بحسب مصادر مقربة من الوفد الروسي الزائر، فإن القيادة الروسية إتخذت قراراً استراتيجياً بالإستثمار في مصفاة الزهراني لأسباب متعددة أبرزها الحرص على اختيار المصفاة الواقعة في الجنوب اللبناني.
ـ لماذا هذا الحرص؟
تجيب المصادر بالقول لموقع “180 بوست” إن المظلة الأمنية التي تتوافر في موقع المصفاة، تجعل المستثمرين الروس أكثر اطمئنانا، فـ”نحن نتحدث عن مشروع استثماري بقيمة مليار ومائتي مليون دولار، من شأنه أن يمد المصفاة بحوالي 10 ملايين طن من النفط الخام سنوياً”.
وفي تفاصيل هذا المشروع، تقول المصادر إن الوفد الروسي المؤلف من رجال أعمال وخبراء اقتصاديين وفنيين، سيجتمع مع وزير الطاقة وليد فياض يوم الجمعة المقبل لإستعراض كامل التفاصيل المرتبطة بمشروع تشغيل مصفاة الزهراني، وفي طليعة النقاط المنوي بحثها، ما يلي:
ـ أولاً؛ أن تستقبل مصفاة الزهراني ما يعادل بين 150 إلى 200 ألف برميل يومياً من النفط الروسي الخام، أي ما يعادل 10 ملايين برميل في السنة.
ـ ثانياً؛ تلك الكمية من النفط الخام، يصار إلى تكريرها في المصفاة، وينتج عن كل برميل من النفط الخام أربعة براميل من المشتقات النفطية، وتتوزع على أربعين في المائة للديزل وثلاثين في المائة للبنزين ومثلها للكهرباء.
ـ هل من شروحات أكثر؟
تقول المصادر التي كانت تتحدث مع الوفد الروسي حين كان في محطته التركية قبل وصوله إلى بيروت، إن مشروع مصفاة الزهراني، يغطي حاجة السوق اللبنانية بالكامل من المحروقات، كما أنه يؤدي إلى إحياء قطاع الكهرباء اللبناني المتهالك، وفوق ذلك، يتيح المشروع الروسي إعادة مصفاة الزهراني إلى سابق عهدها، كمرفق حيوي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.
تقول المصادر المقربة من الوفد الروسي إنه أمام اللبنانيين عرض كامل لا يكلفهم شيئا، فالمشروع الذي يحمله التقنيون الروس يعتمد قاعدة الـ BOT وجاء مجردا من الشروط والأغراض السياسية، فضلا عن توفيره فرص عمل لا تُعد ولا تُحصى، والأهم من ذلك تلبية الحاجات اللبنانية من محروقات وكهرباء، لبنان بحاجة سريعة وقصوى إليها
وحين يتم توجيه سؤال عن مدى حصول المشروع الروسي على إجماع لبناني، سياسياً وحكومياً، تتأنى المصادر إياها في الإجابة، قبل أن تقول إن زيارة الوفد الروسي إلى لبنان، تحمل في عناوينها وتفاصيلها وحيثياتها جدية لا لبس فيها ولا جدال حولها، ولكن في الإمكان التأكيد على وجود فرصة يجب استغلالها، وبصورة عامة لا يمكن إدراج الزيارة الحالية للوفد الروسي إلى العاصمة اللبنانية إلا في سياق سلسلة زيارات روسية متعددة إلى لبنان، فالروس زاروا بيروت في نيسان/ابريل الماضي، وفي حزيران/يونيو الفائت، وفي ايلول/سبتمبر المنصرم، صحيح أن بعض هذه الزيارات إتخذت طابعا سياسيا، ولكن الفصل بين السياسي والإقتصادي ليس وجيها وليس صائبا في كل حين، ومن هذه الزاوية بالتحديد يجب حصر زيارة الوفد الروسي التقني الحالية بما سبقها من زيارات الموفدين التقنيين، وهذا ما يؤكد على جدية موسكو كما سبق القول، وعلى تقدم ملحوظ في المقاربة اللبنانية، لا بل “القرار اللبناني”.
