفع داخلية قادرة على إحداث خرق في جدار التأليف الحكومي اللبناني، برغم مضي 155 يومًا على تكليف سعد الحريري، تتقدم حركة السفراء العرب والأجانب، على خط الإستعصاء الداخلي.

تلتقي سفيرتا الولايات المتحدة وفرنسا بشكل دوري ومنتظم، وتلتقي هاتان الدبلوماسيتان أيضاً مع سفير السعودية، كلٌ على حدة، بشكل أقل انتظاماً وكذلك يفعل الثلاثة مع سفير جمهورية مصر العربية.

تدور هذه الحركة الدولية والعربية المتعلقة بلبنان، وفق منهج واضح: تأليف حكومة قادرة على ان تلج مدخل الحلول على اعتبار أن الحلول الجدية والمستدامة بعيدة المنال ويحتاج الوصول اليها تحديد سياسات الدولة اللبنانية إقليميًا وتحديد النموذج الإقتصادي للبنان الجديد ويمر أيضًا من خلال تجديد المجلس النيابي وتحديد “بروفايل” رئيس جمهورية لبنان المقبل.

الدول الأربع المعنية بشكل لصيق بلبنان لا تلتقي على اهداف متطابقة بل لكل منها رؤيتها:

أولًا، الأميركيون، يفضلون عدم حصول انهيار للبنان، ولكن اذا حصل، فيحصرون دورهم بتأمين المواد الأساسية للجيش ولفقراء لبنان. لا يهمهم كيف وممن تشكل الحكومة ومن يمتلك ثلثًا ضامنًا ومن يتمثل أو لا يتمثل في الحكومة وهم لا يشعرون بأي خوف من تدافع موجات نزوح من لبنان صوب الأطلسي. يريدون فقط ان تكون حكومة افعال تطبق بعض البنود الإصلاحية من دون ابطاء. يفضلون حكومة من دون حزب الله لكن سبق وأن تعاملوا منذ ٢٠٠٥ مع حكومات تمثل فيها الحزب وكانوا ينأون ببرامجهم عن وزارات الحزب. أيضًا، الأميركيون ملتزمون بأمن إسرائيل وترسيم الحدود البحرية معها، وحريصون على تأمين مناخ تفاوضي ايجابي مع ايران التي يشكل حزب الله أهم وأفعل أذرعتها الإقليمية.

يريد السعوديون من الدولة اللبنانية أن تحدد موقفًا واضحاً من “الإعتداءات الحوثية” على المملكة، وتاليًا أن تحدد موقفها ممن يدعم جماعة الحوثيين ومن يساندهم

ثانيًا، الفرنسيون، كما الأوروبيون جميعًا، تؤرقهم موجات الهجرة في ظل جائحة عالمية استهلكت موارد معظم الدول. ما زالوا متمسكين بمبادرتهم اللبنانية ويحملون عاطفة بلا شك لكيان ساهموا بإنشائه، ويريدون للبنان حكومة قادرة على التحرك واتخاذ القرارات الإصلاحية الضرورية، وهم حريصون على التواصل مع كل الأطراف ومن ضمنهم وفي مقدمهم حزب الله، وذلك على النقيض من الأميركيين والسعوديين. بالسياسة، يحتاجون لموطئ قدم في منطقة فقدوا النفوذ والمصالح فيها بالإكراه، اي سوريا والعراق وايران.. ولبنان موطئ قدم جيد لفرنسا.

ثالثًا، السعوديون، لديهم رؤية ترتكز الى ثوابت جديدة، مرتبطة بنهج يريد ان يسلكه ولي العهد: يريدون التعاطي مع لبنان من دولة الى دولة وليس بين دولة وافرقاء وطوائف او افراد. يريدون من الدولة اللبنانية أن تحدد موقفًا واضحاً من “الإعتداءات الحوثية” على المملكة، وتاليًا أن تحدد موقفها ممن يدعم جماعة الحوثيين ومن يساندهم. يؤكد السعوديون على عدم التدخل في الشؤون اللبنانية من تكليف وتأليف وصراع صلاحيات. هم يتمسكون بإتفاق الطائف وبالمقرارت الدولية ومن ضمنها القرار ١٥٥٩.

رابعًا، المصريون، يمارسون الدبلوماسية التقليدية والمحافظة والمتحفظة. هم يعتقدون ان وجود الدولة واستمرارها اهم نقطة ارتكاز وان الفرقاء المنتخبين هم من يمثلوا الحضور الوازن وان رئاسة الحكومة مقام يجب ان يحفظ من خلال احترام ارادة الأكثرية النيابية التي سمّت سعد الحريري مكلفًا كما تم رفد هذه التسمية بدعم من نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي بات يشكل رافعة يعتد بها لموقع رئاسة الحكومة. المصريون، وبرغم اختلافهم مع الرئيس السوري بشار الأسد حول ملفات عديدة، لم يقطعوا العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وبرغم صراعهم مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لم يجاروا اليونانيين في ترسيم حدود بحرية تتجاوز الحدود التركية القانونية.

