أراد شارون قتل عرفات في طائرة مدنية تبلعها أعماق البحار (49)

يقول الكاتب رونين بيرغمان في هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية" إن الكارثة التي كان يمكن أن يتسبب بها قتل طبيب (فتحي عرفات شقيق ياسر عرفات) وثلاثين طفلاً جريحاً في طريقهم الى العلاج في القاهرة، جعلت وزير الدفاع "الإسرائيلي" أرييل شارون أكثر تهوراً في سعيه الحثيث إلى تصفية ياسر عرفات.

كاد سرب من الطائرات “الإسرائيلية” يُسقط الطائرة التي تقل فتحي عرفات بعدما إستشبه عملاء “الموساد” به وإفترضوا أنه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، وذلك بفضل “تبصر” قائد سلاح الجو الجنرال ايفري الذي طلب من الطيارين أن لا يضغطوا على زر إطلاق النار قبل أن يتلقوا الأمر النهائي منه. هذه الواقعة لم تضعف قبضة وزير الدفاع ارييل شارون او تثنيه عن مواصلة فكرته في استهداف ياسر عرفات بعملية اغتيال في الجو بل على العكس جعلته اكثر تهوراً.

وعندما افادت تقارير جهاز “الموساد” ان عرفات يستخدم رحلات جوية تجارية في اسفاره عبر شراء تذاكر سفر لكل جناح الدرجة الاولى في كل سفرة له، قرر شارون ان احدى هذه السفرات يمكن ان تكون هدفاً مشروعاً. فاعطى اوامره لرئيس الاركان رافاييل ايتان وسلاح الجو وفرع العمليات ان يأتوا له بخطة لاسقاط طائرة مدنية بعد ان وضع لهم تصوراً عاماً لهذه العملية بالقول ان الطائرة المستهدفة يجب ان يتم اسقاطها فوق مياه بحر عميق بحيث ان وقتاً طويلاً سيمر قبل ايجاد الحطام ووصول التحقيقات الى نتيجة بشأن ما اذا كانت الطائرة سقطت بفعل صاروخ او بسبب فشل في اداء محركاتها.

وينقل رونين بيرغمان عن رئيس فرع العمليات في سلاح الجو افاييم سيللا قوله انه لم يصدق ما يسمع “لقد كان امراً مباشراً وواضحاً من شارون: اسقطوا الطائرة. لم يكن قتل عرفات يشكل مشكلة لديّ، لانه يستحق القتل، ولكن المشكلة كانت في اسقاط طائرة مدنية على متنها ركاب مدنيون. انها جريمة حرب”، ويتابع سيللا القول، في المقابل، كان رافاييل ايتان رجلاً حذراً جداً سياسياً وكان من الواضح انه لا يريد ان يتورط في مثل تلك المغامرة “ولكن شارون كان مهيمناً وسلطوياً بحيث ان لا احد كان بامكانه الوقوف بوجهه”.

يكشف بيرغمان أن مقاتلات اف 15 واف 16 وفي خمس مناسبات عادت الى قواعدها من دون اعتراض الطائرات المدنية المشتبه بنقلها عرفات والسبب هو ان قيادة سلاح الجو عرقلت تلك العمليات لرفضها تنفيذ امر تعتقد انه ليس مشروعاً

وبالفعل، وضع سلاح الجو خطة لاسقاط طائرة مدنية، وشرح ممثله لدى فريق “السمكة الذهبية” (اسم عملية اغتيال ياسر عرفات) تفاصيل الخطة بالقول انهم اختاروا منطقة محددة تسلكها الرحلات التجارية العابرة للبحر الأبيض المتوسط، وهذه المنطقة لا يوجد فيها تغطية رادارية لاي دولة والبحر تحتها يبلغ عمقه حوالي ثلاثة اميال (4.38 كيلومتراً) وبالتالي فان عملية الانقاذ هناك ستكون صعبة للغاية ان لم تكن مستحيلة، وفق تقنيات ذلك الزمان، وحددت الخطة المعقدة نقاط العلام التي ستطلق المقاتلات الحربية نيرانها منها لاسقاط طائرة عرفات. ونظراً الى ان المكان المحدد للعملية يقع خارج المجال الجوي “الإسرائيلي” وخارج نطاق الرادار واجهزة الارسال “الإسرائيلية” فقد كان على سلاح الجو ان يقيم مركز عمليات جوية على متن طائرة بوينغ 707 مجهزة برادار واجهزة اتصال وكان على سيللا ان يتولى شخصياً قيادة العملية من الجو.

