إنتخابات العراق 2021: بانوراما اللوائح.. والنتائج

يدلي المواطنون العراقيّون اليوم (الأحد) بأصواتهم في خامس انتخابات تجرى في تاريخ عراق ما بعد غزوه أميركياً عام 2003، في ظلّ مناخٍ فرضه الحراك التشريني الاحتجاجي الشعبي الذي اندلع قبل عامين، وكان عاملاً ضاغطاً في تقريب موعد الانتخابات عن موعدها الطّبيعي في العام 2022.

ميزة إنتخابات العراق هذه السنة أنها لا تعني الداخل العراقي وحسب، بل الخارج أيضاً. إنتخابات ستحدد نتائجها طبيعة العملية السياسة التي ستحكم العراق في السنوات القادمة، وما إذا كان لإيران وحلفائها أو لأميركا وحلفائها الحصة الوازنة فيها، لا سيما وأن الانتخابات تجري في ظل مشهد إقليمي ودولي متحرك، بدءاً من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، إلى الخروج الاميركي من العراق المتوقع نهاية العام الحالي، ورعاية العراق أولى جولات الحوار الثنائي بين السعودية وإيران، إلى جانب تنامي ظاهرة الرفض والتعبئة السياسية ضد إيران وحلفائها في العراق، وتصاعد الأصوات الداعية إلى تحييد البلاد عن صراع المحاور، وتعزيز اندماجها في المحيط العربي.

ويترقب كثيرون ما ستفضي إليه هذه الانتخابات في الساحة الشيعية العراقية تحديداً، في بغداد وساحات الوسط والجنوب، في ظلّ تنافس انتخابي محموم بين الكتل، حيث يعكس كل منها خطاً سياسياً متمايزاً، حتى ضمن الفريق السياسي الواحد.

كتلة الفتح التي تضم مجموعة من الفصائل المنضوية في هيئة الحشد الشعبي والمحسوبة على إيران تتبنى خطاباً انتخابيا يظهر الانتخابات بوصفها “معركة” واستحقاقا ذا بعد خارجي أكثر منه داخلي، كما جاء في حديث للأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي يحاول التركيز على “المسعى الدولي لإسقاط الحشد”، متحدثاً عن صرف “مئات ملايين الدولارات لإضعاف جبهة الدفاع عن الحشد الشعبي”، جاعلاً من التوجه شرقاً ومن مصير الاتفاقية الصينية ـ العراقية من الأهداف الأساسية أيضاً للمعركة الانتخابية الحالية.

وتفيد الترجيحات بأن “تحتفظ الأحزاب الموالية لإيران بالنسبة نفسها تقريبا من مقاعد البرلمان”. في حين يدخل تحالف الفتح الانتخابات وفق معادلته الخاصة:”63 في 63″، مراهناً على الخروج بأكبر نسبة فائزين في 63 دائرة يخوض المعركة فيها.

وكانت كتلة الفتح قد دخلت البرلمان العراقي للمرة الأولى في 2018 إثر الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وحلت ثانية بـ 47 مقعداً نيابياً من أصل 329، علما أن كتائب حزب الله ـ العراق تخوض المعركة بواجهة “حركة حقوق” (برئاسة حسن مؤنس) بمعزل عن “الفتح”، بسبب الخلافات التي واجهت محاولات الإئتلاف بين الجانبين، الأمر الذي يعطي “الفتح” فرصة الحصول على حوالي الأربعين مقعدا (41 مقعداً حسب إستطلاع مركز الرافدين للحوار أدناه).

تأتي في المقابل كتلة التيار الصدري، التي ترجح معظم إستطلاعات الرأي وآخرها الذي أجراه مركز الرافدين للحوار حصولها على العدد الاكبر من الأصوات (47 مقعداً). وتخوض الكتلة الصدرية الانتخابات من خلال 100 مرشح توزعوا على عموم محافظات ومدن البلاد. وتبني هذه الكتلة خطابها الانتخابي على خروج أميركا من العراق وإبعاد إيران عن التدخل في شؤون العراق.

وكان  تحالف “سائرون” المدعوم من السيد مقتدى الصدر قد تصدّر الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العام 2018، بحصوله على 54 مقعداً من أصل 329، ويسعى لأن تكون له حصة الأسد في هذه الانتخابات أيضاً، في ظلّ خطاب داخلي حرص فيه التيار على ملامسة لغة الشارع، لا سيما بعد إعلانه عن مقاطعة الانتخابات في آب/أغسطس 2021 ثم العزوف عن هذا القرار لاحقاً، ما ساهم في شدّ عصب شارعه، وهو شارع منتظم ووازن بطبيعة الحال، لا بل هو الشارع الأبرز الذي يمتلك قوة تجييرية مليونية ورثها مقتدى الصدر من والده.

