ثمة ترقب دولي لماهية السياسة الخارجية التي ستتبناها حكومة إبراهيم رئيسي ولا سيما كيفية مقاربة مفاوضات فيينا. صحيح أن حكومة رئيسي هي حكومة محافظة ولكن هذا لا يعني استحالة توصلها إلى الإتفاق المنشود مع الغرب، لكن للأمر شروط لا يبدو أنها متوفرة حتى الآن.
وإستناداً إلى النتائج التي أفضت إليها الجولات الست السابقة من مفاوضات فيينا، لا شك أن الجولة السابعة ستكون أصعب من سابقاتها، لأن سياسة الحكومة الجديدة ستختلف عن سياسة حكومة حسن روحاني السابقة، لكن هذا الإختلاف بين الحكومتين لا يمنع أحد الخبراء الإيرانيين من القول إن الولايات المتحدة أمام فرصة تاريخية عليها إلتقاطها للتوصل إلى إتفاق متقن ومكتمل الأركان مع ايران، “لأننا وللمرة الأولى منذ 32 عاماً نشهد سيطرة فريق المحافظين على جميع مفاصل السلطة ومؤسسات الحكم والحل والربط والفصل في ايران”، وخير دليل على ذلك إعلان رئيسي في مراسم أداء اليمين الدستوري أمام البرلمان الإيراني “أننا سندعم أي خطة دبلوماسية تحقق هدف رفع العقوبات”.
ومن المتوقع أن تعطي هوية وزراء أول حكومة في عهد رئيسي، ولا سيما وزير الخارجية، إشارات للغرب حول إدارة التفاوض وليس مضمونه، ذلك أن هذا الملف يكون عادة في عهدة فريق المرشد آية الله علي خامنئي الذي له وحده أن يُحدد سقف المفاوضات، وهو الذي أكد مراراً أن إيران لا تثق بالغرب عموماً وأميركا خصوصاً، معتبراً أن هؤلاء “ليسوا مستعدين لتقديم أي ضمانات للإلتزام بتطبيق الإتفاق النووي بشكل عادل ومنصف وليسوا مستعدين لتقديم أي ضمانات بعدم الخروج مجدداً من الإتفاق النووي بشكل أحادي الجانب”، وقال إن ست جولات من المفاوضات في فيينا “أثبتت أن أميركا ما زالت تتمسك بعناد بموقفها ولم تخطُ أي خطوة إيجابية”، وحذر من أن أميركا تريد التوصل إلى إتفاق في مفاوضات فيينا يمهد لها الطريق للدخول في مفاوضات حول الملف الإقليمي والصواريخ البالستية، “وفي حال رفض ايران الدخول في هذا النوع من المفاوضات تلجأ الإدارة الأميركية الجديدة إلى ما أقدمت عليه إدارة دونالد ترامب فتقلب طاولة المفاوضات رأساً على عقب”.
كاظم غريب أبادي: لم تبدِ أميركا أي استعداد لإلغاء 500 عقوبة على شخصيات وكيانات ومؤسسات ايرانية، ولم توافق أيضاً على إلغاء قانون العقوبات “كاتسا” ولم تبدِ أي استعداد لتقديم أي ضمانات للشركات والمؤسسات الدولية الكبرى تسهيلاً لدخولها في استثمارات كبيرة وطويلة الأمد في ايران
وبناء على مواقف خامنئي، وهو أعلى سلطة سياسية في البلاد، فإن الوفد الايراني الجديد سيدخل الجولة السابعة محكوماً بنظرة حذرة جداً، وهو الأمر الذي عكسته مواقف ممثل ايران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كاظم غريب آبادي في مقابلة (مع موقع خامنئي) شرح فيها نتائج الجولات الست من مفاوضات فيينا على النحو التالي:
أولاً؛ طرحت الولايات المتحدة والدول الغربية ثلاثة بنود على طاولة مفاوضات فيينا، الأول هو السماح لايران بإجراء التبادلات الإقتصادية والتجارية الدولية، الثاني هو إيجاد آلية تضمن استمرار مراقبة البرنامج النووي الايراني لفترة طويلة الأمد (تستمر حتى بعد إنتهاء المدة المحددة في الإتفاق النووي)، الثالث هو تقديم ضمانات تعلن ايران من خلالها استعدادها للدخول في مفاوضات إقليمية في الشرق الأوسط بهدف خفض التوتر وإعادة بناء الثقة المتبادلة. بالمقابل، إعتبرت إيران أن البند الأول حق طبيعي لها كنتيجة للمفاوضات التي أدت إلى توقيع الإتفاق النووي عام 2015، وتعتقد أن البندين الثاني والثالث غير منصوص عليهما في الإتفاق النووي الأصلي، كما تعتبر أن البند الثالث هو ذريعة من أجل إجبار ايران على الدخول في مفاوضات حول دورها الإقليمي وملف صواريخها البالستية. وفي الأثناء، اشترطت أميركا والدول الأوروبية الإلتزام بالبند الثالث مقابل إخراج اسم الحرس الثوري الايراني من قائمة الإرهاب وإلغاء العقوبات المتعلقة بالأسلحة والتسليح وهذا الموقف الغربي يتناقض مع القرار الأممي رقم 2231.
