بوتين وأردوغان رفيقا الطرق.. المتوازية

بعد مرور عام ونصف تقريباً على آخر لقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب اردوغان، اجتمع "السلطان" و"القيصر" في مدينة سوتشي الروسية وأمامهما العديد من الملفات التي تشتبك وتتشابك فيها مصالح البلدين: الغاز، الصواريخ، المسيرات، سوريا، ليبيا، أذربيجان، افغانستان وأوكرانيا..

غداة زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا، قرر فلاديمير بوتين أن يدخل في مرحلة من العزل الذاتي عقب إكتشاف إصابات بفيروس كوفيدـ 19 في محيطه القريب في الكرملين. كما ألغى رحلات عديدة وفضل المشاركة عبر تقنية الفيديو، إلا ان الاستثناء يستوجب حفاوة روسية بـ”الضيف التركي العزيز”، في هذا اللقاء “ذي المغزى”، على حد تعبير بوتين.

استمر هذا اللقاء المنتظر حوالي الثلاث ساعات، ترقبها الإعلام الروسي والعربي والتركي والعالمي، لمعرفة ما ستؤول إليه محادثات الرئيسين، تبعاً للحظة الدولية والإقليمية ولا سيما السورية.

وبعيداً عن الملفات السياسية الساخنة، كان لا بد وأن يقدم بوتين نصيحة إلى ضيفه اردوغان بإعتماد لقاح “سبوتنيك”، عند اعادة التطعيم مرة ثالثة، وذلك رداً على تأكيد اردوغان انه اعاد تطعيم نفسه في معرض طمأنة الرئيس  الروسي الخارج من الحجر.

“شكراً على الزيارة. كانت مفيدة جداً وذات فحوى. سنبقى على تواصل”، هي كلمات بوتين الذي يجيد الشد والرخي على غرار “شعرة معاوية”. لم يصدر بيان مشترك كما كان يتوقع كثيرون، لكن الرئيس الروسي رحب بالايجابية التي تحيط بالعلاقات بين البلدين، فيما إحتفظ أردوغان بالمواقف الأساسية لكي يفضي بها للصحافيين الأتراك الذين رافقوه في رحلة العودة من البحر الأسود. كانت لافتة للإنتباه دعوة الرئيس التركي الموجهة إلى الأميركيين للإنسحاب من سوريا وتركها للشعب السوري “عاجلاً أم آجلاً”. وقال “حان الوقت لتطبيق حل نهائي ومستدام في سوريا، وبالدرجة الأولى في إدلب، وحددنا (هو وبوتين) خارطة طريق سيعتمد عليها وزراؤنا للدفاع والخارجية”، وأعلن إلتزام أنقرة الثابت بكافة الاتفاقات المبرمة مع روسيا بشأن سوريا، مشدداً على أنه “لا عودة عن ذلك”، وهذه الإشارة وحدها تعني الكثير لموسكو، برغم أنها ليست المرة الأولى التي يعلن إلتزامه بالإتفاقات وتحديداً تلك المتصلة بإدلب.

إيلينا سوبونينا لموقع 180 بوست: روسيا دائماً كانت تقول لأنقرة بوجوب أن تبادر إلى الإتفاق مع دمشق بشأن الموقف مع اكراد سوريا.. وحسب معلوماتي أيضاً فإن روسيا مستعدة للتتوسط بين انقرة ودمشق كما بين اكراد سوريا وانقرة وأيضاً بين اكراد سوريا ودمشق

في هذا السياق، قالت المحللة السياسية الروسية، إيلينا سوبونينا لموقع 180 بوست إن تصريحات اردوغان “تعني ان هناك رغبة من قبل الطرفين ليس بالتصعيد بل في إيجاد حل نهائي لقضية محافظة ادلب بطرق سلمية، ولكن ايضاً حسب معلوماتي فإن هذه التصريحات تشير الى موضوع آخر في سوريا، وهو الوضع في شمال شرق سوريا، فروسيا دائماً كانت تقول لأنقرة بوجوب أن تبادر إلى الإتفاق مع دمشق بشأن الموقف مع اكراد سوريا.. وحسب معلوماتي أيضاً فإن روسيا مستعدة للتتوسط بين انقرة ودمشق كما بين اكراد سوريا وانقرة وأيضاً بين اكراد سوريا ودمشق”.

