لبنان والأردن.. لعنة المئوية
CORRECTION - Lebanese President Michel Aoun (L) and Jordan's King Abdullah II (R) review the honour guard during an official welcome ceremony at Marka airport in Amman on February 14, 2017. / AFP / POOL / KHALIL MAZRAAWI / The erroneous mention appearing in the metadata of this photo by KHALIL MAZRAAWI has been modified in AFP systems in the following manner: on February 14, 2017 instead of on January 14, 2017. Please immediately remove the erroneous mention from all your online services and delete it from your servers. If you have been authorized by AFP to distribute it to third parties, please ensure that the same actions are carried out by them. Failure to promptly comply with these instructions will entail liability on your part for any continued or post notification usage. Therefore we thank you very much for all your attention and prompt action. We are sorry for the inconvenience this notification may cause and remain at your disposal for any further information you may require. (Photo credit should read KHALIL MAZRAAWI/AFP via Getty Images)

عندما يكون الدور هو سبب منشأ بعض الدول، لا يعود مدعاة للدهشة أن تصير هذه الدول عرضة للإهتزاز أو أن تمر بأعراض وجودية، كتلك التي أصابت لبنان في مئويته أو تلك التي تصيب الأردن في مئويته.    
لبنان والأردن تأسسا في عامي 1920 و1921، على التوالي وفي ظروف تاريخية معروفة. أراد موارنة جبل لبنان أن يتجنبوا غائلة الجوع التي مروا بها إبان الحرب العالمية الأولى، فانتزعت فرنسا لهم الأقضية الأربعة من سوريا. وأنشأت بريطانيا إمارة شرق الأردن إسترضاءً للأمير عبدالله نجل الشريف حسين بن علي سليل الأسرة الهاشمية، الذي كان والياً على الحجاز، ووقف مع الحلفاء في الحرب وأعلن “الثورة العربية الكبرى” ضد الإحتلال التركي لشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام، بينما تولى نجله الآخر الأمير فيصل عرش العراق، بعدما أسقطته فرنسا بالقوة عن عرش سوريا، التي كانت حصتها في التقسيم الوارد في خريطة سايكس – بيكو لعام 1916.
لبنان حكمته نخبة سياسية اعتمدت نظام المحاصصة الطائفية – الإقطاعية – الرأسمالية على قاعدة 6 و6 مكرر حتى إنفجار الحرب الأهلية عام 1975، التي إنتهت بتسوية الطائف عام 1989.
كرّست ما تسمى وثيقة الوفاق الوطني النظام السياسي الطائفي على قاعدة المساواة بين المسيحيين والمسلمين، وانطوت على تنازل المسيحيين عن صلاحيات رئاسة الجمهورية لمصلحة رئاسة مجلس الوزراء، وإنتقلت الميليشيات التي كانت تسيطر بحكم الأمر الواقع على الأرض، إلى قلب الدولة ومؤسساتها.
لكن اللبنانيين الذين كانوا توّاقين إلى وقف أصوات المدافع بعد 15 عاماً من القتال وسقوط أكثر من 150 ألف قتيل، فاتهم أن لبنان الذي كان يقال عنه أنه مرفأ المنطقة ومطارها ومصرفها، فقد أيضاً دوره بعدما حقّقت المنطقة إزدهاراً لافتاً مدفوعة بعوائد الفورة النفطية، وتالياً، إنتفت الحاجة إلى دور كان يؤديه لبنان، ولم يبق منه سوى التغني بالذكريات.
والتعويل على قيامته من جديد بعد الطائف، لم تدم إلا بضع سنوات، وبدأ لبنان الإستدانة منذ منتصف التسعينيات، بينما كان الفساد المؤسس على المحاصصة ينخره من الداخل وصولاً إلى الإنهيار الكبير في 2020 بعد مائة عام على إعلان الجنرال غورو دولة لبنان الكبير.
