تبعية اللبناني العمياء.. تفويضٌ “مُبرمٌ” للزعيم!

على مسافة أشهر قليلة من الإنتخابات النيابية، تأخذنا طبيعة نظامنا السياسي والممارسة السياسية الناتجة عنه، وما يدور في فلكها من طقوسٍ وشعائر يومية في مديح السياسيين، إلى محاولة معرفة الأسباب الكامنة وراء تهليل الجمهور المُستمر لطبقة سياسية حكمت لبنان على مدى مائة سنة!  

لا شك أنّ السياسيين عندنا يُدركون أهمية الخطاب السياسي، بما يحمله من سلطةٍ استثنائيةٍ وتأثيرٍ هائل في العقول. يُمكن للخطاب بكل إمكانيّاته اللغوية والعاطفية أن يتسلل. أن يخترق. أن يُقنع.. إلى حد تغيير المواقف والآراء. لذلك، تُشكّل إصدارات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (Michel Foucault) مرجعيةً عند التطرق إلى الخطاب واللغة. ففي “حفريات المعرفة” مثلًا، تحدّث عن تحوّل الخطاب بحد ذاته إلى سلطة.

خطابنا السياسي في لبنان يحتوي على درجاتٍ عالية من التلاعب والاستثارة العاطفية. فعلى صعيد طبيعة التخاطب والتجييش القائم بين مختلف المجموعات السياسية اللبنانية، يُؤكد الدكتور في علوم الاعلام والاتصال في الجامعة اللبنانية، روي جريجيري على ترابط تجييش الخطاب السياسي-الطائفي مع المنحى التصاعدي لمأسسة الطائفية في النظام اللبناني، وهي التي تعمّقت وترسخت بعد إدخال التعديلات التي لحظتها “وثيقة الوفاق الوطني” على الدستور في عام 1991 ونتيجة أيضًا للحرب الأهلية وامتدادًا لمنطق الفرز الطائفي والكانتونات وزعماء الأحياء الذي ساد خلال مرحلة الحرب، ما أدى ـ على حد تعبيره ـ إلى تراجع المساحة المشتركة والمساحة العامة لمصلحة المساحات الخاصة الطائفية. فبات الخطاب جزءًا أساسيًا من الترسانة التسويقية للاعبين على المسرح السياسي.

ويؤكد الأستاذ في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الباحث السياسي الدكتور الياس البراج على وجود بعدٍ تاريخي وقبلي وطائفي مشوب ببعض المناطقية أحيانًا، وهناك تحديات وأزمات معاصرة تُشكّل مُجتمعة عناصر في الخطاب الصدامي للسياسيين في لبنان، وبخاصة في أوقات الأزمات، الخارجية منها والداخلية.

جريجيري: تأجيج الصراع الطائفي يفضي إلى ممارسات سياسية تطيح بهامش التغيير وتؤدي إلى “تطيير” استحقاقات دستورية أساسية ومفصلية، ما يُساهم في تمييع أي فورة شعبية تتحدى البنية الطائفية للنظام أو لا تتوافق مع مصالح الطبقة الحاكمة وامتداداتها

إذًا لا يختلف المشهد السياسي في لبنان خلال مرحلة الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، عن المراحل التي تلتها وصولًا إلى يومنا هذا. فالمجموعات السياسية ما زالت تُروّج للخطاب الانقسامي والتصادمي نفسه. والواضح أنّ هذه المجموعات المتناحرة-المتصالحة تعمد إلى تحديد الصواب والخطأ من جهة، والحلفاء والخصوم من جهة أخرى. وترسم روايات مُعيّنة عبر تحديد من هم الأبطال ومن هم الجناة أو القتلة أو الخونة ومن هو المظلوم والظالم. ويعود ذلك كلّه، بحسب الدكتور جريجيري، إلى نجاح المُكوّنات الطائفية على مدى عقود في مأسسة هيكليتها داخل الدولة، على شكل كيانات سياسية شبه مُستقلة بمعاييرها وقيمها الخاصة الجامدة المبنيّة على الإرث وعلى إعادة إنتاج نفسها وزعمائها وخطاباتها. فتُصبح بالتالي قادرةً على إنتاج الأحداث ذاتها ولو في سياقات مُختلفة.

