لم تمض ساعات على إعلان نصرالله، في خطاب عاشوراء اليوم (الخميس)، حتى كان الرئيس اللبناني ميشال عون يتلقى إتصالاً من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا أبلغته خلاله قرار الإدارة الأميركية بمساعدة لبنان في إستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا عن طريق توفير كميات إضافية من الغاز المصري للأردن تمكنه من إنتاج طاقة كهربائية إضافية، كما ستساعد الإدارة الأميركية في تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى شمال لبنان.
عندما بادر نصرالله إلى إعلان موقفه صباحاً، لم تتمحور الأسئلة حول آليات وصول المحروقات وتوزيعها بل ومدى تأثيرها على المشاورات الجارية لتأليف حكومة لبنانية جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، لكن بيان الرئاسة اللبنانية عن تدخل الأميركيين المفاجىء طرح أسئلة إضافية تصب في خانة توفير بدائل للمحروقات الإيرانية من جهة ومدى حرص الأميركيين على تسريع ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة من جهة ثانية وأن يكون لبنان جزءاً لا يتجزأ من خارطة الطاقة الإقليمية (المتوسطية) وليس الإيرانية من جهة ثالثة.
صحيح أن خطاب نصرالله أحدث صدمة إيجابية لدى جمهور حزب الله وبعض البيئات اللبنانية الحليفة والصديقة، خاصة لجهة الإيفاء بوعود سابقة بهذا الصدد، إلا أن هذه الخطوة التي قيل أنها “إستراتيجية” تطرح العديد من الأسئلة:
أولاً، ماذا إذا قرر الأميركيون (أو الإسرائيليون بالنيابة عنهم) إعتراض هذه السفينة وإحتجازها ومصادرة حمولتها؟ أين سيرد حزب الله وما هو الهدف الأميركي او الاسرائيلي الذي سيختاره للرد؟
عملياً، نحن أمام محاولة لإرساء معادلة ردعية إقليمية جديدة أو قواعد إشتباك جديدة أو تعديل قواعد الإشتباك المعمول بها، لكن جرت العادة أن يكون الممر الإلزامي إلى ذلك ليس نظرياً.. وحسب!
ما أراد نصرالله قوله أنه يريد ضمان سلامة رحلة السفينة من الشاطىء الإيراني إلى وجهة وصولها (الشاطىء اللبناني أو السوري)، وهذا الأمر يُدخل حزب الله إلى معادلة حرب السفن في المنطقة.
ثانياً، لنفترض أن السفينة وصلت ولم يتجرأ أحد على إعتراض طريقها، خاصة وأن حمولتها “إنسانية” (ديزل للمستشفيات والأفران)، ما يجعل هذه الفرضية عالية، أين سيتم إفراغها؟ أي مرفأ رسمي لبناني بكل تراتبية إداراته ومؤسساته يمكن أن يضع أختامه على عملية إفراغ السفينة أو السفن؟
عملياً، نحن أمام محاولة لإرساء معادلة ردعية إقليمية جديدة أو قواعد إشتباك جديدة أو تعديل قواعد الإشتباك المعمول بها، لكن جرت العادة أن يكون الممر الإلزامي إلى ذلك ليس نظرياً.. وحسب
لقد حاولت بعض كبريات المؤسسات الإعلامية الأميركية في الساعات الأخيرة الحصول على تعليق من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فأحال سائليه الى وزير سيادي أحال الأمر بدوره الى وزير خدماتي.. فكانت النتيجة تنصل لبناني تلو تنصل من مجرد الإدلاء بتصريح، فكيف بالموافقة على إستجرار النفط الإيراني للبنان.
السؤال الأبرز، إذا كان حسان دياب المستقيل لا يتحمل تغطية الباخرة هل سيتحمل رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي مسؤولية تغطية خطوة حزب الله؟ الجواب حتماً لا، خصوصاً وأن خصوم ميقاتي يتربصون به وأولهم رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي لا يترك مناسبة الا ويعبر فيها عن موقف ضمني رافض لأن تتألف حكومة إلا برئاسته.. وطالما أن ذلك متعذر، لا يتمنى لميقاتي أن ينجح بالتأليف، ولو بشروط أفضل من تلك التي كان يسعى إليها الحريري نفسه. أكثر من ذلك هو إستكثر على ميقاتي أن يجيّر إستجرار الكهرباء من الأردن، فسارع إلى التغريد أن هذا الإنجاز من صنع علاقاته الدولية والإقليمية!
عملياً، نحن أمام حفلة مزايدة سياسية إنتخابية سترتفع سقوفها، كلما إقتربنا من موعد الإنتخابات النيابية في مطلع الربيع المقبل، ولن يكون أحد بمنأى عنها، من الحريري إلى سمير جعجع وجبران باسيل، ومن دون إستثناء الآخرين، إذا بقي هناك بلد.. وإذا بقيت مؤسسات وإذا جرت الإنتخابات.
ثالثاً، إذا قرر حزب الله إنزال حمولة السفينة في هذا المرفأ اللبناني أو ذاك (بالقوة أو بالحسنى)؛ أو في هذا المرفأ السوري أو ذاك (بانياس مثلاً)، أين سيتم إفراغها (المصافي) وكيف سيتم نقلها إلى لبنان ومن ثم توزيعها (مستشفيات وأفران في المرحلة الأولى)؟
رابعاً، إذا كانت الكمية المنوي استجرارها من إيران إلى لبنان كبيرة ولا تتحمل نقلها براً، فهذا الأمر كان من مصلحة العراق، لأنه حال دون إحراج رئيس حكومته مصطفى الكاظمي أميركياً، لكن لنفترض أن ذلك كان ممكناً، من الواضح أن حزب الله وطهران لا يريدان للعراق المحرج أصلاً في خضم الإشتباك الأميركي ـ الإيراني أن يزداد إحراجه أو أن يتحول ساحة إشتباك جديد، خاصة وأن العراق أطلق مبادرة ينتظر أن تترجم بوصول أول ثمانين الف طن من المحروقات العراقية إلى معامل الكهرباء في لبنان في الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر المقبل.