لو قيض لترامب أن يفوز بولاية ثانية، لكان مضى في تكريس “صفقة القرن” ليصل إلى حد الإعتراف بالأردن “وطناً بديلاً” للفلسطينيين، كـ”أمر واقع”، كما قال في معرض اعترافه بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية والجولان السوري
وكما كان لبنان حتى في ذروة سني الإزدهار في الخمسينيات والستينيات الماضية، متأثراً بمندرجات الصراع العربي – الإسرائيلي وسياقاته وبالتحولات الإقليمية، فتعرض للإهتزاز على وقع حلف بغداد وتأثر بالمد الناصري والوجود الفلسطيني ومن بعده العمل الفدائي المتأتي من نكبة 1948، فإن الأردن عاش على وقع التحولات الإقليمية، وفي مقدمها القضية الفلسطينية.
يروي المؤرخ الأميركي ديفيد فرومكين في كتابه “نهاية الدولة العثمانية – وتشكيل الشرق الأوسط”، كيف أن قادة الحركة الصهيونية حملوا على بريطانيا لأنها أسّست إمارة شرق الأردن، على اعتبار أن شرق الأردن هو جزء من الوطن القومي الذي وعد بلفور اليهود به في فلسطين.
ويركز بنيامين نتنياهو كثيراً على هذه النقطة في كتابه “مكان تحت الشمس”، ويعتبر أن بريطانيا حنثت بوعدها لليهود عندما اقتطعت شرق الأردن من فلسطين.
كان على الأردن بعد حرب 1967 التي خسر فيها الضفة الغربية، أن يُثبت يومياً أنه ليس “الوطن البديل” الذي كان يرد في كل السرديات الإسرائيلية.
لم تكد تمضي ثلاث سنوات على “النكسة”، حتى إنفجر الوضع الداخلي في الأردن في ايلول/ سبتمبر 1970، صراعاً مسلحاً بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية، لينتهي الأمر بخروج هذه الفصائل من المملكة إلى دول عربية أخرى، بينها لبنان.
وعندما بدأ يتبلور مزاج دولي في الثمانينيات الماضية للإعتراف بدولة فلسطينية على أراضي 5 حزيران/ يونيو 1967، سارع الملك حسين إلى فك الإرتباط إدارياً بالضفة الغربية عام 1988 ووقّع معاهدة وادي عربة للسلام مع إسرائيل في عام 1994.
مع اتفاقات أوسلو، منحت إسرائيل السلطة الفلسطينية حُكماً ذاتياً على بعض شؤون الضفة وغزة، لكن مفاوضات تلك السلطة مع إسرائيل، لم تصل إلى حد الإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، قبل أن تبلغ مرحلة الجمود لاحقاً، ومعها بقي قلق الأردن من أن يكون مجدداً “الوطن البديل”، خصوصاً مع طرح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب “صفقة القرن”، كتسوية للقضية الفلسطينية، وهي تتضمن إعترافاً بكل حالات الأمر الواقع التي كرذسها الإحتلال الإسرائيلي في حرب 1967.
وربما لو قُيّض لترامب أن يفوز بولاية ثانية، لكان مضى في تكريس “صفقة القرن” ليصل إلى حد الإعتراف بالأردن “وطناً بديلاً” للفلسطينيين، كـ”أمر واقع”، كما قال في معرض إعترافه بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية والجولان السوري، وشجّع الدولة العبرية على ضم أكثر من 40 في المئة من الضفة الغربية وبينها الأغوار، بحيث تتصل حدود إسرائيل بحدود الأردن.
  على رغم أن الملك عبدالله الثاني ليس معروفاً عنه تعاطفه مع إيران، لا بل هو صاحب عبارة “الهلال  الشيعي” للتدليل على النفوذ المتزايد لطهران في المنطقة، فإنه في الوقت نفسه لا يريد المضي في عملية ستكون نتيجتها تحول الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين
كرّس ترامب وقائع جديدة في المنطقة، كان لها انعكاسات على الأردن ربما أخطر من تلك التي مر بها من قبل. فبعد تجاهل قيام دولة فلسطينية، شجّع على التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، فكانت “إتفاقات ابراهام”، تحولاً لافتاً للإنتباه في مفاهيم الصراع في المنطقة للمرة الأولى منذ 70 عاماً. هذه الإتفاقات قامت على قاعدة العداء لإيران وليس على أساس إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وعلى رغم أن الملك عبدالله الثاني ليس معروفاً عنه تعاطفه مع إيران، لا بل هو صاحب عبارة “الهلال  الشيعي” للتدليل على النفوذ المتزايد لطهران في المنطقة، فإنه في الوقت نفسه لا يريد المضي في عملية ستكون نتيجتها تحول الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين.
