إيلي حبيقة لمقاتليه: إمحوا صبرا وشاتيلا عن وجه الأرض (47)

في هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية"، يتناول الكاتب "الإسرائيلي" رونين بيرغمان الاحداث التي سبقت مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر/ايلول 1982 والاثر الذي تركته على مستوى الادارة السياسية في الكيان الصهيوني.

يُطلق رونين بيرغمان على هذا الفصل من كتابه عنوان “الراية السوداء”. يقول ان وزير الدفاع ارييل شارون كان قد وعد بسحب “الجيش الإسرائيلي” من لبنان ما ان تخرج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منه، ولكنه بقي مصمماً على خطته الهادفة إلى “إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط”، وفق رؤيته. وهكذا مع تثبيت القوات “الإسرائيلية” اقدامها في لبنان ومع الضغط الهائل الذي مارسه جهاز “الموساد”، إنتخب البرلمان اللبناني في 23 اغسطس/اب 1982 القائد الكتائبي بشير الجميل رئيساً للبلاد، وكان في مخيلة شارون ان الجميل سيعمل على طرد الفلسطينيين من لبنان. وكان يرغب ان يتم ايضاً على الفور ضرب ما كان يسميه “نواة الارهاب (نشطاء منظمة التحرير الفلسطينية) والقوى اليسارية (الشيوعيون والمجموعات اليسارية التي كانت متحالفة مع منظمة التحرير) التي كانت مزودة بأسلحة ثقيلة ولا تزال موجودة في بيروت الغربية”.

أدرك شارون ان الأمم المتحدة سوف تعمد قريباً الى نشر قوة متعددة الجنسيات لحفظ السلام في بيروت، وما ان يحصل ذلك، لن يكون بمقدوره تحقيق ما كان يرغب بتحقيقه (ضرب “نواة الارهاب” بحسب وصفه)، وقد طرح هذا الامر بصيغة تساؤل خلال اجتماع مع كبار المسؤولين في جهازي “الموساد” و”الشين بيت” قائلاً “كيف سيكون بامكاننا التخلص من الارهابيين عندما تنتشر القوة المتعددة الجنسيات؟ ستكون الطرق الى ذلك مختلفة تماماً.. يجب ان نتأكد من ان هذه المسألة قد حُلت مع كل خطوة نقوم بها اليوم لجعل الامر اسهل في المستقبل”.

لم يكن شارون راغباً بزج “الجيش الإسرائيلي” في المخيمات الفلسطينية، لذلك إقترح ارسال الكتائبيين الى بيروت الغربية “للتأكد من قتل او اعتقال كل من بقي من منظمة التحرير الفلسطينية”. استحسن رئيس الوزراء مناحيم بيغن الفكرة واقر ايلاء هذه المهمة للكتائبيين لاننا “لا نريد ان نهدر دماء اولادنا على هذه القضية”، خاصة بعد ان زيّن “الموساد” له هذا الاقتراح بالقول “لدينا لائحة طويلة من اسماء النشطاء اليساريين الاوروبيين الذين كانوا مع الفلسطينيين في بيروت”، بحسب قول ضابط “الموساد” المكلف التنسيق مع الميليشيات المارونية (الكتائب) افنير ازولاي الذي اضاف “كانت الفكرة ان نوكل هذه المهمة للكتائبيين ليجدوهم (الإرهابيون!) ويقتلوهم. وعندها سيكون بامكان “الموساد” ارسال تقارير سرية الى الدول الاوروبية التي اتت منها هذه العصابات (اليسارية المتضامنة مع الفلسطينيين) مثل المانيا وفرنسا وايطاليا ويشرح لهم اننا حللنا مشكلتهم وبهذه الطريقة تصبح هذه الدول مدينة لنا بخدمة”.

ينقل بيرغمان عن روبير حاتم محترف القتل الرئيسي لدى إيلي حبيقة قوله مستذكراً انه قبل ان يتحرك 350 كتائبياً في مهمتهم “قال لنا حبيقة اقتلوا كل شخص هناك وامحوا المخيم عن وجه الارض وقد اخذنا معنا جرافة دي 9 لتدمير كل شيء”

قتل بشير الجميل بعدها بثلاثة اسابيع مع مجموعة كبيرة من مساعديه بتفجير عبوة ناسفة زرعها احد “العملاء” السوريين في مقر رئيسي لحزب الكتائب في بيروت (الاشرفية) أدت إلى تسوية المقر بالارض. عندها حصلت الميليشيا المسيحية اللبنانية على الاذن “الإسرائيلي” للبحث عن مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين. وفي صبيحة السادس عشر من سبتمبر/ايلول، حضر يائير رافيد رئيس فريق التنسيق “الإسرائيلي” إلى المقر الرئيسي لحزب الكتائب، حيث كان “الموساد” يتخذ منه مقراً لمحطته في بيروت، وينقل الكاتب عن رافيد قوله “بصورة مفاجئة رأيت مقاتلي ايلي حبيقة (المسؤول العسكري للكتائبيين) يسنون سكاكينهم ويقولون لي اليوم هو يوم السلاح الابيض، وهو التعبير اللبناني للقول انه يوم حز الاعناق بالسكين، ولم يقولوا عندها من المستهدف بالذبح ولكنه كان واضحاً لدي انهم ذاهبون ليحزوا الاعناق فلم اتوسع بطلب المعلومات ففي النهاية كنت مجرد ضيف عندهم”. ويقول الكاتب رونين بيرغمان ان رافيد لم يرسل تقريراً عن ذلك لقيادته.

