إلتأمت مفاوضات فيينا على مدى ست جولات سابقة، قبيل إصطدامها بموعد الإنتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران الماضي؛ لكن الأخطر هو مضي الإدارة الأميركية بممارسة سياسة “اقصی الضغوط” علی إيران من اجل تقديم تنازلات لـ”انجاح المفاوضات” وفق المقاس الأميركي.
حالياً، يحاول الأميركيون القول إنهم مستعجلون لإنجاح هذه المفاوضات قبل نهاية العام الجاري، لأسباب تتعلق برغبتهم في الإنسحاب من العراق أولاً ومن منطقة الشرق الاوسط بشكل عام للحيلولة دون تكرار المشهد الأفغاني في هذه المنطقة، لكن هناك العديد من العقبات الجوهرية تقف حجر عثرة في مسار إعادة إحياء الإتفاق النووي وعودة الجانب الأميركي إلى طاولة 5+1 تقف في مقدمتها العقوبات الأميركية والغربية حيث يُصر الجانب الإيراني علی ازالة العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضمن سلة واحدة والتحقق من فاعلية إلغائها علی الارض، كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة يوم الجمعة الفائت.
وقد جاء هذا التصريح الإيراني علی خلفية ما نشره موقع “اكسيوس” الأميركي من أن الأميركيين يدعمون اقتراحاً مقدماً من شخصية أوروبية قريبة من المفاوضات يعرض مشروع “إتفاق مرحلي” للمجموعة الغربية مع إيران يتم بموجبه تجميد تخصيب اليورانيوم إلى مستوی 60 في المئة والتعهد بالإمتناع عن التخصيب مقابل تحرير الأموال الإيرانية المجمدة؛ والإستمرار في المفاوضات لأجل التوصل إلى إتفاق دائم.
الإقتراح الأوروبي الذي تبّنته الإدارة الأميركية، كما نقل موقع “إكسيوس” يشبه الی حد بعيد ما تم الإتفاق عليه مع إيران عام 2013 والذي تم تعريفه حينذاك بـ”التعليق مقابل التعليق”. ويری مدير برنامج إيران في معهد واشنطن اليكس فاتانكا أنه يمكن التوصل إلی إتفاق مؤقت يُوفّر الوقت اللازم لإبرام صفقة نووية طويلة الأجل ومستدامة؛ لكن السؤال يبقی ما هو موقف إيران من ذلك؟ وهل تقبل بحل “مرحلي” يكون غطاء لإستمرار المباحثات بغية التوصل إلى “إتفاق جيد” خصوصاً وأن الإتفاق النووي الذي أبرم في العام 2015 ينتهي في العام 2025؟.
إذا كان الجانب الأميركي يرغب بالسير بدوافع حسن النوايا؛ سيكون الجانب الإيراني مستعداً للمقابلة بالمثل. أما غيرُ ذلك، فيجب أن نتوقع تفعيل الخيارات المطروحة علی الطاولة الإيرانية؛ وأقلها رفع نسبة التخصيب أعلی من 60 في المئة
طرحتُ الاسبوع الماضي فكرة التوصل الی “معاهدة” بين طهران وواشنطن تستوعب كافة مجالات الخلاف؛ تستطيع إحياء الاتفاق النووي كما أنها تنهي خلافاً دام قرابة نصف قرن بين البلدين. ما طرحه موقع “إكسيوس” هو “عصف ذهني”، كما وصفه الموقع المذكور، بهدف إنقاذ الإتفاق النووي لكن بصيغة مؤقتة علی أن تستمر المفاوضات من أجل التوصل إلی إتفاق “دائم وأعمق وأوسع”.
لم يتحدث الإيرانيون عن هكذا فكرة؛ لكن ليس مستبعداً أن يكون كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني قد تحدث بها مع المنسّق الأوروبي المعني بالاتفاق النووي إينريكي مورا في طهران وبروكسل الشهر الفائت.
ثمة مناخات في طهران تتحدث عن أن الحكومة الإيرانية الحالية المتشددة في علاقاتها مع الدول الغربية بشكل عام؛ لديها ملاحظات وإنتقادات عميقة بشأن الإتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه عام 2015. وإستناداً إلی ذلك يجب أن لا نتفاءل كثيراً بمفاوضات سهلة في جولتها السابعة المقبلة. إنها مفاوضات معقدة؛ صعبة؛ متشعبة وشاقة؛ اللهم إلا إذا تقدم الجانب الأميركي بخطاب وسلوك يستطيع خلق “هامش من الثقة” المفقودة بهم عند الإيرانيين بسبب تاريخ طويل من المواجهة كان آخرها إنسحاب دونالد ترامب الأحادي الجانب من الاتفاق النووي عام 2018.
حكومة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي كانت جادة في مشاوراتها مع مجموعة 4+1 وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا إضافة إلی الصين وروسيا قبل أن تضع تصورها لآلية إستئناف المفاوضات؛ ولا أعتقد أنها تميل إلى حرق الفرص؛ كما أنها لا تريد اللعب بالوقت أو المماطلة لأن ذلك ليس من مصلحة الشعب الإيراني؛ لكن في الوقت ذاته لا تريد أن تأتي الحلول علی المقاسات الغربية.
حكومة الرئيس رئيسي تقول إنها سوف تتعامل إستراتيجياً، سواء مع مع الجانب الأميركي أو مع بقية المجموعة الغربية، وفق صيغة “خطوة مقابل خطوة”. فإذا كان الجانب الأميركي يرغب بالسير بدوافع حسن النوايا؛ سيكون الجانب الإيراني مستعداً للمقابلة بالمثل. أما غيرُ ذلك، فيجب أن نتوقع تفعيل الخيارات المطروحة علی الطاولة الإيرانية؛ وأقلها رفع نسبة التخصيب أعلی من 60 في المئة، وهو الخيار الأصعب الذي سوف تفعله طهران مضطرة لمواجهة كافة الإحتمالات.. مستقبلاً.