في ظل هذا الواقع، ثمة حدية تُميّز الخطاب السياسي، وذلك تحت شعارات مختلفة، دفاعاً عن مصالح الشبكات الطائفية (“الحفاظ على حقوق الأقلية”، “احترام التوازن الطائفي”، “احترام الميثاقية”، “الديموقراطية التوافقية”، “هواجس الطائفة الفلانية”، “الصلاحيات” إلخ.). كما تلعب الوسائل الإعلامية الخاصة (التلفزيونية خصوصًا) دورًا حاسمًا في تكوين أو ترسيخ هويات جماعية قائمة على الانتماء الديني أو الحزبي.

مشهدية الحرب باقية وتتمدد

انطلاقًا من ذلك، يُسلّم جمهور الأحزاب بصوابية الزعيم وفرادته واستثنائيته وقوته. هنا يفيدنا استرجاع ما قاله العالم الفرنسي غوستاف لوبون (Gustave Le Bon) في كتابه الشهير “سيكولوجية الجماهير” عن ابتعاد الجماهير عن التفكير العقلاني. فهي لا تُشكّك أو تفحص أو حتّى تُعاين مدى منطقية الأفكار التي يتم ضخها. فتُسيطر مقولات الزعماء على عقول الجماهير بسرعة فائقة، لتقوم من بعدها بتحويلها إلى عمل، حركة، ردة فعل، عنف وتضحية.. وتضع كل من لا يُشاركها إعجابها بزعيمها في مرمى الاتهام وضمن خانة الأعداء لها.. يكفي مثلًا أن يُعمّم رئيس حزبِ لبناني مُعيّن قراراً بضرورة التظاهر ضد قاضٍ، حتّى يُلبّي الحزبيّون النداء فورًا، من دون حتّى التفكير بخلفية وأسباب هذه الدعوة ومدى صوابيتها. كما يعمد الموالون لأيّ حزبٍ أو تيّار بتصديق أي رواية تصدر عن حزبهم، من دون حتّى التشكيك بها. فيقتنع الحزبيون برواية “ما خلونا” بعد سنوات طويلة من استلام وزارات أو مؤسسات أو إدارات مُعيّنة.

ويُرجع الدكتور جريجيري الاستمرار في مديح السياسيين وتمجيدهم إلى تركيبة النظام التي تعزّز منطق المحسوبية والفئوية بحيث يرتبط السياسيون بناخبيهم من خلال علاقات زبائنية مبنية على الخدمات مقابل ولاءات طائفية دائمة الاستنفار، وهذه التركيبة تعيق أي محاولة لإعادة تكوين الهوية والمؤسسات من خارج هذا الإطار الفئوي الضيّق.

في المقابل، يُمكن الإشارة، بحسب جريجيري، إلى أشكال العلاقات الاجتماعية في المجتمعات الدينية التقليدية المبنية على السلطة التقليدية وعلى التبعية المفرطة. بحيث يشكّل الـ conformisme الاجتماعي في الخطاب والسلوك المعيار الأساس، وهذه كلها تتيح المجال لظهور السلطة الكاريزمية، تلك التي تحدث عنها عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني ماكس فيبر (Max Weber). إذ هذه الأخيرة تُدخل الشعوب دائمًا في دوّامة دعم الحكام، بواسطة خلق طبقات مُستفيدة من النظام. لكن هنا يعتبر الدكتور البراج أنّ فيبر قد تحدّث أيضًا عن رسالة وشروط أخلاقية وما يمكن اعتباره اليوم من شروط النزاهة، وليس فقط عن مواهب الخطابة والقيادة والإلهام.. ويرى أنّه ربما كان هذا التصوّر ينطبق نسبياً على الحالة اللبنانية قبل اختبار هؤلاء في موقع السلطة. ويشير إلى أنّ ما وصلنا إليه من أزمات وجرائم متراكمة على يد هؤلاء الحكام أنفسهم، أسقط معظم الصفات الكاريزمية “الحميدة” أو “الباهرة” عن السياسيين أو الحكام اللبنانيين.

