جعجع.. ولعنة الشارع والدم!

في الحسابات الميكافيلية، صاحب الهدف باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها، فالغاية تبرر الوسيلة. إذا ما أسقطنا هذه القاعدة على أحداث الطيونة الدامية، يظهر معنا أن "القوات اللبنانية" أكثر من تنطبق عليها هذه القاعدة، عبر تسجيلها اهدافاً عدة بضربة واحدة!

ليس سهلاً على رئيس حزب “القوات اللبنانية” أن يتحرر من تاريخه الدموي. سجنه وتعبده وقراءته للقرآن الكريم وباقي الكتب المقدسة، حسب ادعائه، لم يحدثوا فرقاً في شخصيته. تحقيق الهدف يتقدم بأشواط على كل ما عداه من اعتبارات أخلاقية وإنسانية.

وليست حادثة الطيونة إلا عينة. فعلها الرجل بدم بارد، وحقّق مرامه. بدا المدافع الأوحد عن “كرامات وحقوق” المسيحيين من جهة، و”نداً شرساً” لـ”حزب الله” و”أمل” من جهة ثانية، اللذيْن أخطآا في التقدير، وربما ظنًّا أن سمير جعجع مهما ذهب ولكن لن يصل إلى هذا الحد، فإذ به ومن خلال أحداث الطيونة يعيد لبنان إلى خطوط التماس القديمة، ويخلق توازن ردع مع الجهة المقابلة، وقاعدة الردع لا تفرض بالضرورة أن تكون قوتك موازية للخصم أو تملك قوة تمنع الخصم من استخدام قوته، إنما يكفي أن تملك القدرة على تهديد الاستقرار مقابل خصم شديد الحرص عليه.

لقد أوهمنا سمير جعجع بـ”نظافة” نوابه ووزرائه وعدم تلوثهم بالفساد! أوهمنا بأنه تغيّر! أوهمنا بتنظيم القوات وقدرتها على التغيير! أوهمنا إلى درجة أن الحديث الذي نُقل عنه إثر اجتماعه بوليد جنبلاط  في دارة نعمة طعمة في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، ليس صحيحاً! لكن سرعان ما ذاب الثلج وبان المرج، ليعود جعجع إلى لعبته المفضلة، لعبة الشارع والدم.

منذ انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، برع القواتيون في قطع الطرقات، وتصدُر الاحتجاجات والمظاهرات وإثارة النعرات وإطلاق الشتائم. قطعوا الطريق، في الربيع الماضي، على السوريين المتوجهين من الشمال إلى السفارة السورية في اليرزة للاقتراع في الانتخابات الرئاسية السورية، واعتدوا على الشيوعيين في شارع الجميزة في آب/أغسطس الماضي. وكان ختامها علقم في مستديرة الطيونة ومحيطها. هناك جرى إختبار دقة قنّاصي “القوات” المخضرمين في التصويب على الرؤوس وقتل الأبرياء.

“انتصر” جعجع في الطيونة على خصومه ولم يعد بحاجة إلى ماكينة انتخابية ودعاية إعلامية لخوض الانتخابات المقبلة في الشارع المسيحي، بعد تهشيم خصومه المحرجين والخائفين على مستقبلهم السياسي. فخطاب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالأمس، في ذكرى 13 تشرين، قد لا تجد من يسمعه في الشارع المسيحي، خصوصاً من يتلذذ بسماع صوت الرصاص ومشاهدة صور الضحايا في الطيونة.

وجدت “القوات” ضالتها في حادثة الطيونة بعد أن عرّاها الأخوان (إبراهيم ومارون الصقر) من ثوب القداسة والعفة التي كانت تدّعيه، على أنها الفريق الأوحد الذي لم يلوثه فساد السلطة، وأنها القادرة على إدارة البلد إذا ما تنحى الفريق الحاكم. وبالتالي، لن تخوض “القوات” الانتخابات المقبلة في مواجهة التيار العوني بشعار؛ “عفة ونزاهة مقابل فساد وفشل”، إنما استبدلته بالصليب المشطوب وشعارها المزيف في الحرب الأهلية الذي طالما تغنى به جعجع؛ “أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار”، وإن اقتضى ذلك الغدر وقتل الأبرياء في وضح النهار.

نأمل أن نكون قد أخطأنا بالتحليل وأسأنا التقدير. العبرة في محاسبة كل من يُهدد السلم الأهلي في صناديق الاقتراع. الرهان كل الرهان على صحوة المسيحيين، وأن يكونوا مؤمنين حقاً، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الفراغ الخليجي في لبنان.. هل تملأه مصر؟
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  باسيل "يحتمي" ببايدن ونصرالله.. كيف يحصُد الحريري؟