وقبيل قمة سوتشي، إرتفع سقف المراهنات من كلا الجانبين، فالرئيس بوتين استقبل الرئيس الأسد وانتقد وقتها الوجود الاجنبي على الاراضي السورية، وهو يعني بذلك الوجود التركي والأميركي، أما الرئيس التركي فكان قد زار الولايات المتحدة مؤخراً للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولاحقاً كشفت الصحافة التركية أن الرئيس الأميركي جو بايدن رفض التجاوب مع رغبة أردوغان بعقد لقاء ثنائي بينهما، في أوضح إشارة للخلاف المتنامي بين البلدين الحليفين في “الناتو” سواء في ما يخص تزود أنقرة بصواريخ “إس 400 الروسية” أو الموقف الأميركي المتبني للأكراد في شمال سوريا.

وعند عودته من نيويورك إلى أنقرة، صرح أردوغان للصحافيين من على متن طائرته بأن علاقته مع بايدن “لا يبدو انها ستكون على ما يرام”، مشيرا إلى أن واشنطن “تواصل تسليحها للارهابيين”، وهو يقصد بذلك الاكراد!

بدا واضحاً أن أردوغان الذي عاد من رحلته الأميركية خالي الوفاض لا يريد أن يحصد الغلة نفسها في رحلته الروسية. لذلك حضرت ملفات كثيرة مثل إقليم قره باخ، أوكرانيا، مسألة القرم، ليبيا، افغانستان.. والأهم سوريا. هي الملفات التي تجمع وتفرق الخصمين أو الصديقين اللدودين التركي والروسي، من دون إغفال الملف الإقتصادي، وهو الأمر الذي أشار إليه بوتين بوضوح.

وتقول المحللة السياسية والخبيرة بشؤون الشرق الأوسط إيلينا سوبونينا في هذا الصدد:”ليس من باب الصدفة في بداية المحادثات ان يركز كل من اردوغان وبوتين على التعاون الاقتصادي بين الطرفين. فهذا المجال من التعاون بين البلدين هو الاقل توتراً. يوجد وضوح كامل في هذا المجال، أنقرة وموسكو تطمحان إلى تطوير علاقاتهما الاقتصادية.. وحتى بالنسبة للتعاون العسكري، كان اردوغان ملتزما باتفاقيته السابقة بشراء منظومة اس 400 الصاروخية”.

وتضيف سوبونينا في حديثها لموقع 180 بوست:”نعم تركيا لا تعترف بشبه جزيرة القرم كجزء لا يتجزأ من روسيا وهذه مشكلة واحدى التباينات في وجهات النظر بين البلدين ولكن في نفس الوقت ثمة تعاون إقتصادي مستمر”.

إقرأ على موقع 180  هذه قصة بهيج طبارة من ألفها إلى يائها

من الواضح أن مبدأ “عدو صديقي هو صديقي وصديق عدوي هو عدوي”، لا ينطبق على العلاقات الروسية-التركية البالغة التداخل والتعقيد، بدليل أن موسكو التي تبيع منظومتها الصاروخية (إس 400) إلى أنقرة، رفعت البطاقة الحمراء لتركيا فور الإعلان عن صفقة بيع مسيرات Bayraktar TB2 التركية الصنع إلى أوكرانيا. بعدها، لم تترك روسيا جارتها تركيا تنعم بإنجازها، اذ حظرت روسيا على مواطنيها السياحة في تركيا، على “خلفية ارتفاع أعداد الاصابات بفيروس الكورونا”. كانت الرسالة الروسية واضحة. ثمة من إستعاد لحظة الثالث من تشرين الأول/أكتوبر 2015 عندما أسقطت الدفاعات الجوية التركية “السوخوي” الروسية، فردت موسكو بقطع العلاقات وحظر سياحة مواطنيها في تركيا، الأمر الذي أنهك الإقتصاد التركي حينذاك.

من الآن فصاعداً علينا أن نراقب ونترقب مجريات المشهد الميداني في إدلب. هناك سيجري إختبار العلاقة بين “القيصر” و”السلطان”..

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180   17 تشرين كان أهم فرصة... لكنكم منعتموها يا سماحة السيد!