إيران النووية في فيينا.. حصانة براغماتية!

حاول الأميركيون في بداية الجولة السابعة من مفاوضات فيينا التصرف كأنهم هم من يدير المفاوضات من الفندق المحاذي لفندق كوبورغ، عبر الطلب من الوفد الأوروبي تلاوة بيان بإسمهم، وكان رد الوفد الإيراني أننا نفاوضكم أنتم وليس الأميركيين ولا نقبل بلغة التهديد، فما كان من رئيس الوفد الأوروبي إلا الإعتذار من أول الطريق!

لم يعد خافياً أن إيران قدمت في الجولة السابعة من مفاوضات فيينا إلى المفاوضين الأوروبيين ملفين حدّدت فيهما رؤيتها حول آلية العودة للإلتزام بالتعهدات النووية وآلية رفع العقوبات، وأعلنت طهران أنها تنتظر الرد الرسمي من الدول الأوروبية على مقترحاتها، مشددة على أن إلتزامها بتعهداتها النووية وأيضاً حصولها على الإمتيازات الإقتصادية التي وُعدت بها يجب أن تكون حسب مندرجات الإتفاق النووي المبرم عام 2015 ولذلك يجب أن تُلغى جميع العقوبات التي تم فرضها بعد خروج أميركا من الإتفاق النووي عام 2018 وبالتالي عودة الأمور إلى ما كانت عليه عام 2015 “وإلا فلا معنى للإتفاق”، من وجهة النظر الايرانية التي لطالما شدّدت على أن أي صيغة يتم التوصل إليها يجب أن تكون وفق “معادلة رابح/رابح” بالنسبة لجميع الأطراف وإلا لن تكون هناك ضرورة للإتفاق.

ماذا عن الجولة الجديدة التي إتفق كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، ومنسق اللجنة المشتركة للاتفاق النووي إنريكي مورا، على موعد استئنافها غداً (الخميس) في الإتصال الهاتفي الذي جرى بينهما يوم الإثنين الماضي؟.

تخوض طهران الجولة المقبلة من المفاوضات وهي مطمئنة جداً للموقفين الروسي والصيني، ذلك أن كبير المفاوضين الايرانيين علي باقري كني زار موسكو والتقى مساعد وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بهدف تنسيق المواقف بين طهران وموسكو في المفاوضات المقبلة، وكان اللافت للإنتباه إعلان باقري من العاصمة الروسية أنه نسّق الموقف أيضاً مع الحكومة الصينية. وقال متحدث رسمي بإسم وزارة الخارجية الصينية يوم الإثنين الماضي إنه على الولايات المتحدة، “بصفتها المتسبب في الأزمة النووية الإيرانية، أن ترفع بطبيعة الحال جميع العقوبات غير القانونية أحادية الجانب المفروضة على إيران والأطراف الثالثة بما في ذلك الصين”.

إلى ماذا تؤشر مجريات المفاوضات حتى الآن؟

بعد مرور قرابة الأربعة أشهر على تسلم فريق المحافظين زمام السلطة في ايران، يمكن الإستنتاج أن الدبلوماسية الخارجية التي تتبعها حكومة إبراهيم رئيسي المحافظة هي دبلوماسية براغماتية وليست إيديولوجية، كما يتصوّر الكثيرون، أي أن الحكومة الايرانية الحالية تتعامل مع جميع الدول في إطار منظومة مصالح سياسية وإقتصادية متبادلة، بدليل العلاقات الراهنة بين إيران وأذربيجان؛ إيران وأفغانستان؛ المفاوضات الايرانية السعودية؛ العلاقات الإيرانية الإماراتية.

 صحيح أن العلاقات الايرانية الأذربيجانية دخلت في نفق مظلم ولكن رئيسي الدولتين التقيا على هامش مؤتمر منظمة التعاون الإقتصادي (إكو) في تركمانستان وتوصلا إلى حلول للمشاكل العالقة بين البلدين. وفي أفغانستان أيضاً وبعد سيطرة تنظيم طالبان على الأراضي الأفغانية، بدأ البعض حتى في الداخل الايراني يتحدث عن حرب وشيكة بين ايران وطالبان ولكن الآن هناك علاقات جيدة جداً بين كابل وطهران. البعض أيضاً كان يتصور سيناريوهات دراماتيكية بين ايران والإمارات في ظل حرب اليمن والتطبيع الإماراتي الإسرائيلي وقضية الجزر، ولكن العلاقات الايرانية الإماراتية بدأت فصلاً جديداً في ضوء زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد إلى طهران وحديث البلدين عن “صفحة جديدة” في العلاقات الثنائية. أيضاً علينا أن نترقب مسار تطور المفاوضات الايرانية السعودية في عهد الحكومة الايرانية الجديدة في غضون الأشهر القليلة المقبلة.

هذا العرض السريع يشي أن حكومة إبراهيم رئيسي المحافظة ستكون براغماتية وعملية في سياستها الخارجية، ومستعدة للتعامل مع جميع الدول الخارجية في إطار إتفاقيات “رابح/رابح”، أي أن يكون الجميع رابحاً فيها، ما عدا إسرائيل طبعاً.

هذه المناخات تفرض نفسها أيضاً في مفاوضات فيينا، فإيران تقول إن الإتفاق النووي المبرم عام 2015 يضمن لها مصالحها الإقتصادية، لذلك “أعطونا حقوقنا الإقتصادية والمادية المنصوص عليها في الإتفاق لكي تعود المياه إلى مجاريها”.. وطهران البراغماتية تقول إن العقوبات ألغيت بموجب الإتفاق النووي والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أعاد فرضها بل زاد عليها أيضاً، ولذلك نقول لكم “أعيدوا الظروف الإقتصادية إلى ما كانت عليه عام 2015 لكي ننفذ الإتفاق النووي بالكامل”.. وبهذا تريد طهران القول إنها تبحث عن معادلة رابحة لكل الأطراف في مفاوضات فيينا.

هل هناك محل للتفاؤل أو التشاؤم في طهران؟

إذا كان الأميركيون قد حسموا أمرهم بوجوب التوصل إلى إتفاق عادل ومربح للجميع، فإن كل المناخ السلبي الذي رافق الجولة السابعة قد يتبدد في لحظات قليلة، أما إذا كان هناك من يريد إعتماد سياسة الفرض والإملاء، فلا يبدو أن حكومة رئيسي هي من النوع الذي يمكن أن يقبل بلي الذراع بهذه الطريقة. لننتظر ما يمكن أن تحمله الساعات المقبلة.

 

 

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  إخراج إيران من سوريا.. بالوعي والإعمار والنفوذ الروسي!
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  فرص إسرائيل المتوسطية 2022: المغرب وتركيا ولبنان...