وإلى جانب ما سبق، تنوجد أسباب أكثر آنية للاستمرار بتأليه وتقديس الزعماء ومديحهم باستمرار. هناك قوانين الانتخابات المُتعاقبة التي يرى جريجيري أنّها تمنع أي حركة ذات بعد وطني عابر للطوائف من تحقيق خرق ما في الندوة النيابية. يُضاف إلى ذلك اعتماد النظام الأكثري حصرًا في محاولة دائمة لرفض أي قانون نسبي أو تمييع ما يدخل تحت هذا المسمى، وهو تمامًا ما حصل في الانتخابات النيابية عام 2018 (قانون نسبي بصوت تفضيلي واحد جعله أشبه ما يكون بالقانون الأرثوذكسي)!

أمّا الجمهور، بحسب البراج، فهو مُفتت ومُشتت بين كثرة هذه “الولاءات” البارزة لسبب رئيسي وحاسم، وهو غياب وضعف الانتماء الوطني، بمعناه الاجتماعي والاقتصادي وبمعنى الدولة المعاصرة التي تُشعِر الجميع بالأمان. ما يؤدي على حد قوله إلى تشكيل مناخِ ملائم لبروز نموذج من السياسيين المحليين الفئويين، وليس “الحزبيين” بالمعنى البنّاء للحزب.

البرّاج: المُتحكمون بمقدّرات البلاد عبر السنين جعلوا المجتمع اللبناني يعتمد على أن الولاء لهم، وليس للقيم المعيارية، القيم النبيلة والسامية، هو أساس الفرز السياسي والوظيفي

صورة سامية ومُقدّسة عن القائد

بات معلومًا أنّ الممارسة السياسية لجمهور الأحزاب اللبنانية تنحصر بفكرة تقديس الزعيم، فتطغى عليها كل مظاهر التمجيد والتعظيم والتهليل. وبالرغم من أنّ هذه الطبقة الحاكمة لم تُحقق شيئًا من “مشاريعها” أو “وعودها”، نرى جمهورها يمضي قدمًا بالتصفيق لها وتأكيد ولاءه لها. لكن يبدو أنّ التقوقع الطائفي بات اليوم أشرس من أيّ وقتٍ مضى، ما يُنذر بسيناريوهات قاتمة.. إلى درجة أن هذه الطبقة السياسية “قد لا تتردد في فعل أي شيء يشد عصب جمهورها كلما شعرت بان نفوذها بات مُهدداً بالتلاشي او شعرت أن عملية محاسبتها بدأت تصبح جدية وتهدد مصالحها”.

إقرأ على موقع 180  نحو شرق أوسط جديد.. غير أمريكي

عمليًا، عادت متاريس الحرب التي لم يشفَ منها اللبنانيون لتظهر مجددًا “علنًا” بين اللبنانيين، وفي بقعٍ جغرافية شديدة الحساسية. وهذا تمامًا ما حصل في أحداث الطيّونة مؤخرًا، حيث تحوّلت العاصمة بيروت إلى ساحة حربٍ مُصغّرة.

في ذلك اليوم، اقتنع على الفور مناصرو كل من حركة أمل وحزب الله وتيّار المردة برواية “تسييس التحقيق”، فباتت مُشاركة مناصريهم بالتظاهرة لكف يد المحقق العدلي بجريمة انفجار مرفأ بيروت و”اقتلاعه” نوعًا من الواجب الوطني والشرعي. في المقابل، لم يتردد القواتيّون في تلبية طلب “حكيمهم” دفاعاً عن “حصنهم” (عين الرمانة) أو “قلعة الصمود”، كما يُطلقون عليها.