مجدداً، يجد الأردن نفسه عند تقاطعات إقليمية تهدّد كيانه. “الإشتباك” الأخير بين نتنياهو والأردن على خلفية عدم سماح سلطات الإحتلال لولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبدالله بزيارة المسجد الأقصى لخلاف على تفاصيل الحراسة التي يجب أن تواكبه، ومن ثم عدم سماح الأردن لطائرة نتنياهو بالمرور في أجواء المملكة في أول زيارة كان ينوي القيام بها للإمارات، ورفض إسرائيل في آذار/ مارس طلباً أردنياً لتزويده بكمية من المياه ليتغلب على مشكلة الجفاف، كل ذلك، كان حصيلة تراكم عدم رضا إسرائيلي على سياسة الأردن ونتيجة قلق عمان على الدور الأردني مستقبلاً، ولا سيما أن نتنياهو لم يطوِ خطة ضم الأغوار ويجد نفسه في موقع المتحرر من كل الضغوط للقبول بقيام دولة فلسطينية ما بين البحر والنهر، لا سيما بعد عملية التطبيع الجارية مع الدول العربية وتراجع القضية الفلسطينية إلى أدنى لائحة الإهتمامات الأميركية.
هل أصبح الأردن يُشكل عقبة أمام المضي في “اتفاقات ابراهام” حتى يجد نفسه محاصراً بمخططات من الداخل والخارج؟
إذا كان الأردن شأنه شأن مصر لم يبدِ حماساً لهذه الاتفاقات – مع مفارقة أن مصر والأردن كانتا أولى الدول العربية التي وقعت على إتفاقي سلام مع الدولة العبرية – فإنه غير قادر على وقف مسيرة التطبيع في المنطقة، لكن كل ما يطالب به، ضمان عدم تحوله “وطناً بديلاً”، بعدما تغيّرت مفاهيم الصراع في المنطقة وتبددت الآمال بدولة فلسطينية على أراضي 5 حزيران/ يونيو 1967. ولا يشفع للأردن توقيع إتفاق سلام مع إسرائيل، لأنه قد يكون مطلوباً منه أكثر في خضم التحولات الجديدة في الشرق الأوسط، وهي مرحلة تفتش عن ضحايا.
وبمرارة، أقر الملك عبدالله الثاني أن خطورة ما جرى في الأردن هذه المرة إمتد إلى قلب الأسرة الهاشمية، مما يحمل على الإعتقاد بأن أطرافاً إقليمية أخرى، غير إسرائيل أيضاً، قد تكون دخلت على خط التنافس الداخلي الأردني لمصلحة طرف على آخر في لحظة إقليمية لا تحتمل المواقف الرمادية، إما معنا أو ضدنا.
ما يواجه الاردن الذي يحتفل بمئويته في 11 نيسان/ أبريل 2021، أكثر من تحدٍ يتجاوز كل ما مرّ به حتى الآن، من حرب 1948، إلى إغتيال الملك عبدالله الأول في القدس عام 1951، إلى محاولة الإنقلاب عام 1957 وحرب 1967 وحرب الخليج الثانية في 1991 والغزو الأميركي للعراق عام 2003.
مسألة أخيرة لا يمكن إغفالها في حالتي لبنان والاردن، وهي أنه عندما حلّ الدمار بالعراق عام 2003 وإحترقت سوريا بنيران الحرب عام 2011، تأثرت بيروت وعمان بهاتين الحربين أكثر مما يتصور البعض، وإنعكست عليهما، سياسياً وإقتصادياً؛ موقعاً ودوراً.
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  كونديرا: مأساة أوروبا الوسطى (1984) | (1)
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  نحنُ والإنجليز.. مشاعر شاب مصري بلا رتوش