شيعياً يبرز تحالف قوى الدولة الوطنية، وهو يضم تيار الحكمة برئاسة السيد عمار الحكيم، وائتلاف النصر برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وقوى سياسية أخرى منبثقة من حراك تشرين. ويقدم التحالف نفسه بوصفه قوة سياسية وطنية وسطية تؤمن بالدولة وتعمل لتعزيز هيبة وسيادة مؤسساتها الشرعية تجاه كل ما يحيط بها من أزمات داخلية وخارجية. وأشار إستطلاع مركز الرافدين إلى إمكان حصول هذه اللائحة على 29 مقعداً. وكان ائتلاف “النصر” برئاسة حيدر العبادي قد حل ثالثا بـ42 مقعدا في برلمان 2018.

أما ائتلاف “دولة القانون” المكون من حزب الدعوة الإسلامية وحركة البشائر وحركة إرادة ويتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والذي حصد 26 مقعدا في الانتخابات السابقة، فإن المراقبين يقدرون أنه لن يحقق نتائج كالتي حققها آنذاك، بسبب تعدد المناطق الانتخابية ووجود منافسين كثيرين له (يقدر مركز الرافدين حصوله على 19 مقعداً، راجع الجدول المرفق).

أما في الساحة السنية، في بغداد والمحافظات الشمالية والغربية تحديداً، فيحتدم التنافس بين تحالفين هما تحالف “تقدم” الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، والذي يرجح مراقبون أن يحصد العدد الاكبر من المقاعد البرلمانية المخصصة للسنة (38 مقعداً حسب مركز الرافدين)، وتحالف “عزم” برئاسة السياسي البارز خميس الخنجر (19 مقعدا حسب المركز نفسه).

وثمة أحزاب صغيرة مثل حزب الجماهير الوطنية، بالإضافة إلى أحزاب وشخصيات سنية دخلت بصورة مستقلة في الانتخابات الحاليّة، ويرجح أن تحصل على مقاعد لها في البرلمان.

ويسعى كل تحالف من هذه التحالفات لحصد غالبية مقاعد السنة للفوز بمنصب رئيس البرلمان، وهو من حصة السنة، وفقاً للمحاصصة الطائفية المعمول بها في العراق منذ العام 2003.

إقرأ على موقع 180  ما بعد مجزرة الجمعة.. هل تستفيد المقاومة من أخطائها؟

وكانت القوى السنية قد شكّلت في البرلمان الماضي 73 مقعدا من أصل 329، ويعتقد أن يرتفع عدد مقاعدها في الانتخابات الحالية إلى حوالي 80 مقعداً.

أما في إقليم كردستان، فإن الصدارة ما تزال للحزب الديموقراطي الكردستاني الحاكم بزعامة مسعود بارزاني (حصد في الانتخابات السابقة 26 مقعداً)، يليه الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تتزعمه عائلة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني. وأظهر إستطلاع مركز الرافدين للحوار حصول “الديموقراطي الكردستاني” على 29 مقعداً مقابل 20 مقعدا لحزب الطالباني.

ويأتي تحالف حراك الجيل الجديد كحزب كردي معارض في الإقليم في المرتبة الثالثة من حيث عدد المقاعد المتوقع أن يحصل عليها. وقد توقع التحالف لنفسه تحقيق “مفاجأة” في الانتخابات!

وتسجل الانتخابات الحالية بروز نحو 40 حزباً جديداً، أبرزها حركة “امتداد” وحركة “نازل آخد حقي”، فيما قررت بعض الأحزاب والشخصيات المستقلة الاخرى مقاطعة الانتخابات، كالقائمة الوطنية والحزب الشيوعي العراقي وغيرهما.

ويرى مراقبون أن تحالفي “الفتح” و”سائرون” سيشكلان نواة الكتلة التي ستتحكم بتسمية رئيس مجلس النواب، ثم رئيس الجمهورية، وأخيرا تسمية رئيس مجلس الوزراء. في حين يرفض آخرون هذا الرأي، ويميلون إلى نشوء تحالفات عابرة للطوائف بين الكتل الجديدة، في ضوء نتائج الإنتخابات.