ثانياً؛ لم تبدِ أميركا أي استعداد لإلغاء 500 عقوبة فرضتها الإدارة الأميركية السابقة على شخصيات وكيانات ومؤسسات ايرانية، ولم توافق أيضاً على إلغاء قانون العقوبات “كاتسا” ولم تبدِ أي استعداد لتقديم أي ضمانات للشركات والمؤسسات الدولية الكبرى تسهيلاً لدخولها في استثمارات كبيرة وطويلة الأمد في ايران، الأمر الذي يدفع الشركات الدولية إلى تجنب الدخول في أي استثمارات في ايران على اعتبار أن أمريكا لن تقدم أي ضمانات بخصوص استمرارها في الإتفاق النووي وبالتالي تخشى هذه الشركات خروج أميركا مجدداً من الإتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على طهران وهي مجازفة لا تقبل بها أية مؤسسة إستثمارية.
ثالثاً؛ لم توافق الولايات المتحدة على مبدأ تحقق ايران من إلغاء العقوبات المفروضة عليها كما لم توافق على إلغاء كافة العقوبات المصرفية والنفطية المفروضة على طهران.
وأكد أن الأميركيين لم يبدوا استعداداً لالغاء الامر التنفيذي للحظر على الاسلحة التقليدية، خلافاً للقانون الدولي، ورفضوا مناقشة تعويض الأضرار التي لحقت بإيران جراء خروج الأميركيين من الإتفاق النووي قبل ثلاث سنوات.
الآن وبالنظر إلى دور الوساطة الذي تلعبه دولة قطر بين ايران وأميركا وبالنظر إلى أن الدوحة توصي بشدة ببدء مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن لماذا لا يختبر الطرفان حظهما مرة أخرى بمفاوضات مباشرة لكن في الدوحة هذه المرة؟
أي توجهات يمكن أن تحكم عمل الوفد الايراني الجديد في الجولة السابعة من المفاوضات؟
أولاً؛ الأولوية لإتفاق شامل، وإذا كانت البنود المتفق عليها في جولات مفاوضات فيينا الست تشمل 90 بالمئة من الإتفاق حتى الآن، كما تزعم الحكومة السابقة، فإن الـ 10 بالمائة المتبقية “ربما تكون اكثر اهمية من التي تم التفاهم حولها”، يقول كاظم غريب أبادي، مشدداً على أن الإتفاق يجب أن يكون شاملاً حتى لو كلف الأمر إعادة التفاوض من نقطة الصفر.
ثانياً؛ ايران لا تستعجل أبداً التوصل إلى إتفاق ناقص وأبتر وتستمر في سياسة تقليص الإلتزام بتعهداتها النووية التزاماً بمضمون القانون الذي أقره البرلمان الايراني والذي يحدد بموجبه آلية استمرار المفاوضات النووية.
ثالثاً؛ أميركا هي التي انتهكت الإتفاق النووي وليس ايران، لذلك تعتقد طهران أن الخطوة الأولى على صعيد إعادة بناء الثقة يجب أن تكون أميركية.
رابعاً؛ ايران وقّعت على الإتفاق النووي عام 2015 بهدف التخلص من العقوبات الإقتصادية الأميركية والغربية بشكل كامل، فإذا لم تحقق مفاوضات فيينا لايران هذا الهدف، لن تكون مستعدة لتوقيع أي إتفاق جديد.
خامساً؛ مفاوضات فيينا محددة حصراً بإعادة إحياء الإتفاق النووي، ولا يحق لأي دولة غربية طرح أي موضوع غير متعلق بالإتفاق النووي مثل دور ايران الإقليمي والبرنامج الصاروخي الايراني.
سادساً؛ تراجع ايران عن سياسة تقليص التزامها بتعهداتها النووية والعودة إلى الإلتزام بكافة تعهداتها في الإتفاق النووي مشروط بإلغاء كامل العقوبات المفروضة عليها ولن تتراجع قيد أنملة عن سياستها ما لم تضمن ذلك، كما أن ايران لن ترفض على الإطلاق أي إتفاق يكون الجميع فيه رابحاً وفي حال اتخاذ خطوات عملية وإيجابية من قبل أميركا والدول الأوروبية على صعيد رفع العقوبات سوف تكون مستعدة للعودة إلى الإلتزام بكافة تعهداتها في الإتفاق النووي المبرم عام 2015.
هل يمكن أن يؤدي هذا المناخ إلى نجاح مفاوضات فيينا؟
تشي الجولات الست السابقة من مفاوضات فيينا بأن المسافة بين ايران وأميركا والدول الأوروبية ما تزال أبعد ما يمكن عن التوصل إلى أي إتفاق محتمل، ولا شك أن الولايات المتحدة التي خرجت من الإتفاق النووي تتحمل مسؤولية أساسية في إتساع الهوة بين طرفي المفاوضات.
زدْ على ذلك أن تجربة المفاوضات غير المباشرة بين ايران وأميركا لم تحقق النتائج المرجوة، ما يعني أنه ربما يكون من الأفضل البدء في حوار شامل ومباشر بين الجانبين، وذلك لاستغلال الوقت من جهة وتعزيز فرص إعادة بناء الثقة بين طهرن وواشنطن من جهة ثانية، وهذا الأمر حصل سابقاً قبل إبرام الإتفاق النووي حين التقى الطرفان في مسقط وكان لهذه الاجتماعات تأثير إيجابي في التوصل إلى الإتفاق النووي عام 2015، والآن وبالنظر إلى دور الوساطة الذي تلعبه دولة قطر بين ايران وأميركا وبالنظر إلى أن الدوحة توصي بشدة ببدء مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن لماذا لا يختبر الطرفان حظهما مرة أخرى بمفاوضات مباشرة لكن في الدوحة هذه المرة؟