وباوامر مباشرة من شارون لم تتوقف عملية رصد عرفات لحظة واحدة، كما وضعت اربع طائرات اف 15 واف 16 في جهوزية تامة في قاعدة رامات ديفيد الجوية للانطلاق عند الضرورة لاعتراض طائرة عرفات، وعلى مدى تسعة اسابيع من تشرين الثاني/نوفمبر 1982 الى كانون الثاني/يناير 1983 انطلقت تلك الطائرات خمس مرات على الاقل لاعتراض وتدمير طائرات مدنية كان يعتقد ان عرفات على متنها ولكن سرعان ما كانت تعود الى قاعدتها.

وقد أعرب رئيس فرع الابحاث في جهاز “أمان” العميد اموس جيلبوا عن معارضته الشديدة للعملية مراراً وتكراراً وهو يقول “لقد كان واضحاً لي ان سلاح الجو سينفذ العملية بافضل ما يمكن وان الطائرة المستهدفة ستختفي إلى الأبد، هم ينفذون ما يطلب منهم، ولكن انا كان لدي مسؤولية اضافية”. كرئيس لقسم الابحاث في “امان” كانت مهمة جيلبوا ان يقيّم التأثير السياسي لكل عملية “وقد قلت لرئيس الاركان ايتان انه اذا عُرِفَ اننا وراء اسقاط طائرة مدنية ستُدمر الدولة (العبرية) دولياً”.

ويروي بيرغمان انه في احدى المرات وبينما كانت طائرة تجارية في رحلة فوق المتوسط من عمان الى تونس وكان يعتقد ان عرفات على متنها، وكانت المقاتلات الحربية “الإسرائيلية” قد انطلقت لاسقاطها وباتت على مقربة منها سأل ايتان زميله جيلبوا ان كان يعتقد جازماً ان الهدف على متن تلك الطائرة، وكان الرجلان يقفان في منتصف مخبأ “كناري” الجوي، فاخذ جيلبوا يناور في الاجابة شارحاً الاسباب التي تجعله يعتقد ان عرفات على متنها والاسباب التي تجعله يعتقد انه ليس على متنها، ففقد ايتان اعصابه وصرخ به “نعم ام لا”؟ فأجابه جيلبوا “حدسي يقول لي انه ليس على متن الطائرة”. استدار حينها ايتان نحو الهاتف الاحمر المشفر في احد جوانب الغرفة، وقال عبر سماعة الهاتف “اريك، الجواب هو النفي. علينا ان ننتظر يوما جديداً”. لقد كان على الجانب الاخر من الهاتف شارون ينتظر في مكتبه بفارغ الصبر.

إقرأ على موقع 180  "معاريف": شريكان نوويان لإسرائيل في الشرق الأوسط!

ويكشف بيرغمان أن مقاتلات اف 15 واف 16 وفي خمس مناسبات عادت الى قواعدها من دون اعتراض الطائرات المدنية المشتبه بنقلها عرفات والسبب هو ان قيادة سلاح الجو عرقلت تلك العمليات لرفضها تنفيذ امر تعتقد انه ليس مشروعاً، وينقل الكاتب عن سيللا قوله “عندما تلقينا الامر ذهبت وايفري (قائد سلاح الجو) الى ايتان وقلت له حضرة رئيس الاركان لا نية لدينا لتنفيذ هذا الامر، ببساطة ان هذا لن يحدث، انا اعرف ان وزير الدفاع هو المهيمن هنا وان لا احد يجرؤ على مواجهته، لذلك فاننا سنجعل تنفيذ الامر مستحيلاً من الناحية التقنية. فنظر إليَّ ايتان ولم ينبس ببنت شفة فاعتبرت صمته بمثابة موافقة على ما قلت”.