وتجري هذه الانتخابات في ظلّ قانون انتخابيّ جديد ومعدّل نزولاً عند الضغط الشعبي الذي أحدثه احداث تشرين الاول/اكتوبر 2019، ومصحوبة بضغط من المرجعية الدينية العليا ممثلة بآية الله السيد علي السيستاني الذي دعا إلى المشاركة الفاعلة، وحث على إختيار “الأصلح والأنزه والأحرص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره”.

يذكر أنه بدل اعتماد البلاد دائرة انتخابية واحدة كما حصل في انتخابات 2005، أو اعتماد كل محافظة من محافظات العراق الـ 18 كدائرة انتخابية كما جرى في الانتخابات اللاحقة، فإن القانون الجديد يقسّم العراق إلى 83 دائرة انتخابية، وذلك على قاعدة أن يؤدي ذلك إلى تعزيز فرص وصول المستقلين والقوى السياسية الناشئة إلى البرلمان.

وَيفضي هذا القانون إلى تبدل في عملية احتساب الأصوات وفوز المرشحين،  بحيث أنه يحدد الفائز بأعلى صوت بدلاً من اعتماد طرق حسابية معقدة، وتذهب الأصوات مباشرةً إلى المرشح بدلاً من القائمة، دون أن يوزّع الفائض منها على المرشحين في حزب ما، أو القائمة الانتخابية ذاتها، ما يسهل صعود نواب يمثلون أحزابهم.

وقد ركّزت الأحزاب التقليدية في هذه الانتخابات على إختيار مرشحين من خلفيات عشائرية وقبلية ودينية نظراً إلى رصيدهم الشّعبيّ الكبير في مناطقهم، لا سيما وأن قانون الانتخاب الجديد يفرض على المرشح أن يكون من أبناء الدائرة التي يترشح عنها أو يقيم فيها، ما يعني أنه يعزّز التمثيل الطائفي والمناطقي ويخفف من النزعة الوطنية، برغم كونه يحسّن التمثيل بالمبدأ.

ويتنافس 3243 مرشحاً بينهم 951 امرأة، على مقاعد مجلس النواب العراقي البالغ عددها 329 مقعدا، بينها 9 مخصصة للأقليات (5 للمسيحيين ومقعد واحد لكل من الأيزيديين، والصابئة، والشبك، والكرد الفيليين).

ويتنافس المرشحون ضمن 235 حزباً، انضوى بعضها ضمن 22 تحالفا، والبعض الآخر دخل الانتخابات منفردا، يضاف إلى ذلك وجود 789 مرشحاً مستقلا لم ينضووا ضمن الأحزاب أو التحالفات.

وكانت البلاد قد شهدت منذ يومين في الثامن من تشرين الاول/اكتوبر ما عرف بالاقتراع الخاص، والذي شارك فيه حوالي مليون و200 ألف ناخب عن وزارة الداخلية والدفاع، وجهاز مكافحة الإرهاب ووزارة داخلية اقليم كردستان ووزارة البشمركة، وكذلك النازحين ونزلاء السجون.

وعُدّت نسبة الاقتراع فيها عالية إذ بلغت 69 %، فيما ارتفع احتمال أن تكون نسبة الاقتراع اليوم (الاحد) أعلى من النسبة التي كانت عليه في الـ 2018 (بلغت رسمياً 40 في المئة)، وقدرت مصادر رسمية عراقية أن تتراوح نسبة المشاركة في هذه الإنتخابات بين 40 و45%، وإعتبرت أن هكذا نسبة ستكون مقبولة خصوصاً أنه جرى التشكيك في نسبة مشاركة الناخبين في إنتخابات العام 2018، بسبب التزوير غير المسبوق الذي شابها.

وتجري الانتخابات في أجواء أمنية مضبوطة، وفي ظل مناخ من الرقابة الدولية (ولا سيما الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي) والداخلية (المفوضية العليا للإنتخابات)، على اعتبار أن النزاهة مطلب أساسي في الانتخابات الحالية. وقد حُصِرَ أمر الاقتراع عبر البطاقة البيومترية لاجل الهدف نفسه. ومع ذلك يتخوّف البعض بشأن الجوانب الفنية، خاصة في ما يتعلق بنقل الأصوات من أجهزة التصويت إلى وحدات التخزين الالكتروني المركزية.

وبانتظار نتائج الانتخابات، يتوقع مراقبون أن عملية تأليف الحكومة الجديدة لن تكون بالأمر اليسير، وقد تحتاج شهوراً إلى حين تمظهر التحالفات وجلاء صورة الإقليم (مفاوضات فيينا ونتائج الحوار السعودي الإيراني).

Print Friendly, PDF & Email
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  ما بعد مجزرة الجمعة.. هل تستفيد المقاومة من أخطائها؟