وينقل بيرغمان عن روبير حاتم محترف القتل الرئيسي لدى إيلي حبيقة قوله مستذكراً انه قبل ان يتحرك 350 كتائبياً في مهمتهم “قال لنا حبيقة اقتلوا كل شخص هناك وامحوا المخيم عن وجه الارض وقد اخذنا معنا جرافة دي 9 لتدمير كل شيء”.

ويضيف حاتم “دمرنا كل شيء في طريقنا، وعندما كنا نطلق النيران الغزيرة كانت الاكواخ وبيوت التنك تتهاوى امامنا، اطلقنا النار بكل الاتجاهات ولم نتطلع ابداً الى من كان يعيش خلف جدران تلك الاكواخ”، وكانت حصة الاسد من الدمار للمجموعة التي كان يقودها مارون مشعلاني، ويقول حاتم: “عناصر تلك المجموعة وقائدها تناولوا اكبر كمية ممكن تناولها من المخدرات قبل توجههم لتنفيذ المهمة، فلم يميزوا بين مقاتل ومدني ولا بين الرجال والنساء. لقد اطلقوا النار على الجميع”، فكانت النتيجة مجزرة مروعة بلغ عدد الضحايا فيها المئات واختلفت الاحصاءات بشأنها فقال “الإسرائيليون” انهم 700 فيما قال الفلسطينيون انهم 2750. وقد زعم شارون لاحقاً “ان القوات اللبنانية (المقاتلون الكتائبيون) سوف يلتزمون بالمعاهدات الدولية المتعلقة بالحروب عندما يكونون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي او عندما يكونون في حالة تنسيق معه”، بمعنى اخر حاول شارون القول انه لم يكن يتوقع ما حصل!

لكن وثائق لـ”الموساد” وأخرى لـ”الجيش الإسرائيلي” مصنفة “سرية” تشير الى ان نمط السلوك البربري للكتائبيين كان معروفاً لدى رؤساء مؤسسات الدفاع “الإسرائيلي” وكان التوقع السائد لديهم انه فور مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية بيروت “سيجد الكتائبيون طريقة ما للتحرك وتصفية الحساب بالقتل في بيروت من اليوم الاول”. حتى شارون نفسه تحدث بازدراء عن اي مساهمة عسكرية ممكن ان يقدمها الكتائبيون قائلاً “انسى امرهم، لن يفعلوا شيئاً، ربما لاحقاً عندما يصبح بالامكان ممارسة السرقة والسطو والقتل والاغتصاب، نعم، عندها سيسرقون ويقتلون ويغتصبون”.

ينقل بيرغمان عن المستشار العسكري لبيغن حينذاك ازرائيل نيفو قوله “كنت اراقب بيغن وهو يذبل وينطوي على نفسه، فقد تحقق من ان شارون خدعه وادخله في مستنقع لم يكن يرغب الغوص اليه، فقد كانت الاحتجاجات وإرتفاع اعداد الضحايا (من الجنود) تقتله”

على الرغم من كل الشرح الذي قدمه رونين بيرغمان لمخططات شارون فانه يجزم ان “الجيش الإسرائيلي” لم يقدم مساهمة مباشرة لارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا ولكن الرعاية التي قدمها للقوات المسيحية وفشله في حماية المخيمات الفلسطينية التي باتت تحت الاحتلال، لطخت اسم إسرائيل بالعار، وما ان اكتشف “الإسرائيليون” ما فعله الكتائبيون حتى اعربوا عن غضبهم وامروهم ان يتوقفوا على الفور وبدأوا عملية التشاور مع قادة الميليشيا المارونية حول الرواية التي ينبغي ابلاغها لجحافل الصحافيين الذين توافدوا لتغطية تلك المجزرة. (تعليق المترجم الذي يراجع الكتاب: هناك تقارير تؤكد ان شارون نفسه مع مجموعة من ضباطه كانوا يتمركزون على سطح مقر للامم المتحدة في منطقة بئر حسن قرب مستديرة السفارة الكويتية ويراقب بالمنظار عمليات القتل التي كانت تجري بوحشية في المخيمين على اطراف المدينة الرياضية).