لكن لم تتوقف الأمور عند هذا الحد على الإطلاق، فتصاعد التوتر إلى اشتباكٍ مُسلّح حمل روايات مُختلفة. في حين لا يزال كل طرف منهم حتّى اليوم يرمي الاتهام على الآخر حول “من أطلق الرصاصة الأولى”. لكن ما لا يمكن التشكيك به، هو أنّ يوم الاشتباكات لبّى الجميع نداء زعماء الطوائف، فرسموا “خميسًا أسود” جديدًا للعاصمة رفعوا فيه بنادقهم، عتادهم ورشاشاتهم على بعضهم البعض. كما قد تحوّل كلّ طرف مُشارك بالأحداث أو ينتمي إلى أيّ جهة من هذه الأحزاب إلى إرهابي ومُتعدٍ بنظر “الآخر”، وهذا ما لمسناه بوضوحٍ عبر المصطلحات المُتداولة على ألسنة مناصري الأحزاب. فجاءت كإسقاطات جاهزة روّج لها أولاً قادة هذه الأحزاب، فاقتنع بها مناصروهم وسوّقوها بوصفها إسقاطات جاهزة، مثل مُصطلحي “كمين الطيّونة” و”غزوة الطيّونة” اللذين استخدما بكثرة، بحسب رواية كل طرف.

من هنا، يُمكننا القول إنّ الطبقة السياسية التي تقاسمت البلد على مدى أعوامٍ طويلة، نجحت في تحويل اللبنانيين بمكانٍ ما إلى أدواتٍ طيّعة بمشروعها الإنتحاري. فأصبحوا بموافقتهم بالطبع امتدادًا للمنظومة وضمانة لبقائها في السلطة. في هذا السياق، يُرجع الدكتور البراج هذا الأمر إلى أنّ جماهير الاحزاب الحالية هي بمعظمها، من ورثت أو عايشت مخاوف الحرب الأهلية، وبعد الحرب لم تكن مستعدة للثقة التامة ببعضها فارتضى جميع أمراء الحرب، وبالتالي جماهيرهم التعايش بالمحاصصة. أي بمعنى توفير حد أدني من الامان المعيشي والوظيفي، ولو على حساب باقي اللبنانيين. وأضاف قائلًا: “لقد ساهم شعورهم بنوع ما من الامتياز على الآخرين في تعزيز ولاءهم لزعمائهم و”أسيادهم”، برغم علمهم بجرائم هؤلاء وبأنهم أصبحوا من أثرياء الحرب وما بعد الحرب..”.

ويجزم البراج أنّ الجماهير المتبقية لهؤلاء لا تنظر إليهم بقدسية، بل تدافع عنهم حماية لمصالحها المتواضعة.. ويعتبر أنّ السبب الرئيسي هو عدم قيام مؤسسات دولة عادلة في وطن يُشعر الجميع بحد أدنى من الأمان المعيشي والصحي والتعليمي والوظيفي.

حتى المسائل والقضايا السياسية الكبرى، نجدها مرتبطة بطوائف معيّنة دون سواها، ما يحوّلها إلى “طوائف متخصّصة” كما يصفها الباحث والمؤرخ اللبناني أحمد بيضون

من جهة أخرى، يُنتج المنطق الطائفي، بحسب الدكتور جريجيري، تسخير المجموعات الطائفية من قبل الدول التي ترتبط بها بذريعة الانتماء الديني المشترك وإدخالها في صراعات أيديولوجية وأحيانًا مسلّحة تتخطى الحدود اللبنانية. حتى المسائل والقضايا السياسية الكبرى، نجدها مرتبطة بطوائف معيّنة دون سواها، ما يحوّلها إلى “طوائف متخصّصة” كما يصفها الباحث والمؤرخ اللبناني أحمد بيضون. وبالتالي هذه التعقيدات هي في صميم النظام اللبناني وأزماته المُتلاحقة.

علينا ألا ننسى أسطورة القائد المُنتصر التي لا تفارق اللبنانيين، فنراهم يُسقطون تجاربهم من الحرب اللبنانية على حاضرهم اليوم. فكما يستمر المناصرون للتيّار الوطني الحر بالاحتفال بذكرى 13 تشرين باعتبارها رمزًا للصمود والكرامة، يستمرون بمديح الجنرال ميشال عون في قصر بعبدا، ورئيس التيّار جبران باسيل كحُماة للوجود المسيحي في بلدٍ يحتضر بمُسلميه ومسيحييه. وعلى الرغم من كل ما يحدث، يبقى الموالون للتيار العوني مُقتنعون بسردية “العهد القوي” (الذي يُنتقد كثيرًا) ويدافعون عنها بشراسة مُطلقة.