استقال بيغن من منصبه كرئيس للوزراء ليخلفه اسحاق شامير. وبذلك طوي ملف مطادرة عرفات مؤقتا بعد ان اطيح بشارون لما تسبب به من اضرار جسيمة واخرى جانبية ضخمة خلال عملية المطاردة تلك، اذ انها رفعت عرفات الى مصاف اعلى واعلى واصبح شخصية دولية مرموقة

وشرح الكاتب كيف جرى تخريب عملية اعتراض الطائرات المدنية خمس مرات ناقلا عن سيللا قوله انه في كل مرة كانت الطائرات الإسرائيلية تحدد الهدف فوق البحر كان يتم تخريب العملية، مرة عبر تعطيل جهاز الارسال على متن طائرة البوينغ 707 التي كانت بمثابة مقر القيادة للعملية بتحويله الى موجة ترددات خاطئة ما يؤدي الى اسكات كل اجهزة الارسال لمدة كافية تجعل من المستحيل تنفيذ العملية، وفي المرة الثانية قرر جيلبوا في اللحظات الاخيرة انه لا يوجد اثباتات كافية للاعتقاد ان عرفات كان على متن الطائرة المستهدفة، وفي المرة الثالثة اعلم سيللا رئيس الأركان (ايتان) بصورة كاذبة انه حصل تأخير في تحديد هوية  الطائرة المستهدفة، ما جعل اعتراضها يشكل خطراً على كشف العملية من القوات البحرية لاحدى الدول المجاورة، “وفي المرات الاخرى كنا نماطل بالوقت حتى تخرج الطائرة المستهدفة من منطقة تنفيذ العملية”، على حد تعبير سيللا.

ويشرح بيرغمان اسباب مخالفة كبار ضباط سلاح الجو لاوامر السلطات العليا بالعودة الى مراحل التدريب التي يتلقاها عناصر “جيش الدفاع الإسرائيلي” فيقول: هناك درس اساسي لكل متدرب ان يتعلمه وهو في صلب تدريب كل ضباط الجيش، ويعود تاريخ هذا الدرس الى 29 اكتوبر/تشرين الاول عام 1956 عندما قامت دورية من حرس الحدود “الإسرائيلية” مكلفة تنفيذ اوامر منع التجول في قرية كفرقاسم بجمع عدد كبير من سكان القرية الذين كانوا عائدين من اعمالهم واطلقوا عليهم النار بذريعة كسرهم قرار منع التجول فقتلوا 45 منهم بينهم تسع نساء و17 طفلاً، ولكن القاضي بنجامين هالفي وفي حكم هو الاهم في تاريخ الاحكام القضائية “الإسرائيلية” قال انه على الجنود ان لا ينفذوا امراً غير شرعي بشكل واضح.

يستطرد الكاتب بيرغمان بالعودة إلى تحقيقات لجنة كاهان في مجزرة صبرا وشاتيلا، وصولاً إلى نشر خلاصة تقريرها في السابع من فبراير/شباط عام 1983 وقالت فيه انها وجدت ان حزب الكتائب اللبنانية كان المسؤول المباشر عن المجزرة ولكن اللجنة حكمت ايضاً ان هناك مسؤولية على بعض “الإسرائيليين” لان “الخوف من ارتكاب القوات المسلحة الكتائبية مجزرة داخل المخيمات كان موجوداً بصورة واضحة وكان يجب على احد ما من بين من هم على علاقة بما كان يحصل في بيروت ان يثير الموضوع”، ووجدت اللجنة “انه على رئيس الوزراء مناحيم بيغن درجة معينة من المسؤولية”، لكنها القت باللائمة الكبرى على وزير الدفاع أرييل شارون ورئيس الاركان رافاييل ايتان ورئيس جهاز “امان” ساجوي ورئيس “الموساد” ادموني بالاضافة الى بعض كبار الضباط، واوصت اللجنة بطرد شارون من منصبه فوراً، لكن شارون رفض الاستقالة فما كان من بيغن ووزرائه الا ان طردوه من صفوفهم.

وفي 15 سبتمبر/ايلول 1983، استقال بيغن من منصبه كرئيس للوزراء ليخلفه اسحاق شامير. وبذلك طوي ملف مطادرة عرفات مؤقتا بعد ان اطيح بشارون لما تسبب به من اضرار جسيمة واخرى جانبية ضخمة خلال عملية المطاردة تلك، اذ انها رفعت عرفات الى مصاف اعلى واعلى واصبح شخصية دولية مرموقة ومعتبرة وبات معظم زعماء العالم ينظرون اليه كرجل دولة بدل ان يعتبر كـ”ارهابي”.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "معاريف": شريكان نوويان لإسرائيل في الشرق الأوسط!