“الغارديان”: سقوط البشير يؤسس للإنقلابات في السودان!

في العام 2019، وفي أعقاب سقوط عمر البشير - الذي استولى بنفسه على السلطة في انقلاب مدعوماً من الجيش في عام 1989 - كانت احتمالية حدوث انشقاقات في التسوية السياسية الوليدة في البلاد واضحة بالفعل. كيف؟ هذا ما يشرحه مراسل "الغارديان" بيتر بومونت (*) في هذا التقرير.

في الوقت الذي أرسل فيه ممثلو حركات التمرد في البلاد وفوداً إلى الاحتجاجات العامة الضخمة والمترامية الأطراف في الخرطوم، وناقش الطلاب إمكانيات الديموقراطية في أكشاك القهوة التي أقيمت على أرصفة الشوارع خارج الجامعات، كان الجيش – الذي سحب دعمه للبشير – يزرع عيون المراقبة ويبقي جنوده في حالة يقظة دائمة عند نقاط التفتيش.

تسوية فوضوية

كانت نتيجة ثمانية أشهر من احتجاجات الشوارع المتصاعدة التي أثارتها الزيادات في تكاليف المعيشة، بما في ذلك رفع الدعم عن مادة القمح، أن ثورة السودان قد تم حلَّها بموجب تسوية فوضوية.

اتفق العسكريون والمدنيون في نهاية المطاف على أن الانتقال الديموقراطي ستشرف عليه هيئة انتقالية، ومجلس سيادي يضم جنرالات وسياسيين مدنيين يشرفون على العملية السياسية.

الواقع كان أن العديد من المنافسات الأكثر إلحاحاً على السلطة في السودان – بين الأحزاب السياسية، وداخل المؤسسة العسكرية، وبين الميليشيات والجماعات المتمردة المحلية، وبين أولئك الذين يفضلون رؤية أكثر إسلامية للدولة – قد تم التستر عليها وتجاهلها.

ما كان سيحدث في الفترة الفاصلة هو منافسة طويلة الأمد بين مختلف الجهات والأطراف السودانية، بلغت ذروتها في الأسابيع والأشهر الأخيرة، بما في ذلك محاولة انقلاب سابقة حصلت قبل شهر واحد فقط من الآن، عندما خرجت الأطراف المتنافسة – المؤيدة للجيش والديموقراطية على حد سواء – إلى الشوارع.

مرحلة إنتقالية

واللافت للإنتباه أنه على جانب القوات المسلحة السودانية، ممثلة بالجنرال البارز عبد الفتاح البُرهان، الذي تحرك لاعتقال شخصيات مدنية في الحكومة، بما في ذلك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، كان هناك استياء متزايد إزاء ضعف دور الجيش في العملية الانتقالية.

التحول الديموقراطي في السودان الذي أعقب 30 عاماً من الحكم العسكري لم يتعد حدود الصدع

بالنسبة للقادة السياسيين المدنيين، فإن محاولة الانقلاب الفاشلة السابقة التي حصلت في أيلول/ سبتمبر – والتي أُتهم فيها أفراد من الجيش وموالون سابقون للبشير – أكدت الخطر الداهم من الجيش، حيث قال حمدوك إن الحادث يؤكد “الحاجة إلى إصلاح الجهازين الأمني والعسكري”.

منذ محاولة الانقلاب تلك، كانت الفصائل المؤيدة للديموقراطية والمؤيدة لمؤسسة الجيش على خلاف مع الجماعات الموالية للجيش وحلفائها الذين نظموا اعتصاماً الأسبوع الماضي للمطالبة بالعودة إلى الحكم العسكري.

ومما يزيد الأمر تعقيداً كيفية استخدام الأحزاب المختلفة للتوترات السياسية للحفاظ على قواعد سلطتها أو توسيعها. وفي وقت سابق من هذا العام، قاوم قائد الميليشيا المُخضرم الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، مقترحات لدمج “قوات الدعم السريع شبه العسكرية” (سيئة السمعة- التي تتهمتها جماعات حقوقية بارتكاب فظائع في دارفور) مع مؤسسة الجيش.

من جانبه، قال حمدوك في وقت سابق من هذا العام إن الانقسامات التي لم يتم حلها بين الفصائل السياسية على رأس المرحلة الانتقالية في السودان قد تؤدي إلى فوضى وحرب أهلية.

مزيد من الاضطرابات

ومن بين الذين حذروا من احتمال اتساع نطاق العنف في ظل الأزمة المتصاعدة ثيودور ميرفي، مدير برنامج إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الذي أشار إلى أن الجيش تصرف خوفاً من إضعافه. وأن تحركه كان مدعوماً من دول الخارج.

وقال ميرفي إن “تقارير موثوقة تشير إلى أن مصر والإمارات تدعمان التوجه العام للقوات المسلحة السودانية. لقد بدأت التظاهرات؛ ومن المتوقع حدوث اشتباكات بين مؤيدي العنصر المدني وبعض المتظاهرين، يحركها مزيجٌ من الدعم للقوات المسلحة السودانية وبعض الحركات المسلحة”، مضيفاً: “من الواضح للغاية أن حركة الاحتجاج الموالية للحكم المدني لا تزال كبيرة في العدد، وأنها مقتنعة بأنه على الرغم من تأكيدات القوات المسلحة السودانية، فإن ما يحدث هو انقلاب فعلي”.

وفي ترداد للرأي القائل بأن الجيش ربما أساء تقدير الرأي العام السوداني، قالت سانيا سوري، محللة الشؤون الإفريقية في وحدة المعلومات الاقتصادية في “الإيكونوميست” أنه “في حين أن التطورات الأخيرة تسلط الضوء على انتكاسة كبيرة للبلاد وهشاشة السلم الأهلي، هناك القليل الذي يمكن للجيش أن يأمل كسبه من خلال التراجع عن اتفاق تقاسم السلطة. الدعم الدولي والمساعدات المالية أمران حاسمان للمساهمة في الحفاظ على الانتعاش الاقتصادي في السودان خاصة في أعقاب جائحة كورونا.. سوف يسارع الشركاء الدوليون إلى سحب الدعم في حالة تولي الجيش زمام الأمور. نتوقع المزيد من الاضطرابات في الأسابيع المقبلة مع خروج مؤيدي الديموقراطية / المؤيدين للحكم المدني إلى الشوارع والمحاولات العسكرية المرتقبة لسحق التمرد”.

-النص بالإنكليزية في “الغارديان“.

(*) مراسل أول في مكتب التنمية العالمية في صحيفة “الغارديان” البريطانية. عمل في مناطق الصراع في أفريقيا والبلقان والشرق الأوسط. وهو مؤلف كتاب The Secret Life of War: Journeys Through Modern Conflict

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  لا صوت يعلو فوق صوت الكورونا
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180   لعبة الجاسوسية في الجامعة الأمريكية.. قضية السبانيولو نموذجاً