ما بعد العدوان الإسرائيلي.. إيران بمنازل إصلاحية وأصولية!

ما يزال الداخل الإيراني حتى يومنا هذا يواجه تداعيات العدوان الذي شنّته إسرائيل بدعم أميركي علی إيران في يونيو/حزيران الفائت، كما تداعيات الرد الإيراني (الوعد الصادق 3) نحو العمق الإسرائيلي، وهذا الأمر يمكن تلمسه من خلال اتجاهات الرأي العام الإيراني الداخلي التي يتنازعها تياران سياسيان أساسيان هما التيار الإصلاحي والتيار الأصولي، حيث تتبدى ملامح نقاشات حادة بينهما حول السياسات الخارجية والداخلية. 

في هذا المقال أحاول رصد اتجاهات الرأي العام الإيراني ومقاربة المواقف عند التيارين المذكورين اللذين يمثلان وجهة نظر أغلبية الشارع الإيراني بشكل أو بآخر.

العدوان الإسرائيلي الذي استهدف مواقع نووية وعسكرية إضافة إلی قادة عسكريين وعلماء نوويين وأحياء سكنية، استعان ببرامج معقدة تعتمد علی الذكاء الصناعي، الأمر الذي أثار غضباً شعبياً واسعاً من وسائل الردع الضعيفة التي لم تستطع مواجهة هذا العدوان. لكن الأنظمة الصاروخية الإيرانية نجحت في امتصاص الصدمة لتبلغ صلياتها مواقع عسكرية وأمنية واستراتيجية في عمق الكيان الإسرائيلي وتنجح في إبراز قدراتها مما عزّز الروح الوطنية لدی الشارع الإيراني، سواء علی الصعيد الشعبي أو الرسمي.

وفي استطلاع نشرته صحيفة “شرق” الاصلاحية في يوليو/تموز الماضي أظهر أن 60 بالمئة من الإيرانيين يدعمون الرد العسكري، لكن 55 بالمئة يفضلون حلولًا دبلوماسية. في المقابل، ذكرت صحيفة “كيهان” الأصولية المتشددة أن 70 بالمئة يرون الحرب “اعتداءً صهيونيًا” يتطلب ردعًا قويًا، الأمر الذي يؤشر إلی روز انقسام حاد بين الإصلاحيين الذين يطالبون بالتركيز على الاقتصاد، والأصوليين الذين يدعون إلى مواجهة الأعداء الخارجيين.

وفي ظاهرة جريئة تُشكّل سابقة في الحياة السياسية الإيرانية، أصدرت “جبهة الإصلاحيين الإيرانية”، وهي عبارة عن إئتلاف يضم عدة أحزاب إصلاحية في التيار الإصلاحي الذي يتزعمه الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، بياناً، في الأسبوع الماضي، اقترحت فيه خارطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب “لمعالجة الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد”، إلا أن اللافت للانتباه في بيان الجبهة المذكورة، الدعوة التي أطلقتها للتقدم بمبادرة لتعليق كافة أنشطة التخصيب من أجل التوصل مع الدول الغربية إلى اتفاق يُنهي حالة اللاسلم واللاحرب التي تُرهق المواطنين وتزيد صعوباتهم الاقتصادية والمعيشية.

هذا البيان الذي عبّر بشكل صريح عن توجهات التيار الإصلاحي اعتبرته الأوساط الأصولية بياناً صادراً عن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لكنه يحمل توقيع جبهة الإصلاحيين”، علی حد تعبير جريدة “كيهان” الأصولية.

أكدت جريدة “كيهان” الأصولية أن دعم “محور المقاومة” ضروري لمواجهة الكيان الإسرائيلي، واعتبرت أن زيارة أمين المجلس الأعلی للأمن القومي علي لاريجاني إلی لبنان تهدف إلى تعزيز التزام إيران بحزب الله باعتباره من أعمدة “محور المقاومة”. ودعّمت “كيهان” موقفها بنتيجة استطلاع رأي أظهر أن 65 بالمئة من المواطنين يؤيدون مواصلة دعم إيران للحلفاء إقليمياً

