ثُلُث جنود الولايات المتحدة.. الله يُشفينا وليس اللقاح

نقل موقع Military.com الاميركي عن مسؤولين في البنتاغون قولهم لمشرعين أميركيين في شباط/ فبراير الماضي، إن قرابة ثلث الجنود يرفضون تلقي لقاح كوفيدـ19. لا يشمل هذا الرقم القوات الأميركية المنتشرة خارج أراضي الولايات المتحدة. يحصل ذلك في ظل إدارة تعهدت بالتغلب على الوباء، لكن لم تصل إلى حد استخدام سلطاتها التنفيذية لضمان تلقيح 2.3 مليون فرد من أفراد قواتها المسلحة.

وفقا لبيانات موثوقة، حصل عليها موقع Military.com ونشرها في 13 نيسان/ أبريل الحالي، فإن 48 ألفًا من 123 ألفًا من مشاة البحرية الذين أتيحت لهم الفرصة لتلقي لقاح كورونا، قد رفضوه. بالمقابل، تم تطعيم حوالي 75500 من مشاة البحرية كليًا أو جزئيًا ضد الفيروس. كان أعضاء القوة الاستكشافية البحرية الثانية، ومقرها في ولاية كارولينا الشمالية، هم الأكثر رفضًا للقاح بنسبة 60%، أي بمقدار الضعف، مقارنة بالأفراد على الساحل الغربي أو في اليابان، ولم يقدم سلاح مشاة البحرية أي فكرة عن سبب تردد العسكر في الحصول على اللقاحات.

وفي خضم الموجة الرابعة من كورونا التي تضرب الولايات المتحدة، ومع ان الشباب هم الذين يصابون به بشكل متزايد، تُعدُ معدلات التلقيح الأدنى بين الجنود الشباب، خصوصًا أن الجيش الاميركي، يقبع تحت تأثير المسيحيين الإنجيليين المتطرفين، منذ فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، حسب مايكل واينستاين، الرئيس المؤسس لـ”وقف حرية الأديان” في الجيش الأميركي، وهؤلاء (الإنجيليون) هم الأكثر تشكيكًا باللقاحات. وفي هذا الاطار، اعرب احد قادة الجيش، للباحثة في جامعة براون، أندريا مازارينو، عن اعتقاده أن “الله، وليس اللقاح، هو الذي يقرر ما إذا كان سيعيش أو سيموت”، بينما يعتقد ضابط شاب آخر أن خطر الآثار الجانبية لمثل هذه اللقاحات يفوق أي خطر يتأتى من الفيروس نفسه. وتنتشر مثل هذه المواقف أيضًا في المجتمع العسكري الأكبر، ولهذا السبب، أكدت زوجة وأم في الجيش الأميركي “أن جهاز المناعة لدينا قادر على التغلب على الفيروس، ولا حاجة للقاح”!

معظم جهود التوعية التي يبذلها الجيش الاميركي، وهي متواضعة جدًا للمناسبة، لأجل تبديد الخرافات حول اللقاح، لم تحدث أي فارق. ثمة مفارقة أن “النقزة” من اللقاحات موجودة لدى قيادة العسكر الأميركي. وبالرغم من قرار قادة الجيش في فورت براغ بولاية نورث كارولينا، لتطوير بث محلي حول هذا الموضوع، وإنشاء ما يسمونه “سفراء اللقاح” في صفوفهم، لم يفضِ الى النتيجة المرجوة (كان قبول اللقاح في تلك القاعدة، اعتبارًا من شباط/ فبراير الماضي، أقل من 50 بالمائة وفقا لصيحفة “الغارديان” البريطانية في مقالة لها في شباط/ فبراير 2021).

وتشير ردود افعال الجنود الرافضين للقاح إلى مدى صعوبة تحقيق “مناعة القطيع”، في الجيش. وبالرغم من الحجر الصحي لأولئك الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس التاجي، كان هناك القليل من الإجراءات داخل الجيش الاميركي لاحتواء أولئك الذين يمكن أن يصبحوا ناقلين للمرض، مع العلم أن الانتشار بدون أعراض هو مساهم كبير في إنتشار الوباء.

عمليًا، لا يمكن للجيش الاميركي أن يأمر بتلقيح ضباطه وجنوده (كما هو الحال مع العديد من اللقاحات الأخرى) لأن إدارة الأدوية الفيدرالية لن “توافق” رسميًا على أي من لقاحات Covid-19 إلا بموجب “تصريح استخدام الطوارئ من قبل إدارة الغذاء والدواء”. كما ان دعوات بعض المشرعين الديموقراطيين للقيام بذلك، لم تدفع الرئيس جو بايدن الى اعتبار هذه الحقنات إلزامية لجميع أفراد الجيش، ويبدو أنه متردد في القيام بذلك في المستقبل.

