كورونا يُلزمنا بالتعليم عن بعد: إرباك وتجريب

أكثر من 850 مليون طالب وتلميذ في أكثر من 100 دولة، يقبعون حالياً في منازلهم بسبب وباء كورونا. هذا الحجر الصحي مرشح أن يستمر شهورا وربما أكثر. لذلك، لم يكن هناك إلا خيار التعليم عن بعد، لإنهاء العام الدراسي الحالي، ولو تعددت الوسائل والأساليب وحتما الإمكانات.

ما أن بدأ القطاع التربوي في لبنان يستعيد نصابه، مطلع السنة الحالية، بعد تعثر شهده، غداة الحراك الشعبي الذي إنطلق في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وشكّل طلاب المدارس والجامعات اللبنانية أحد أبرز دعائمه، حتى جاءت أزمة فيروس كورونا لتعلّق الدروس مجدداً وتضع ما يقارب المليون وخمسمائة ألف طالب[1] ومعهم الأساتذة والأهالي في دوامة قلق مزدوج: قلق خسارة العام الدراسي وقلق العدوى بفيروس كورونا.

جاء “التعليم عن بعد” ليشكل أحد الحلول الأساسية التي يمكن اللجوء إليها لتلافي الخسارة الكاملة، وهو ممكن من خلال عدة تقنيات أبرزها الآتي: أولا، تقنية الفيديو كونفرنس  video conference، ثانياً، تقنية المحاضرات المباشرة أي عبر الإنترنت (Live)، ثالثاً، تسجيل محاضرات الأساتذة ووضعها بتصرف طلابهم من خلال موقع معين على الإنترنت، رابعاً، عبر تطبيقات أخرى مثل الواتساب أو برامج مايكروسوفت.

المبادرات الفردية فعّالية مفقودة

في البداية، تنوعت المبادرات الفردية للتعليم عن بعد من خلال بعض المدارس الرسمية والخاصة التي استخدمت تطبيقات خاصة مثل WhatsApp أو صفحات Facebook للتواصل مع الطلاب سعيا لانقاذ العام الدراسي، إلاّ أن هذه المبادرات لم تكن فعّالة، بحسب سمر، وهي أم لخمسة طلاب في مدرسة رسمية في إحدى قرى جبل لبنان، وتقول:”يرسلون الدروس على واتسآب ولا توجد مكتبة في القرية لطباعتها”، في المقابل، تؤكد هبة سلامة، مدّرسة اللغة العربية صعوبة شرح دروس القواعد عن بعد “لذلك، المطلوب إبتكار حلول ووضع خطّة رسمية للتخفيف من التأثير السلبي للكورونا على القطاع التعليمي خصوصاً التعليم الأساسي حيث يعتمد الطالب اعتماداً كاملا على التفاعل الصفيّ لاكتساب المفاهيم والمعلومات”.

خطة وزارة التربية

بعد أكثر من عشرين يوماً على تعليق الدروس، بدأت وزارة التربية تدرك الإرباك الذي تُعاني منه المدارس الرسميّة، ما دفع بوزيرها إلى إصدار خطّة  التعليم عن بعد من خلال ثلاثة مسارات، أبرزها، بثّ حصص تعليميّة من خلال تلفزيون لبنان وبعض التلفزيونات الخاصّة، تبدأ، اليوم (الأربعاء)، مع صفوف الشهادة المتوسطة وشهادة الثانوية العامّة بفروعها كافة وستعرض مراراً وتكراراً بحيث يستطيع الطلاب العودة إليها في أي وقت (الدرس التجريبي الأول على قناة يوتيوب: https://youtu.be/MaxQ77FBS9o).