واللافت للإنتباه أن خطوة إستجرار المحروقات الإيرانية تأتي قبل حوالي الأسبوع من قمة الجوار العراقي التي دعا إليها الكاظمي وجرى تغييب كل من لبنان وسوريا عنها، بينما شملت الدعوات إليها دولا عربية عديدة بينها الأردن ومصر.
هناك من يريد تثبيت الثلث الضامن بطريقة مستورة هذه المرة.. ومن وزارة الطاقة تحديداً. هذا المسار إذا إستمر سيدفع ميقاتي للإعتذار حتماً خلال مهلة لا تتعدى نهاية الشهر الحالي.. إلا إذا قرر رئيس الجمهورية عدم تفويت الفرصة الحكومية.. والدلائل التي تصب في خانة العرقلة كثيرة
خامساً، النفط الإيراني مشمول بالعقوبات الأميركية، وأي إستثناء يحتاج إلى موافقة الأميركيين، كما هو حال الإستثناءات بين بغداد وطهران بموافقة الأميركيين. هنا يواجه الأميركي إحراج السكوت فتكون النتيجة إستمراراً لمشهدية كابول، وفي المقابل، أن يبادر إلى الرد، لكي ينزع عن نفسه صورة الضعف أمام الرأي العام الأميركي وأمام من يواليه من شعوب المنطقة، وفي هذه الحالة ستكون المصيبة أكبر. زدْ على ذلك أن تجربة الرد الأخير لحزب الله في مزارع شبعا أظهرت الإسرائيلي مكبل الأيدي لإعتبارات عسكرية وداخلية إسرائيلية من جهة ولأسباب أميركية ـ إسرائيلية من جهة ثانية. بإختصار في هذه النقطة تحديداً: الإتصال الأميركي برئيس الجمهورية لتسريع إستجلاب الكهرباء الأردنية للبنان هو دليل ضعف أميركي من أي خطوة تضع لبنان أكثر في الحضن الإيراني مقابل العجز الأميركي عن القيام بأي ردة فعل!
سادساً، حزب الله والدولة اللبنانية، يدركان أن إستجرار الكهرباء من الأردن دونه عقبات لوجستية (أبرزها تأهيل شبكات النقل في سوريا وبعضها مدمر في درعا)، وتمويلية (من يموّل هذا المشروع غير مصرف لبنان)، وسياسية (يرفض الأميركيون للبنان أن يتفاوض هو والأردن مع سوريا، فماذا إذا إشترطت دمشق مفاوضات حكومية لبنانية ـ سورية وأن تحصل على بدلات مالية بالعملة الصعبة وكيف سيجري القفز من فوق “قانون قيصر” في هذه الحالة وهل يمكن تعميم الإستثناء الأميركي على أمور أخرى مثل الدواء السوري والإيراني الذي وصلت كميات كبيرة منه في الساعات الماضية إلى صيدليات لبنانية؟
ثمة تقديرات أن عملية الربط مع الخط الأردني تحتاج إلى وقت بينما لا يملك اللبنانيون ترف الإنتظار. في ضوء ذلك، إذا قرر حزب الله القفز فوق محاولة الأميركيين ثني لبنان عن قبول المحروقات الإيرانية، وهذا هو الخيار المتوقع، كيف سيتصرف مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة؟ هل يعيد النظر بقرار رفع الدعم عن المحروقات؟ هل يحدد سقف المنصة (12 الف ليرة بدل 3900 ليرة) لإستيراد المحروقات؟ ماذا إذا طُلب منه فتح إعتماد سواء بالليرة اللبنانية أو بالعملة الأجنبية لتغطية قرار إستيراد المحروقات من إيران، هل سيتجاوب مع حزب الله أم لا، أم أن أصل الموضوع غير مطروح لدى الجانبين؟
في السياق نفسه، ما هي الأدوات العقابية التي يستطيع الأميركيون التصرف بها في هذه الحالة، وهل يمكن أن يطلبوا من المصارف المراسلة (تردد أنه بقي مصرف أجنبي مراسل واحد يتعامل مع لبنان) أن توقف تعاملها مع لبنان؟ وفي هذه الحالة، كيف ستتصرف حكومة تصريف الأعمال أو حكومة ميقاتي إذا تألفت، في مواجهة توقف التحويلات نهائياً بالعملة الصعبة ذهاباً وإياباً؟
سابعاً، هل يمكن أن تتحول خطوة حزب الله وردة فعل الأميركيين عليها إلى قوة دفع بإتجاه تأليف الحكومة الجديدة؟
من يراقب مسار المفاوضات على خط بعبدا ـ بيروت، وآخرها اللقاء الذي عقد بعد ظهر اليوم (الخميس) بين ميشال عون وميقاتي وقبله تحرك الموفد الرئاسي أنطوان شقير على خط المفاوضات، يستنتج أن هناك من يريد تثبيت الثلث الضامن بطريقة مستورة هذه المرة.. ومن وزارة الطاقة تحديداً. هذا المسار إذا إستمر سيدفع ميقاتي للإعتذار حتماً خلال مهلة لا تتعدى نهاية الشهر الحالي.. إلا إذا قرر رئيس الجمهورية عدم تفويت الفرصة الحكومية.. والدلائل التي تصب في خانة العرقلة كثيرة. لنترقب ما بعد عودة سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري إلى بيروت.. للبحث صلة.