هل يفك القمر الصناعي الروسي لغز مرفأ بيروت؟

مع كلّ حدث أمني في لبنان منذ العام 2005 وحتى تاريخنا هذا، نسمع الجملة الآتية: لقد طلبنا من الدول التي تمتلك أقماراً صناعية أن تزودنا بصور لمكان الحادثة لحظة وقوعها، ولكن حتى اليوم لم تزوّد أي دولة لبنان بما يطلب، وعليه سنحاول في هذا المقال الإجابة على السّؤال: هل هناك من صور فضائية للبنان ولأمكنة الحوادث الأمنية وغيرها؟

ماهية الأقمار الصناعية

قبل الدخول في البحث علينا أن نفهم أولًا ما هي الأقمار الصناعية وكيف تعمل.

أولًا؛ تصنّف هذه الأجهزة (الأقمار) بين مدنيّة تعمل على: مراقبة الطقس وحركة الرياح وحرارة المياه، اتصالات، علوم (مراقبة البراكين، المحيطات إلخ..)، تحديد المواقع وأشهرها النظام الأميركي GPS المؤلّف من 31 قمرًا عاملًا حاليًا.

بالإضافة لما سبق، هناك الأقمار الصناعية ذات الأهداف العسكرية المعنيّة أيضًا بالاتصالات والمراقبة وتحديد المواقع كما توجيه القذائف والصواريخ والطائرات والفرق العسكرية على الأرض وغيرها من المهام.

تعمل الأقمار الصناعية بناءً على قواعد فيزيائية سهلة وبسيطة، يقوم صاروخ أرضي بحملها من داخل الغلاف الجوي وصولًا للمدار حيث سيحافظ على سرعته المكتسبة من الصاروخ الأرضي الذي أوصله، ففي الفضاء سرعتك لن تتباطأ بفعل الاحتكاك (الفرملة) فلا يوجد هواء هناك، وعليه فالقمر الصناعي عليه على أن يجمع دائمًا بين السّرعة اللازمة للبقاء في المدار وقوة سحب الجاذبية، وهنا يمكننا التوسع للقول بأنّ ليس كلّ الأقمار الصناعية توضع في المدار نفسه بل منها ما هو بعيد ومنها الأقرب للأرض، وكلّما كان قريبًا كلّما زادت الحاجة للسّرعة كي يبقى في مداره.

وهناك أقمار صناعية توضع في مكان معيّن وهي تبدو ثابتة للناظر من الأرض ولكنّها في الحقيقة تتحرّك بنفس سرعة دوران الكوكب حول نفسه المقدّرة بـ 460 متر/ثانية (على خط الاستواء).

كما يمكن أن نضيف أنّ الأقمار الصناعية تحمل على متنها كميّة من الوقود تستعمل عادة لتعديل المدار أو لتنّجب التصادمات مع النفايات الفضائية.

وفيما يتعلّق بالنفايات الفضائية، فهي بقايا الصواريخ والمركبات والأقمار الصناعية المنتهية الصلاحية التي خلّفها الإنسان منذ العام 1957 (تاريخ إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء: سبوتنيك السوفياتي؛ أنظر الصورة أعلاه).

أنواع الأقمار الصناعية

بالعودة إلى موضوع مقالتنا، هل حقًا تقوم الأقمار الصناعية، ومنها العسكرية بمسح تصويري لكلّ المناطق على سطح الكوكب وعليه سنتعمق أكثر في دراسة أقمار المراقبة التي تصنّف إلى:

1. أقمار الإنذار المبكّر.
2. أقمار مراقبة الأنشطة النووية ومنها التفجيرات والأنشطة.
3. أقمار مراقبة الاتصالات والموجات الكهرومغناطيسية على أنواعها.
4. أقمار المراقبة المباشرة أو التصوير.

اهتمامنا سينصب على النوع الأخير من الأقمار، وهذه التكنولوجيات تحمل على متنها كاميرات تصوير بمختلف أنواعها: ذات دقة عالية، رؤية حرارية، وحتى رؤية عبر الغيوم، وتقوم بالتقاط الصور لمناطق محدّدة ومستهدفة مسبقًا من المشغلين فالقمر الصناعي الواحد لا يستطيع تغطية كلّ كوكب الأرض بل يغطي المدار المتواجد فيه، هذا إذا أضفنا عامل السرعة فسنصل إلى نتيجة مفادها أنّ مقدار تغطية أو تصوير منطقة محدّدة غير ممكن إلّا بحدود الفاصل الزمني الذي يمرّ فيه القمر من فوق المنطقة المستهدفة بالتصوير، فكما أسلفنا سابقًا: الأقمار في حركة دائمة حول الكوكب، أو في حال كان من الأقمار الثابتة بالنسبة للكوكب فإنّه يقوم بالمراقبة الدائمة بحسب طلب المشغّل.