 ومع أهمية الجهد الذي يحتاجه تقديم الدروس التعليمية في قوالب تلفزيونية إلاّ أنه لا يعني اكتمال العملية التعليمية التي تحتاج تفاعلاً مُباشراً بين الطلاب والمدرسين، وهذا عنصر شكوى كثر من الطلاب والأساتذة في التعليم المدرسي والجامعي، ما دفع الوزارة إلى إطلاق المسار الثاني الذي يؤمّن التواصل عبر تطبيقات مجانيّة، بعد أن أبدت شركة مايكروسوفت استعدادها إلى تقديم تطبيقها Microsoft teams مجاناً للمُعلّمين والتلامذة في لبنان، حيث أرسلت وحدة المعلوماتية في وزارة التربية إلى المدارس والثانويات والمعاهد الرسمية حسابات مجانية لاستعمال هذا التطبيق[2] .

وفي حين لم يوضع هذا المسار قيد التنفيذ بعد، ظهرت بعض الإعتراضات، خصوصاً أنّ البنية التحتية اللبنانية غير مؤهلّة فعلياً، فلا توجد شبكة انترنت في كل المنازل، وإذا وجدت فإن جودتها (السرعة تحديداً) لا تسمح بفتح دروس مباشرة وجماعية في بيوت يتراوح عدد أفرادها بين ثلاثة وستّة بالاضافة إلى انقطاع الكهرباء المتكرر وعدم إلمام بعض الأهالي وبعض تلامذة المدارس في المناطق النائية والفقيرة، في كيفية استخدام الوسائل التكنولوجية.

لهذه الأسباب وغيرها، هدف المسار الثالث إلى إشراك كل من لا تسمح لهم الظروف باعتماد المسارين السابقين (التلفزيون وتطبيق مايكروسوفت) وذلك من أجل التّواصل معهم عبر الوسائل التقليدية، أي من خلال إيصال نسخة من المحتوى التعليمي ورقياً، عبر مديري المدارس والثانويات والمعاهد والعمل على إرسال الدروس والفروض إلى الطلبة وإعادة إرسالها إليهم بعد تصحيحها.

وفي خضم المحاولات الرسمية لمساعدة الطلاب على تخطي الأزمة الراهنة، قررت وزارة الإتصالات إدراج المواقع الالكترونية التعليمية على قائمة بيضاء، بحيث لا تُدفع كلفة السعات المستهلكة من ضمن باقات مشتركي الخلوي وأوجيرو، بالاضافة إلى باقة الكترونية مجانية بقيمة  500 ميغا بايت وصلت إلى العديد من الطلاب.

هوة بين المدارس

 تلعب الفوارق المادية بين أقساط المدارس الخاصّة دوراً مهما في إعتماد أساليب التعليم، خاصة في غياب أية خطة ملزمة للقطاع الخاص، وهو واقع، جعل المدرسة زينة حرب (معهد خاص) تؤكد أن كل مدرسة “تعمل حسب امكانياتها”، في السياق نفسه، تعترض ملاك حمود على واقع الفوضى، مؤكدّة أن المؤسف هو أن إستراتيجية بعض المدارس الخاصة “تقوم على إلزام الأهل بدفع الأقساط، لا التعليم عن بعد ولا عن قرب”!.

في المقابل، سارعت “الليسيه الفرنسية” منذ بداية أزمة كورونا إلى تفعيل المنصّة الإلكترونية التي كانت قد باشرت العمل بها منذ ثلاث سنوات سعياً إلى تطوير مناهجها التعليمية، ما سمح لها باستغلال كل ميزات هذه المنصة التي تسمح بالتواصل والتفاعل المباشر بين الأستاذ والطالب، حيث توجد صفوف افتراضية يدخل إليها الطلاب حسب موادهم، ويتلقون دروسهم يومياَ وينجزون واجباتهم المنزلية حتى يصحّحها لهم أساتذتهم. هذا ما تؤكده مي جابر، المسؤولة الإدارية عن التعليم عن بعد، وتشير إلى أنه يمكن تقييم الطلاب بشكل دقيق ووضع علاماتهم كما لو كانوا في الصفوف “لأنّنا نستطيع متابعة عمل كل طالب ومعرفة الوقت الذي يقضيه في كل حصة ومادة”.

