“العقيدة النووية” و”الرد”.. وأوراق إيران التفاوضية المقبلة!

لا مفاوضات الدوحة والقاهرة ولا المحاولة الأمريكية الحالية يُمكن أن تفضي إلى وقف نار في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه، فإن فرص نشوب حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط تراجعت أكثر من أي وقت مضى، برغم انتقام حزب الله من الإستهداف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية ولأحد قيادييه (السيد فؤاد شكر)، واستمرار تلويح إيران بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران.

لا أحد في طهران يتحدث عن تاريخ معين للرد الإيراني على استهداف هنية، لكن المعنيين بالملف يكتفون بالحديث عما يُسمونه “الرد الحاسم” و”الرادع”، وبأنه سيكون “مزدوجاً” و”تركيبياً” و”في الوقت المناسب”. ماذا تعني هذه المصطلحات؟ لا أحد يُجيب؛ لكنهم يقولون “انتظروا”!. وعندما نسأل إلی متی سننتظر؟ يُجيبون “انتظروا”! نسألهم: هل هو تكتيك جديد؟ يقولون “ربما”!

فعلياً؛ كُنا ننتظر “الأربعين” (الأربعينية الحسينية) من طهران لكن الرد أتى من جنوب لبنان. هل هذا يعني أن الرد الإيراني سيكون من خارج الحدود الإيرانية؟ يقولون “لا تستعجلوا.. هو آت”! نسألهم: هل هو الصبر الاستراتيجي؟ يقولون “مثل هكذا مرحلة قد انتهت”! نستدرك بالاستنتاج: اذن نحن في مرحلة جديدة؟ يقولون “ربما.. ربما”!

في غضون ذلك؛ تصدّر ملف إيراني آخر صدارة الأحداث الإيرانية، بعدما نبّهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخراً من أن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يقترب من الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة في الوقت الذي تتعثر فيه المناقشات الرامية إلى تحسين تعاونها مع هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة. وأشار تقرير الوكالة إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب تجاوز 30 مرة الحد المسموح به، وأن طهران تمتلك الآن 142.1 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 بالمئة.

نحن نتحدث عن حكومة إيرانية جديدة برئاسة مسعود بزشكيان.. وعن مسار تحاول انتهاجه هذه الحكومة سواء علی صعيد المنطقة أو علی صعيد العلاقات مع الغرب. وما تملكه إيران من أوراق ليس قليلاً، والولايات المتحدة تعلم ذلك جيداً، وإيران تريد ازالة العقوبات الاقتصادية من خلال تعزيز قدراتها التفاوضية المحتملة مع الجانب الأمريكي.. لننتظر ونرَ

وإذا ما أضفنا لهذه المعلومات التي أوردها تقرير سري صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما تحدث به رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الدولية في إيران الدكتور كمال خرازي عن احتمال لجوء إيران إلى تغيير “عقيدتها النووية”، فهذا يعني أننا أمام متغير جديد ربما يدخل القاموس السياسي والعسكري الإيراني. خرازي كرّر هذا المفهوم أكثر من مرة، وهو ما يعني أن ما يُردّده لم يكن عبارة عن “زلة لسان”، وإنما تعبير عن مفهوم مطروح علی الطاولة خصوصاً أن خرازي من المقربين من المرشد الإيراني الأعلی السيد علي الخامنئي، كما أن المجلس المذكور يُصنف في خانة المؤسسات التابعة للمرشد الإيراني.

واستناداً إلی ما تقدم، نحن أمام معادلة ذات بعدين استراتيجيين يهمان الأمن في المنطقة والعالم؛ الأول، يتعلق بالكيان الاسرائيلي. الثاني، يتعلق بالعقيدة النووية الإيرانية.

لم أعثر في إيران علی من يتبنى نظرية مفادها أن طهران تناور بين هذين البعدين. الإيرانيون علّمونا بأنهم لا يخلطون الملفات بل يعملون علی تفريقها، لكن هذا لا يعني أن الرد علی إسرائيل لا يُؤثر علی المباحثات النووية التي تسعی الحكومة الإيرانية الجديدة إليها، لكن من المستبعد أن يتم خلط المباحثات بالرد وبالتالي تبقی استقلالية هذه الملفات قائمة حتی تتم معالجة الواحد منها تلو الآخر.

السؤال المطروح هل تريد إيران إعادة النظر في “العقيدة النووية” وبالتالي الذهاب لصناعة السلاح النووي؟

هذا سؤال إستراتيجي كبير ولا أعتقد أنه بمقدرو أحد أن يُجيب عليه بهذه السهولة لكنّه ربما يندرج في خانة سياسة “الغموض الإستراتيجي” التي تتبناها طهران بعد 31 تموز/يوليو 2024، إثر إقدام إسرائيل على اغتيال إسماعيل هنية في طهران.

في هذا السياق، أنا أميل إلی توصيف مقال صادر عن “معهد الشرق الأوسط” الأمريكي بعنوان “السياسة النووية الإيرانية الجديدة.. بين الردع والبراغماتية”، الذي يقول إن فشل خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) والأنشطة السرية لإسرائيل في السنوات الأخيرة دفع طهران إلى التخلي عن سياسة “الصبر الاستراتيجي” لمصلحة سياسة “الغموض الاستراتيجي”.

ويزعم المقال أنه من الممكن في الوضع الحالي أن يكون هدف طهران الاستراتيجي هو البقاء في هذا الموقع كدولة على وشك أن تصبح قوة تمتلك أسلحة نووية. وتتماشى هذه السياسة مع الاستراتيجية الوقائية الكبرى التي تنتهجها إيران، في حين كان نهج طهران السابق هو “الصبر الاستراتيجي”.

ووفقاً لهذا التحليل، فإنّ إيران تعلم أن كونها على وشك التسلح النووي يمنحها المزيد من القوة في مفاوضاتها مع خصومها ولا سيما الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، فإن مثل هذا الموقف من الممكن أن يُعزّز احتمالات وقف التصعيد الإقليمي وتحسين العلاقات الثنائية مع جيران إيران الرئيسيين.

وفي نهاية المطاف، تتحرك إيران في سياق حماية مصالحها وأمنها القومي؛ بهذا المعنى تُصبح الوسائل والآليات ثانوية طالما أن الأهم هو الأهداف المتحققة؛ فإذا ما تحققت هذه الأهداف عبر وسيلة التفاوض تكون إيران قد حقّقت المنشود.

إقرأ على موقع 180  عن فلسطين التي عادت لتخرج على "إسرائيل"

نحن نتحدث عن حكومة إيرانية جديدة برئاسة مسعود بزشكيان.. وعن مسار تحاول انتهاجه هذه الحكومة سواء علی صعيد المنطقة أو علی صعيد العلاقات مع الغرب. وما تملكه إيران من أوراق ليس قليلاً، والولايات المتحدة تعلم ذلك جيداً، وإيران تريد ازالة العقوبات الاقتصادية من خلال تعزيز قدراتها التفاوضية المحتملة مع الجانب الأمريكي.. لننتظر ونرَ.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  تل أبيب تطرح سؤال المكامن الغازية المشتركة مع لبنان