يأتي طرح هذا السؤال في ضوء تطورات شهدتها الساحة السياسية الإيرانية في الساعات الأخيرة. من المؤكد أن بعض أحزاب “جبهة الإصلاح المتحدة”، بما في ذلك “حزب کارکزاران”، تريد دعم ترشيح عبد الناصر همتي القريب من التيار الاصلاحي، إلا أن كل الاجتماعات الهادفة للتوافق على دعم همتي فشلت في التوصل إلى قرار نهائي موحد.
وحسب محسن هاشمي رفسنجاني، رئيس “حزب كاركزاران” الاصلاحي، فإن فرصة الإصلاحيين في الدفاع عن قيم النظام الجمهوري الإسلامي ما زالت قائمة، ولا بد من وضع حد لخطة فريق المحافظين لإضعاف الإصلاحيين وهندسة الانتخابات بما يضمن فوز إبراهيم رئيسي رئيساً من الدورة الأولى.
وبرغم رفض مجلس صيانة الدستور جميع مرشحي فريق الإصلاحيين المتوافق عليهم وأولهم محسن هاشمي رفسنجاني، فإن “جبهة الإصلاح المتحدة” لم تقرر مقاطعة الانتخابات بعد، لكنها تصر على عدم تقديم مرشحين بإسمها.
وبمجرد أن بدأ الإصلاحيون بمناقشة إمكان توحيد صفوفهم حول مرشح وحيد، أصيب فريق المحافظين بإرباك شديد، ولهذا السبب تحاول “الجبهة المتحدة للمحافظين” التي تطلق على نفسها اسم “الجبهة الثورية” إقناع أربعة مرشحين آخرين (علي رضا زاكاني، أمير حسين قاضي زاده هاشمي، محسن رضائي وسعيد جليلي) بالتنحي لمصلحة رئيسي مرشحاً وحيداً بهدف ضمان فوزه من الجولة الإنتخابية الأولى.
ويخشى المحافظون أنه في حال قرر الإصلاحيون في اللحظة الأخيرة تبني ترشيح عبد الناصر همتي، سيحاولون الإستفادة من تشتيت أصوات المحافظين على مرشحيهم الخمسة، الأمر الذي لن يضمن لرئيسي فوزه من الدورة الأولى، وهذا يدل على أنه برغم الظروف التي تعمل لمصلحة المحافظين ولا سيما بعد إبعاد مجلس صيانة الدستور كل المرشحين الإصلاحيين الجديين من السباق إلا أن المحافظين ما زالوا قلقين للغاية بشأن قرارات الإصلاحيين الأخيرة على مسافة أيام قليلة من الإنتخابات.
وإذا نجحت محاولة توحيد صفوف الإصلاحيين حول همتي، فإن المرشح المحسوب على الإصلاحيين محسن مهر عليزاده، يكون أمام خيار من إثنين: إما المضي مرشحاً منفرداً أو الإنسحاب لمصلحة همتي، وهو الخيار الأكثر ترجيحاً.
في غضون ذلك، شكل اعتراف وزير الأمن الإيراني السابق حيدر مصلحي بشطب اسم الرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني عن قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية في عام 2013 قنبلة سياسية أحدثت صدمة ممزوجة بالغضب في أوساط الإصلاحيين، مثلما أربكت المحافظين ووضعتهم في موقف صعب للغاية.
وحسب تسجيل صوتي لحيدر مصلحي، فإنه يتحمل مسؤولية قرار مجلس صيانة الدستور برفض اهلية رفسنجاني قبل ثماني سنوات. يقول مصلحي: بحسب تقارير وزارة الأمن عن إتجاهات الرأي العام الإيراني كان الشيخ رفسنجاني سيفوز حتماً في انتخابات عام 2013، أضاف: “استنتاجي وقتذاك أنه كان من مصلحة النظام السياسي استبعاد رفسنجاني ومنع فوزه في الرئاسة وقد كتبت رسالة إلى مجلس صيانة الدستور حددتُ فيها الأسباب التي تجعلني أضع إقتراح الإستبعاد”.
ويبرز اعتراف مصلحي وزير الأمن خلال حقبة رئاسة محمود أحمدي نجاد أن مجلس صيانة الدستور رفض اهلية رفسنجاني لمجرد أنه كان سيفوز حتماً في انتخابات عام 2013.
وبعد ساعات قليلة من انتشار التسجيل الصوتي لمصلحي كالنار في الهشيم، كتب محسن هاشمي رفسنجاني نجل الرئيس الراحل رفسنجاني رسالة إلى المرشد الأعلى آية الله خامنئي ينتقد فيها بشدة تصرفات مجلس صيانة الدستور، ويدعو إلى إتخاذ إجراءات لإماطة اللثام عن هذه القضية..
يذكر أن محسن هاشمي رفسنجاني كان أحد المرشحين الإصلاحيين الذين رفض مجلس صيانة الدستور أهليته للإنتخابات الحالية، وقال محسن رفسنجاني إن إجراءات مجلس صيانة الدستور في العام الحالي وفي العام 2013 “غير قانونية”.
وقد سارع مجلس صيانة الدستور بلسان الناطق عباس علي كدخدايي إلى نفي إدعاءات وزير الأمن الإيراني السابق، برغم إصرار الأخير على القول إنه حضر شخصياً اجتماع المجلس الذي شطب اسم رفسنجاني في انتخابات عام 2013.
وفي خضم هذه التطورات المتسارعة، فاجأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الرأي العام بخروجه عن صمته لفترة طويلة بعد انسحابه من معركة الترشح للرئاسة إثر الشريط المسجل الذي تم تسريبه له بكل ما يتضمنه من آراء كانت صادمة للرأي العام الإيراني ولا سيما ما يتصل بالخلاف بينه وبين قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني.
في هذه الرسالة، يدعو محمد جواد ظريف المواطنين الإيرانيين إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم الجمعة المقبل، ويؤكد أن كل الناس سيكونون حاضرين في الساحة من أجل تغيير الوضع الراهن.
وثمة إعتقاد أن خطوة ظريف هي مقدمة لقرار يتخذه الإصلاحيون بدعم عبد الناصر همتي.
أيام قليلة فقط تفصلنا عن موعد الإنتخابات الإيرانية. إذا نجح الإصلاحيون في التوصل إلى الإجماع حول عبد الناصر همتي وبالتالي رفع نسبة المشاركة في الإنتخابات، قد نشهد تسونامي من الإقبال في يوم الانتخابات يمكن أن يقلب الأمور رأساً على عقب لغير مصلحة المحافظين الإيرانيين الذين يريدون السيطرة على السلطة التنفيذية (الحكومة والرئاسة) بعد سيطرتهم في مطلع هذه السنة على البرلمان.