الجامعات الخاصة

على صعيد الجامعات الخاصة، كان التعليم الرقمي مناسبة لإبراز الاقتدار والإحاطة بتقنيات التعليم الحديثة، ما يعدّ ميزة إضافية لجذب الطلاب، ففي الجامعة الأميركية في بيروت، التي تضم طلاباً من 96 جنسية، تبين أن عدداً كبيراً من هؤلاء عادوا إلى بلدانهم، وتوزع اللبنانيون منهم على مناطقهم، ولذلك، تقرر إعتماد توقيت للتعليم عن بعد يتناسب وأوقات هؤلاء المنتشرين في أنحاء كثيرة في لبنان والعالم. مثلا، أحد طلاب العلوم السياسية، يقول إنهم يستخدمون تقنية zoom التي توافر التواصل المباشر بين الأستاذ والطلاب وفي ما بين الطلاب أنفسهم.

إقرأ على موقع 180  إقّرأوا عدوّكم.. إنه لا يحترم المذبوحين!

وينقسم رأي الطلاب في الجامعة الأميركية في بيروت حول فعالية هذا التعليم. هناك شكوى من الإفتقاد للتفاعل البشري، فضلا عن الشكوى من إفتقاد الطلاب للحياة الجامعية الإجتماعية لا الأكاديمية فحسب، علما أن مناخ الجامعة “يشكل عادة عنصر تحفيز لبذل مجهود في الدراسة” على حد تعبير سليم الأسمر، خصوصا لأصحاب الإختصاصات العلمية من طب ومختبرات، وهؤلاء يتوزعون فئتين، أولى كان نصيبها مثل باقي الإختصاصات (السنوات الأولى)، أي التعليم عن بعد؛ وفئة ثانية (السنوات المتقدمة) ممن يستفيدون من تجربة كورونا حيث يداومون كغيرهم من الأطباء في مستشفى الجامعة الأميركية، ضمن فترة تدريبية، وهذا الواقع ينطبق نسبياً على معظم كليات الطب والتمريض في جامعات التعليم العالي الخاص في لبنان.

ويقول الدكتور جلال جمعة نائب رئيس جامعة المعارف إنّ العديد من الإختصاصات في الجامعة تستخدم الوسائل الرقمية، “وهذا ما أتاح لنا مع بدء تعليق الدروس في لبنان المباشرة بالتعليم الإلكتروني لأن الكادر التعليمي محضّر لهذا النوع من التعليم وقادر على إعداد المادة المناسبة، لكنّ الخصوصية في جامعتنا هي توحيد الأساليب ضمن منصّة واحدة مناسبة لجميع الإختصاصات فلا يشعر الطالب بصعوبة، كما تم تخصيص خط ساخن في مديرية التكنولوجيا للإجابة على أي استفسار أو سؤال، فضلاً عن اجراء مسح داخلي للإمكانات المادية المتاحة لطلابنا للانخراط في العملية التعليمية الحالية”.

تنتظر أستاذة التاريخ في الجامعة اليسوعية الدكتورة يارا خوري وضوح الرؤية أكثر، لكنها تقول:”لا يمكن للدرس أن يكون وجبة جاهزة تقدم للطالب، بناء على تجربة طويلة في التعليم، التفاعل المباشر بين الطالب والأستاذ هو الوسيلة الأهم للفهم والإكتساب، حالياً أكلف طلابي ببعض المشاريع المهمة بانتظار القرارات العامة على صعيد الجامعة”.