وهذه المراقبة البصريّة تتمّ عبر كاميرات وعدسات فائقة الدقة وتستطيع بتكنولوجيات اليوم تحديد تفاصيل دقيقة تصل حتى 12.5 سم، أي يمكنها تصوير دفترك الشخصي من دون القدرة على قراءة ما يتضمنه، والهدف من هذه الأقمار العسكرية هو مراقبة مناطق العمليات العسكرية لتحديد المتغيّرات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، معرفة ما هي المنشآت الموجودة وكيف تتطور أو حتى ملاحقة السّيارات بدقة تصل لمعرفة رقم اللوحة، وكلّنا نستخدم أو استخدمنا تطبيق الخرائط maps من google حيث قامت هذه الشركة العملاقة بتصوير كلّ مناطق الكوكب بواسطة أقمار صناعية وطائرات تصوير لتضع بين أيدي المستخدم خرائط تفصيلية للمناطق مع خطوط الطرقات ووجهات السّير عليها.

ولكن الاستعمال الأساسي لهذه الكاميرات يبقى معرفة التضاريس الأرضية من خلال رسم الخرائط التفصيلية وخطوط العمليات وأخذ الصور الجويّة لا سيّما في المناطق التي لا تصل إليها طائرات التجسس ومناطق العمليّات العسكرية، مع الأخذ بالاعتبار أمرين أساسين وهما:

1. في حال كان القمر متحرّكًا على مدار، يجب الانتظار لأخذ الصور المناسبة لحظة بلوغ الزاوية المناسبة، فلا يمكن على سبيل المثال تصوير لبنان والقمر ما يزال فوق روسيا.
2. في حال كان القمر ثابتًا بالنسبة للأرض، عندها يمكن التصوير في أيّ وقت بتوجيه العدسات فقط، ولكن في هذه الحالة، هذا النوع من الأقمار لا يتواجد سوى على خط استواء الكوكب وأكثرها أقمار اتصالات لا مراقبة بصرية كونها ستكون مرئية من زوايا يمكن الوصول إليها بسهولة من أي نقطة أرضية.

الحوادث والأقمار الصناعية

كما أسلفنا سابقًا، فالأقمار الصناعية أنواع وعند حدوث أيّ أمر على الكوكب نسمع مباشرة أنّ الحدث تمّ رصده عبر هذه الأجهزة ولعلّ أبرز هذه الأحداث إطلاق الصواريخ الباليستية أو الجوالة كونها أجسام كبيرة متحركة مع بصمات حرارية مميّزة.

ولكن في لبنان وبعد كلّ حدث، نسمع أنّ الدولة تطلب معاينة صور الأقمار الصناعية دون أن نعرف عادةّ نتيجة الطلب وللوهلة الأولى يطرح السّؤال بعد كلّ ما سبق: لماذا هناك عدسات موجهة نحو مكان الحدث؟ وفي زمان محدّد؟

باختصار، إنّ منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط هي منطقة عسكريّة نشطة سواء على الجبهة السّورية أو قبالة شواطئ فلسطين المحتلّة أو لمراقبة سفن المهاجرين عبر المتوسط نحو أوروبا والتصوير يتمّ من قبل العديد من الدول صاحبة هذه القدرات، فجلّها إن لم يكن كلّها قامت بتحريك عدسات الكاميرات والقمر نفسه نحو منطقتنا المستهدفة وسجلت الكثير من الأحداث، فما جرى في دير الزور في سوريا في العام 2007 دليل على ذلك، عندما تمّ ضرب منطقة قيل يومها أنّها مشروع مفاعل نووي سوري وللتأكيد قامت الدولة المعتدية بنشر صور قبل الضربة وبعدها، وهذا ما يؤكّد الاستهداف.

وعليه، تقول روسيا بلسان رئيسها فلاديمير بوتين أنّها ستسلّم الحكومة اللبنانية صور منطقة مرفأ بيروت قبل انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020 وخلاله وبعده للتحليل والبناء على المعطيات، ولعلّ أبرز ما يمكن دراسته سيكون: فيزياء الانفجار، اي كيف تحرّكت الرّياح والشظايا وهل يوجد حقًا أجسام غريبة قامت بنسف هذه المواد (الفرضية تمّ نفيها في التحقيق العسكري والقضائي اللبناني)، نعم هذه الأمور غير متعارف عليها بين الدول سوى على مستوى الاتصالات المدنية أو العسكرية أو الأبحاث أو حتى الطقس.. أمّا التصوير فهذا أمر جديد سنترك تحليل نتائجه بعد الكشف عن المعطيات الروسية.. وللبحث تتمة.