تتعرض القوات الأميركية غير الملقحة للتهديد. حالة أفغانستان والعراق، ليست استثناء. يسري ذلك على إنتشار حوالي 200 ألف جندي أميركي في شتى أنحاء العالم، ما عدا الجنود الذين ينتشرون على متن حاملات الطائرات والسفن في المياه الدولية حيث كانت بداية تفشي الفيروس في مطلع العام 2020

في ظل هذه الظروف، يشكل الجيش الأميركي، الذي عانى بالفعل مئات الآلاف من عناصره، من حالات Covid-19، تهديدًا مستمرًا ليس فقط لمجتمعاته، أو للأميركيين بشكل عام، بل للبلدان والمجتمعات التي هي على تماس مع قواعده وعساكره. إذ يمكن أن تساعد في نشر فيروس قاتل، ادى حتى الآن الى قتل أكثر من 580 ألف أميركي من بين اكثر من ثلاثة ملايين شخص قتلهم الفيروس في شتى أنحاء العالم. ويقدر عدد الجنود القتلى بأكثر من ستة آلاف جندي حتى نهاية العام 2020.

وتكشف احدى الإحصائيات الاميركية، ان حوالي 0.9 بالمائة، من إجمالي حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة المسجلة حتى الآن هي بين أعضاء المجتمع العسكري أو المتعاقدين معه أو أفراد الأسرة المعيلين، وهو مجتمع يضم ما يقرب من 7 بالمائة من السكان البالغ عدد أكثر من 330 مليونًا.

وقال رونالد بليس مدير وكالة الصحة الدفاعية الأميركية لمجلة “إير فورس” إن وزارة الدفاع لديها 343 موقعًا لتلقي اللقاح، بالإضافة إلى 3 آلاف عسكري أميركي يعملون في مواقع التطعيم الجماعي للوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ كجزء من تسريع جهود الدولة لتحصين المواطنين. وأشار إلى أن وزارة الدافاع الأميركية لقّحت حتى الآن 1.1 مليون أميركي من العسكريين وعائلاتهم والمدنيين والمتعاقدين والمتقاعدين بـ 1.8 مليون جرعة لقاح، وقد تلقى نحو 600 ألف جندي أميركي الجرعة الأولى (حوالي 30% من الجيش الأميركي) من ضمن هؤلاء.

إقرأ على موقع 180  ماذا يحدث في فيينا؟

وفي كثير من الحالات، لا يوجد لقاح متاح حتى لأفراد الخدمة المتمركزين في القواعد بالخارج والذين يريدون بالفعل التلقيح. وبحسب موقع NNY360 الإخباري الأميركي فإن ما يقرب من 60 ألف جندي وعائلاتهم، في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، لم يتلقوا لقاحاتهم حتى الآن.. وبحلول منتصف اذار/ مارس 2021، تم تطعيم حوالي 20 بالمائة فقط من القوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية، وهي دولة معروفة بإدارتها الناجحة للمعركة ضد الفيروس.

وقد تمكن حوالى 50.4% من الأميركيين الذين تتجاوز أعمارهم الـ18 عاما من تلقي جرعة واحدة من اللقاح على الأقل، و32.5% تلقوا الجرعتين خصوصا كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم الـ65 عامًا، وفق الوكالة الفيدرالية للصحة العامة. وقد أُعطيت جرعة واحدة على الأقل لأكثر من 131.2 مليون شخص، علمًا ان اللقاح بات متاحًا لجميع المواطنين الأميركيين حاليًا.

ويقول سياسيون أميركيون إن “المخاطر الناجمة عن وجود جيش غير محصن بشكل كبير عالية، وهذا يعود لوظائفهم وقرب منازلهم من المنشآت العسكرية الأميركية، لا سيما أن عددًا مذهلًا من الناس ليس لديهم خيار سوى الاتصال بأفراد الجيش الأميركي. زد على ذلك ان هناك مئات الملايين من المدنيين الذين يعيشون في العديد من البلدان حيث يعمل جيش الولايات المتحدة الآن، غالبًا في قواعد عسكرية كبيرة الحجم، إضافة الى الأميركيين الذين يعيشون بالقرب من 440 قاعدة عسكرية في اميركا وحدها.

علاوة على ذلك، ففي الدول التي لا تزال غير محصنة ضد هذا الفيروس، تتعرض القوات الأميركية غير الملقحة للتهديد. حالة أفغانستان والعراق، ليست استثناء. يسري ذلك على إنتشار حوالي 200 ألف جندي أميركي في شتى أنحاء العالم، ما عدا الجنود الذين ينتشرون على متن حاملات الطائرات والسفن في المياه الدولية حيث كانت بداية تفشي الفيروس في مطلع العام 2020، الأمر الذي إستوجب إقالة قبطان حاملة الطائرات الأميركية “يو اس اس ثيودور روزفلت” بسبب عدم إتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من إنتشار الفيروس على متن الحاملة.

وعلى خط مواز، ناشد الدكتور أنتوني فوسي، كبير المستشارين الطبيين للرئيس جو بايدن، عائلات الجيش في اذار/ مارس 2021، أن “يثقوا في اللقاحات”. وخاطب أولئك الذين رفضوا اللقاح بالقول لهم “أحببتم ذلك أم لا. إنكم تروجون لهذا التفشي”.

Print Friendly, PDF & Email
علي دربج

باحث ومحاضر جامعي، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  أردوغان راقص محترف على حبال الشعبوية