وقد كثّفت الحرب النقاش حول البرنامج النووي الإيراني الذي كلّف إيران كثيراً وجعلها تدفع تكلفة باهظة حيث ذكرت صحيفة “شرق” الإصلاحية أن الضربات الإسرائيلية أثبتت ضرورة استخدام البرنامج كورقة تفاوض لتخفيف العقوبات. في حين عرض موقع “إيلنا” الإصلاحي نتائج استطلاع رأي تم في تموز/يوليو، وفيه أن 58 بالمئة من الإيرانيين يدعمون أنشطة تخصيب اليورانيوم، لكن 50 بالمئة يرون أن تعليق أنشطة التخصيب مؤقتًا قد يساعد إيران اقتصاديًا. أما الموقف الحكومي، فقد عبّر عنه معاون وزير الخارجية مجيد تخت روانجي في الأول من تموز/يوليو 2025 عندما أعلن عن استعداد إيران للحوار بشرط توفر ضمانات أميركية.

وعلى النقيض من ذلك، اكدت صحيفة “كيهان” الأصولية أن البرنامج النووي الإيراني رمز للسيادة الوطنية، وأن أي تنازل عنه يعتبر “خيانة”، مشددة علی نتائج استطلاع رأي أظهر أن 75 بالمئة من الإيرانيين يدعمون برنامج تسريع وتيرة التخصيب بعد الحرب. في الوقت الذي حذرت مصادر حكومية من أن التصعيد النووي قد يؤدي إلى عزلة دولية، وبخاصة بعد تهديد الدول الأوروبية بتفعيل آلية “سناب باك” في نهاية آب/أغسطس الحالي.

أما “المحور” الذي ترعاه إيران إقليمياً، فلم يغب عن المشهدية النقدية الإيرانية، وفي هذا السياق، رأت جريدة “شرق” الإصلاحية في يونيو/حزيران 2025، “أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا أضعف المحور”، الأمر الذي دفع الإصلاحيين للمطالبة بتقليص الدعم الموجه لفصائل هذا المحور لصالح التنمية التي يتطلع إليها الشارع الإيراني، في الوقت الذي أظهرت نتائج استطلاع نشره موقع “إيلنا” الاصلاحي أن 53 بالمئة من الشباب في المدن الإيرانية يرون أن الإنفاق على الفصائل التي تدعمها إيران إقليمياً “يفاقم الأزمة الاقتصادية”، في حين انتقد الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني التركيز علی القضايا الإقليمية التي تستنزف الموارد التنموية التي يحتاجها البلد، لكن جريدة “كيهان” الأصولية أكدت أن دعم “محور المقاومة” ضروري لمواجهة الكيان الإسرائيلي، واعتبرت أن زيارة أمين المجلس الأعلی للأمن القومي علي لاريجاني إلی لبنان تهدف إلى تعزيز التزام إيران بحزب الله باعتباره من أعمدة “محور المقاومة”. ودعّمت “كيهان” موقفها بنتيجة استطلاع رأي أظهر أن 65 بالمئة من المواطنين يؤيدون مواصلة دعم إيران للحلفاء إقليمياً.

في السياسة الخارجية، يری الإصلاحيون أن الحرب تُشكّل فرصة لتعزيز العلاقات الإيرانية مع الدول الخليجية والمجتمع الدولي، حيث رأت صحيفة “شرق” أن هذا الهدف يدعمه الشعب بنسبة 62 بالمئة، لكن صحيفة “كيهان” دعت إلى مواجهة الدول الغربية، محذرةً من “مؤامرات أميركية” وداعية الی تعاون أوثق مع الصين وروسيا في مواجهة العقوبات.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل وإيران وبينهما بايدن

وفي حين يری الإصلاحيون أن الأزمة الاقتصادية تُشكّل التحدي الأكبر للشارع الإيراني، وبالتالي تستدعي خوض مفاوضات مع الدول الغربية لازالة هذه العقوبات، يری الأصوليون أن برنامج الاقتصاد المقاوم يكفل للمقاومة مواجهة التحديات الاقتصادية التي تفرضها الدول الكبری.

وفي المختصر، فإن حرب الإثني عشر يومًا كشفت عمق الانقسامات بين الإصلاحيين الذين يدعون إلى اعتماد الخيارات الدبلوماسية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية، وبين الأصوليين الذين يصرون على الردع ومقاومة الهيمنة الأميركية وانتهاج برنامج الاقتصاد المقاوم لمواجهة العقوبات التي يتعرض لها الشارع الإيراني.

(*) ينشر بالتعاون مع جريدة “الصباح” العراقية

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  إسرائيل تحاصر مذبحة غزة بالأكاذيب.. وحضارة الإجرام!