وبرغم لجوء العديد من الجامعات الخاصة للتعليم عن بعد باستخدام وسائل وبرامج متطورة، يواجه الطلاب صعوبات في بلداتهم النائية في البقاع وعكار والجنوب. في هذا السياق، يشير حسن جفّال، طالب الماجيستير في إدارة الأعمال في جامعة LAU ، إلى عدم وجود تفاعل في المحاضرات عن بعد، إذ لا يمكن للطلاّب طرح استفساراتهم، خاصة في ظل خدمة الانترنت السيئة، وهذا يدفعنا لأخذ المعلومات إما من الأستاذ مباشرة أو عبر القيام بجهد شخصي بحثي عبر الإنترنت.

ويقول أحد أساتذة كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية إن التعليم عن بعد كان مطروحاً عالمياً قبل أزمة كورونا، وهناك دول صارت تعتمد عليه بشكل كبير (الصين والهند والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان)، وله فوائد جمة، ومنها سهولة وصول المحتوى التعليمي للطلاب، شرط توافر خدمة الإنترنت الجيدة؛ يمكن للطالب أن يشاهد عبر اليوتيوب أو الإنترنت ومواقع التواصل المحاضرة أكثر من مرة بينما لا يستطيع أن يسمعها في الصف إلا مرة واحدة؛ خفض الكلفة المادية بسب عامل التوفير المتبادل (الجامعة والطلاب)؛ المردود البيئي الهام للتعليم عن بعد.

الامتحانات على المحكّ

ومع هذا الإرباك في تطبيق التعليم عن بعد، يطالب البعض من الأهالي بإلغاء الامتحانات لهذا العام، “وخصوصاً أن بعض الدول العربية قررّت إلغاءها بشكل كامل، وآخرها كانت مصر”، على حد تعبير سامر السيد، فيما يقول محمد لاوند “لا يعرف ابني ماذا يفعل؟ ضياع الأهل والطلاب والمدرسة سيؤدي إلى خسارة العام الدراسي، لا يمكن أن يكون أولادنا قيد التجارب المستمرة”.

وبناء عليه، تقول مديرة الإدارة المشتركة في وزارة التربية سلام يونس:”حتى الآن لا يمكن تطمين الأهالي في ما يخص الامتحانات الرسمية ولكنّ ما يحصل هو حافز لإعادة النظر بنمط التعليم في لبنان وخصوصاً أن خطة المناهج الجديدة كانت قد انطلقت قبل أزمة كورونا”. وتقول رشا وهي معلمة رياضيات للصفوف الثانوية “نحن أمام خيارين: إما الاستسلام أو النهوض، وحتماً لن نستسلم”.

بالإضافة إلى العديد من النقاشات حول شرعية التعليم عن بعد في لبنان باعتباره يخالف قانون التعليم العالي رقم 285/2014، الذي لا يعترف ولا يقبل معادلة شهادات التعلم بالمراسلة، أعلنت وزارة التربية في لبنان أنّ خيارات التعليم عن بعد من ضمن الخطة الطارئة “هي خيارات استثنائية ومؤقتة ولا تهدف إلى تغيير نظام التعليم الرسمي في لبنان”.

لا أحد يعرف كم ستستمر أزمة كورونا، وما مدى الخسائر التي ستسببها لكنّها يجب أن تدفع المعنيين للاستفادة من التجارب الناجحة في عملية التعليم عن بعد والاطلاع على التجارب الدولية المُطبقة وسنّ قوانين وتشريعات تحمي وتنظّم هذا النوع من التعليم بالإضافة إلى تفعيل جهود الكوادر التقنية التي كانت شبه مغيّبة.. والأهم توفير البنى التحتية اللازمة، ولا سيما سرعة الإنترنت.

 [1] مقال بعنوان :” الدول العربية تلجأ إلى التعليم عن بعد لمواجهة تداعيات فيروس كورونا”  https://technologyreview.ae

[2] https://www.mehe.gov.lb/ar/Activities/News/Details?ItemId=1978

Print Friendly, PDF & Email
مايا ياغي

صحافية لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "عامل" في العرقوب.. حتى يصمد الناس في أرضهم