بما يتعلق بـ”القرار اللبناني”، تنعش الزيارة الراهنة للوفد الروسي التقني إلى بيروت، الذاكرة الساخنة لطريقة تعاطي لبنان مع روسيا قبل ثلاثة عشر عاما، ففي الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر 2008، زار وزير الدفاع اللبناني الياس المر موسكو، وجرى البحث آنذاك مع القيادتين السياسية والعسكرية الروسيتين في سُبل تزويد لبنان بالعتاد الروسي، ومن ضمنه طائرات “ميغ 29” ومدرعات ومروحيات ووسائل دفاع جوي مختلفة، إلا أن “القرار اللبناني” سرعان ما تشظى ذاتياً، ومع أن الروس أعلنوا لاحقاً عن استعدادهم لتقديم مقاتلات الـ”ميغ” هبة مجانية للبنان، إلا أن اللبنانيين أشاحوا النظر عن هذا العرض وطالبوا إمدادهم بالمروحيات، وحين وافقت موسكو على هذا الطلب، عادت بيروت وأسقطته من دون إيضاح ولا تعليل، وهو أمر تكرر في عام 2016، حين اكد السفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار، أن لبنان طلب من روسيا بيعه منظومة صواريخ من نوع “كورنيت”، فضلا عن دبابات 72.
ـ ألا يوجد مرارة روسية من نمط التعاطي الرسمي اللبناني؟
لا تعلق المصادر المقربة من موسكو على “السرد المرير” الوارد آنفا، لا بالسلب ولا بالإيجاب، ولكن المصادر تقول “سأكشف سراً”..
ـ ما هو؟
ـ أتذكرون زيارة الرئيس ميشال عون إلى موسكو في آذار/مارس 2019؟
ـ نعم.
ـ هذه الزيارة كادت أن تُلغى.
ـ كيف ولماذا؟
تقول المصادر الآتي: بلغ القيادة الروسية، وبالتحديد الرئيس فلاديمير بوتين، أن لبنان وتحت وطأة الضغوط الخارجية، أعاد (أو قد يعيد) النظر بالمشاركة الروسية (نوفاتيك) مع شركتي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية بالتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة الحدودية البحرية المتنازع عليها مع اسرائيل (البلوك رقم 9)، وأدت ردة الفعل الروسية إلى أن يطلب الرئيس بوتين من وزير خارجيته سيرغي لافروف إلغاء الزيارة، ولكن الذي حدث، أنه تم استدراك الأمر في لحظة لاحقة.
هذا “الكشف” يدفع نحو المزيد من البحث عن أجوبة مغرية وذات علاقة بمصير “الكونسورتيوم” الروسي ـ الفرنسي ـ الإيطالي في جنوب لبنان، وبمرارة قاطعة هذه المرة تقول المصادر إن هذا الأمر “إنتهى”.
ـ وهل هذا ما يفسر الحرص الروسي على الإستثمار في مصفاة الزهراني؟
لا إجابة عن هذا السؤال من المصادر المقربة من الوفد الروسي، ولكنها تقول إنه أمام اللبنانيين عرض كامل لا يكلفهم شيئا، فالمشروع الذي يحمله التقنيون الروس لا يرتب على لبنان أية أعباء مالية، لا دفعا عاجلا ولا آجلا ولا دينا عاما إضافيا يثقل خزينة الدولة، فهذا المشروع يعتمد قاعدة الـ BOT (نظام للتمويل والتشغيل عبر القطاع الخاص لفترة زمنية محددة)، وهذا العرض المكتمل لا يشبهه عرض مثيل كونه جاء مجردا من الشروط والأغراض السياسية، فضلا عن توفيره فرص عمل لا تُعد ولا تُحصى، والأهم من ذلك تلبية الحاجات اللبنانية من محروقات وكهرباء، لبنان بحاجة سريعة وقصوى إليها لإعادة إحياء اقتصاده الذي ينزلق من قاع إلى قاع ومن جحيم إلى آخر.
ـ ماذا عن النتائج المتوقعة من اجتماع الوفد الروسي مع وزير الطاقة وليد فياض؟
ـ هذه نتركها إلى اجتماع يوم الجمعة أو إلى يوم السبت حيث ستنجلي الرؤية، وما يمكن قوله بهذا الصدد، إن الوفد الروسي أتى إلى لبنان ومعه المشروع و”القرار” (الروسي)، وإن يوم الجمعة لناظره قريب.