في المقابل، ترسخت روايات عدّة في نفوس مناصري الأحزاب من حُلم المقاومة إلى حلم السيادة ورواية مرحلة “14 آذار” بأنّها نجحت في إخراج الجيش السوري من لبنان عام 2005.. ولا تتوقف الأمثلة هنا، فهناك “إتفاق معراب” بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. بمُجرّد أن تحوّل أشد الخصوم في لحظةٍ فاجأت الجميع إلى حليفين (مصالح سياسية شخصية بالأصل)، أصبحت هذه الخطوة بعيون مناصريهم “المتخاصمين” مُباركة، وتصب في مصلحة “الوجود المسيحي”. لكن هذا قبل أن يتداعى هذا الاتفاق سريعًا وتتداعى معه المصالحة، ويستعيد جمهور الطرفين، مشاعر الكراهية والنفور.

ويؤكد البراج أنّ المُتحكمين بمقدّرات البلاد عبر السنين جعلوا المجتمع اللبناني يعتمد على أن الولاء لهم، وليس للقيم المعيارية، القيم النبيلة والسامية، هو أساس الفرز السياسي والوظيفي.

إذًا يأخذنا هذ السرد المقتضب إلى استنتاج بات ضروريًا التوقف عنده، فمع تغيّر السرديات والتحالفات والتوازنات وخطابات السياسيين، يتبدّل تلقائيًا جمهورهم، ليقتنع بالسردية الجديدة من دون حتّى التفكير أو الاعتراض. ويبقى السؤال الأكبر هنا، كيف لم يُغيّر انفجار المرفأ الذي هزّ العاصمة بيروت والكارثة الاقتصادية والاجتماعية ولو قليلًا، من هذه التبعية العمياء؟

مما لا شك فيه أنّ الجمهور الحزبي في لبنان يعيش حالة من الانسلاخ عن الواقع “لبنانية الصُنع”، في وقتٍ بات أكثر من سبعين في المائة من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر. فيُعطي مناصرو الأحزاب نوعًا من التفويض الكُلّي للزعماء (على حياتهم، أموالهم، مُستقبلهم وحقوقهم..). لذا قد يكون من المُبكّر الحديث عن تلاشي زمن التبعية والزعامات حتّى بعد “انتفاضة 17 تشرين”.

يعتبر الدكتور جريجيري هنا أنّ تأجيج الصراع الطائفي هذا يفضي إلى كثير من الممارسات السياسية التي تطيح بهامش التغيير وإلى سهولة “تطيير” استحقاقات دستورية أساسية ومفصلية، ما يُساهم في تمييع أي فورة شعبية تتحدى البنية الطائفية للنظام أو لا تتوافق مع مصالح الطبقة الحاكمة وامتداداتها. فكل هذه الأمور، بحسب جريجيري، تُفشل أي حركة عابرة للطوائف والمناطق، لأنّها تجعلها مجموعة مُشتـتة القوى تفتقد إلى مركز ثقل، وبالتالي لا تستطيع أن توظف سياسيًا، مزاجًا شعبيًا رافضًا للوضع القائم.

لذا يُسلّط الدكتور البراج الضوء على ضرورة إيجاد خطاب جديدٍ لا يعتمد على الكاريزما وتنويم الجماهير، بل على خلاصة ودروس تجارب مريرة ونهايات مأساوية لمشاريع التقوقع المذهبي والعقائدي، سواء على صعيد لبنان أو على صعيد الخارج.

يأخذنا كل ما سبق إلى طرح علامات استفهامٍ عدّة حول كميّة التشنّج والتجييش الطائفي الممارسة في هذه الفترة، والتي تعلو مع الاقتراب يومًا بعد يوم من استحقاق الانتخابات النيابية. لكن هل سيتحمّل البلد والجمهور المُنقسم بالأصل، مزيدًا من التشنّج والتصارع المذهبي؟

Print Friendly, PDF & Email
مارتا قاصوف

صحافية لبنانية

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  عندما يرحل الكبار.. سليم الحص نموذجاً