إقرأ على موقع 180  شكراً لك "وساموف"

يتابع بيرغمان قائلاً ان موجة عارمة من الغضب العالمي والمحلي تبعت المجزرة، ففي “إسرائيل” سحب قائدا المعارضة اسحاق رابين وشمعون بيريز (حزب العمل) دعمهما للحرب بعد ان تبلغا تفاصيل القتل الحاصل (في صبرا وشاتيلا). اما ردة فعل شارون فقد كانت نموذجية اذ أنه استعان في شهادته أمام الكنيست في جلسة مغلقة 1982 بتقارير سرية عن المجزرة التي ارتكبها الموارنة في مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين عام 1976 عندما كان رابين وبيريز يتوليان ادارة البلاد، وامعن شارون في قراءته وصف عمليات ذبح الاطفال وبقر بطون النساء الحوامل بالسكاكين فرد عليه بيريز بغضب بالغ “من كان يعرف ماذا كان يحصل؟” فاجابه شارون “لقد كانت جمعية الصليب الاحمر ترسل التقارير اليومية عما يحصل من مجازر وكانت زوارقنا الحربية تمنع البواخر المحملة بالمساعدات الانسانية من افراغ حمولتها، انتم انشأتم هذه العلاقة (مع الكتائب اللبنانية) ونحن واصلناها.. وانتم ساعدتموهم ايضا بعد المجزرة ولكننا لم نشتك حينها من سلوككم، واليوم لم اكن لاشير الى هذا الامر لو لم تتصرفوا كم تتصرفون. انت يا سيد بيريز بعد مجزرة تل الزعتر لا تملك الحصرية الاخلاقية”. لقد كانت لهجة التهديد واضحة في كلام شارون وقام احد مستشاريه بالتلميح لقادة حزب العمل (المعارض حينها) بأنهم اذا واصلوا ضغطهم نحو اجراء تحقيق موسع في مجزرة صبرا وشاتيلا، فان تلك الوثائق السرية حول مجزرة تل الزعتر سوف تتسرب الى الاعلام العالمي ايضاً. عندها فقط تراجع النقد العالي النبرة لقادة حزب العمل وما لبث ان مات!

يقول بيرغمان ان الاحتجاجات العامة تواصلت في “إسرائيل” لا سيما مع الارتفاع المضطرد في عدد الجنود الذين يقتلون في لبنان يومياً، وكانت التظاهرات تجري امام مقر اقامة رئيس الوزراء حيث كان المتظاهرون يرفعون اليافطات ويهتفون بشعارات منددة بكل من بيغن وشارون، ورفع المتظاهرون في مواجهة بيت بيغن لوحة عملاقة تحصي بصورة يومية اعداد القتلى الإسرائيليين جراء الحرب العبثية التي كان يقودها شارون. وفيما لم يكن الاخير مهتماً للامر فان بيغن على عكسه اصيب بالمرض من جراء ذلك وبدأ يغرق في حالة من الاكتئاب الشديد وراح يفقد تدريجياً القدرة والرغبة على التواصل مع كل من هم حوله، وعزل نفسه بصورة كاملة تقريباً عن المؤسسات الحكومية.

وينقل بيرغمان عن المستشار العسكري لبيغن حينذاك ازرائيل نيفو قوله “كنت اراقب بيغن وهو يذبل وينطوي على نفسه، فقد تحقق من ان شارون خدعه وادخله في مستنقع لم يكن يرغب الغوص اليه، فقد كانت الاحتجاجات وإرتفاع اعداد الضحايا (من الجنود) تقتله، لقد كان الرجل حساساً جداً، وربما حساساً اكثر من اللازم”.

“تدهورت حالة بيغن اكثر فاكثر”، يقول بيرغمان، الى درجة ان مساعديه امتنعوا عن نقل الاخبار السيئة اليه خوفاً من ان يهوي الى قعر (من الاكتئاب) لا عودة منه. وينقل الكاتب عن ناهوم ادموني الذي اصبح في سبتمبر/ايلول عام 1982 رئيسا لجهاز “الموساد” قوله “كنت ابدا بتقديم تقريري اليه ولكن بعد دقائق قليلة كنت اراه يغلق عينيه ولم اكن اعرف ما اذا كان يصغي لما اقوله او انه نائم او صاحٍ، لقد كان وضعاً حرجاص للغاية بالنسبة اليَّ وكنت اسال مستشاره العسكري ازرائيل نيفو هل تعتقد انني يجب ان اواصل الكلام أم يجب ان اتوقف؟ لم ننقل هذا الوضع الى اي احد ولكن الجميع كان يعرف عن هذا الوضع جيداً”.

كان جميع من هم حول بيغن يعرفون انه بالكاد يعمل (وإسرائيل في حالة حرب)، وبدل ان يتحركوا لتغييره فانهم قرروا ان يغطوا على الموضوع وعمل مساعدوه على حجب المعلومات عن وضعه عن الراي العام، وواصل مساعدوه طباعة الجدول اليومي لأعمال رئيس الوزراء، ولكن هذا الجدول كان في الحقيقة فارغاً تماماً. هنا ينقل بيرغمان عن نيفو قوله “لاخفاء الوضع عن الإعلام طلبت من المساعدين ان يصنفوا جدول اعماله “سري للغاية” كي لا يطلع أحد عليه، لقد كنا مجرمين وارتكبنا عملاً خطيراً للغاية، اذ لا يمكنك ان تخفي حقيقة ان رئيس الوزراء عملياً لا يعمل وتتظاهر انه يعمل، ان ذلك يُذكّر بالانظمة المضللة لشعوبها”.

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  جعجع مع 8 آذار: تدشين زمن 6 أيار