التفكير الجدي باستحداث عقوبات أميركية ـ أوروبية – خليجية على شخصيات وكيانات لبنانية تمتلك ملفات فساد بغض النظر عن إنتمائها السياسي او الطائفي والمذهبي، وقد وضع هذا الملف على سكة البحث

امام هذا المشهد، يتضح ان التنسيق الدبلوماسي الرباعي، وبرغم وجوده، لم يترجم رؤية موحدة تجاه لبنان وحكومته وقضاياه والحلول فيه. يتفق السفراء الأربعة على أن لا مصلحة لدولهم بإنهيار لبنان. يبدو الفرنسيون هم الأقدر على قيادة المفاوضات والضغط والتأثير لانهم لم يقطعوا مع ايران إقليميًا وحزب الله لبنانيًا لكن الفرنسي حتى يتقدم وينجح، يحتاج إلى أدوات واضحة تشرحها مصادر مواكبة كما يلي:

١- ضرورة التنسيق اللصيق مع فرقاء الرباعية والتواصل مع ايران كما وتوسعة دائرة المشاورات لتشمل الإتحاد الأوروبي وسويسرا وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة من دون أدنى شك.

٢- تطوير رؤية موحدة (آخذة بالتطور أصلًا) حول شكل الحكومة اللبنانية التي يجب أن تؤلف ووظيفتها ومهمتها المحددة بإطار زمني وعملاني، وذلك ليس تدخلًا أجنبيًا بقدر ما هو نتاج فشل الفرقاء اللبنانيين جميعًا في تحديد شكلها، على الرغم من توفر مبادرة فرنسية مطاطة جدًا بدأت بحكومة وحدة وطنية وانتهت بحكومة إختصاصيين ولا مانع أن تكون تكنوسياسية شرط أن لا تضم أي رمز من رموز الفساد.

إقرأ على موقع 180  روسيا و«الهجمة الايديولوجية»… بين الـ«رينبو» والـ«رادوغا»

٣- مواكبة الأفكار الإصلاحية من خلال الأدوات الدولية المتعددة ولا سيما صندوق النقد الدولي، على أن تلامس الموضوعات الأساسية من اصلاح القطاعات المصرفية والقضائية والإدارية للدولة اللبنانية.. الخ.

٤- التفكير الجدي باستحداث عقوبات أميركية ـ أوروبية – خليجية على شخصيات وكيانات لبنانية تمتلك ملفات فساد بغض النظر عن إنتمائها السياسي او الطائفي والمذهبي، وقد وضع هذا الملف على سكة البحث.

٥- عدم السماح تحت اي ظرف، بتأجيل الإنتخابات النيابية المقررة في ربيع سنة ٢٠٢٢.

٦- استمرار تدفق المساعدات الحيوية والمعيشية للعائلات الأكثر فقرًا عبر مؤسسات غير حكومية وبما يتجاوز حكومة تصريف الأعمال والوزارات المختصة.

٧- البحث الجدي بدعم الجيش والمؤسسات الأمنية بما يكفل استمرار عملها لما تشكله من ضمانة للحفاظ على هيكل دولة لا يرغب احد بتدميره الى الآن.

بعد مرور ثمانية أشهر تقريبا على إستقالة حكومة حسان دياب، “ألم يحن الوقت للتخلي عن تلك الشروط والبدء بالتسوية”؟ هذا السؤال طرحته سفيرة الولايات المتحدة في لبنان دوروثي شيا التي إلتقت بالأمس كلًا من الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري. أكدت في بيان مكتوب على “الحاجة الملحة لتشكيل حكومة ملتزمة بالإصلاحات وقادرة على تنفيذها”. واكدت على “الحاجة إلى قادة شجعان، لديهم الاستعداد لوضع خلافاتهم الحزبية جانباً والعمل معاً لإنقاذ البلاد من الأزمات المتعددة والجروح التي احدثتها (تلك الأطراف) بنفسها والتي تواجهها”.

ويقول احد الدبلوماسيين المخضرمين إن جولة من المبارزة إنتهت بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. هي استراحة قصيرة ويعود الطرفان الى جولة او جولات يجب ان تفضي حكمًا إلى تأليف حكومة برئاسة الحريري المفوض نيابيًا والذي يمتلك شرعية دولية يعتد بها حاليًا.

يبدو من خلال ما سبق، ان سنة اشغال شاقة مع التنفيذ تنتظر اللبنانيين ونخبهم السياسية تليها انتخابات نيابية سيتحول إنجازها الى فرصة وحيدة لدخول لبنان عصر التسويات في السنوات المقبلة. أما الإنتخابات الرئاسية المقررة في خريف العام 2022، فلها سياقها غير المنفصل لا عن تأليف الحكومة الجديدة ولا عن الإنتخابات النيابية المقبلة وما يمكن أن يتولّد عنها من توازنات، لكن حتمًا، لن تكون بعيدة عن تشابكات الإقليم وتسوياته.. إلا إذا كانت التناقضات أكبر من التقاطعات، فيكون موسم الفراغ الرئاسي المقبل.. حتميًا.

Print Friendly, PDF & Email
خلدون الشريف

كاتب سياسي لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  روسيا و«الهجمة الايديولوجية»… بين الـ«رينبو» والـ«رادوغا»