أوميكرون إنتشار أسرع.. مخاوف أقل ولكن

بات أوميكرون ـ متحور فيروس كورونا الجديد الذي أعلن عن إكتشافه منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في جنوب أفريقيا، ينتشر بسرعة في العالم ويثير الكثير من القلق والتداعيات والأسئلة.

تبدو الصورة لبنانياً مشابهة لما شهدناه في مطلع العام 2021. نحن أمام أرقام قياسية في الإصابات بفيروس كورونا ومتحوره الجديد أوميكرون. ثمة تقديرات بأرقام قياسية لبنانية يومياً، بعدما قفز الرقم عالمياً إلى مليون إصابة يومياً طوال الأسبوع الأخير من شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، فيما توقع معهد قياسات الصحة العامة في جامعة واشنطن في آخر دراسة له وصول عدد المصابين إلى ثلاثة مليارات إصابة مع نهاية الفصل الأول من السنة الجديدة، على أن يشهد العالم ذروة تفشي المرض في منتصف شهر حزيران/يناير 2022 مع أكثر من 35 مليون إصابة عالمية يومياً.

في لبنان، أعطت الحكومة اللبنانية تبريرات من نوع أنه لا يجوز إقفال البلد في الأعياد. الحقيقة أنها بحاجة إلى دولارات طازجة (فريش)، خاصة وأن عدد الوافدين في شهر الأعياد الأخير إقترب من رقم الربع مليون زائر، وهو رقم قياسي، في ضوء الجائحة من جهة وما يعاني لبنان من إنهيار إقتصادي ومالي وتوترات سياسية من جهة ثانية.

ولو دققنا ندر أن نجد بيتاً لبنانياً لم تقترب منه الجائحة بنسختها الأخيرة (أوميكرون)، لكن بفارق أن العوارض مختلفة من جهة والمخاطر باتت أقل من جهة ثانية، وهذا الأمر له علاقة بطبيعة المتحور ونسبة المناعة المجتمعية التي تحققت سواء بفضل تناول اللقاحات أو الإصابات، ولكن برغم هذا وذاك، لا بد من إعادة توجيه النصيحة إلى الجميع بوجوب أخذ اللقاحات (لا سيما مَنْ لم يأخذ أي جرعة حتى الآن)، وعدم التهاون في إجراءات الوقاية التي صارت معروفة وخاصة إرتداء الكمامات.

وحسب الأرقام الرسمية، تبلغ نسبة الملقحين حوالي الأربعين بالمائة فقط من اللبنانيين ونسبة غير محددة من النازحين السوريين، وقد بلغت نسبة إشغال الأسرة المخصصة لمرضى كورونا ثمانين بالمائة، عشية عيدي الميلاد ورأس السنة ومن المؤسف أن المجلس الأعلى للدفاع مدّد التعبئة ولم يلحظ تخصيص المستشفيات الحكومية باعتمادات إضافية وإعطاء سلف للمستشفيات الخاصة وذلك لمواجهة إحتمالات إنتشار جائحة أوميكرون.

ومن المؤكد وجود آلاف الحالات المصابة بالمتحور الجديد في لبنان (تجاوزت الخمسة آلاف)، لكن معظمها لا يتعدى الأعراض الخفيفة خاصة للأشخاص المُلقحين، غير أن ذلك لا يمنع من التعبير عن خشية من إزدياد المعاناة في الأسابيع القليلة المقبلة مع تراجع مستوى الخدمات الطبية وأداء المستشفيات وهجرة الكادر الطبي والتمريضي وغلاء الاسعار وفقدان بعض الادوية والمستلزمات.

اكثرية حالات الاستشفاء والوفيات هي لدى الاشخاص غير الملقحين والتي قد تصل إلى حوالي التسعين بالمائة من مجموع الحالات المصنفة خطرة، وهذا المؤشر الهام استرعى اهتمام معظم دول العالم التي سارعت الى التشديد على رفع معدلات التلقيح واعطاء الجرعة الثالثة المعززة وفرض قيود بينها التضييق على الاشخاص غير الملقحين

ماذا يُميز أوميكرون؟

إختارت منظمة الصحة العالمية رمزاً علمياً للمتحور الجديد هو B1.1.529  وأطلقت عليه تسمية أوميكرون، والملاحظ فيه أنه اكبر من التغييرات السابقة، فهناك حوالي الخمسين طفرة جديدة، منها حوالي الثلاثين على البروتين الشوكي المحيط بالفيروس وهو ما يعطيه شكله المميز، ويستعين الفيروس بهذا الجزء لكي يتسلل ويلتصق وينفذ الى الخلايا البشرية حيث يستوطن وينسخ نفسه ويتكاثر.

لذا، فإن معظم اللقاحات مصنوعة بطريقة تستهدف هذا البروتين الشوكي المميز وتحفِز الجسم على انتاج اجسام مناعية مضادة له.

ولدى مقارنته بمتحور دلتا (أنظر الجدول أدناه بي بي سي)، يعتقد باحثو معهد قياسات الصحة العامة في جامعة واشنطن نفسه أنه سيكون هناك عدد أقل من حالات دخول المستشفى والوفيات بشكل عام، ولكن إحتمال غرق المستشفيات والمراكز الطبية بالحالات ما يزال قائماً خاصة إذا إنتشر الفيروس بسرعة هائلة تتجاوز قدرة الطواقم الطبية والتمريضية على الإستيعاب.

هل ستوفر اللقاحات والمتحور الجديد حماية هامة ضد السلالات الأخرى من الفيروس في الأشهر المقبلة؟

بعد أن تتعرض نسبة كبيرة من السكان لمتحور أوميكرون، سوف تتحسن مناعة البشرية ضد المرض، وهذا سيساعدنا في محاربة السلالات الأخرى من دون ارتفاع في عدد الوفيات.

هذا السيناريو يفترض أن المتحور الجديد أقل خطراً مما سبقه ولكن ماذا يضمن ألا يأتي متحور جديد أكثر شراسة وفتكاً؟

يُحيلنا هذا الأمر إلى فاعلية اللقاحات التي تبين أنها إنخفضت إلى 40% لا سيما عند الذين تلقوا جرعتين، ولذلك فإن معظم المراكز العلمية وشركات اللقاحات تبنت اضافة جرعة ثالثة محصنة ترفع فاعلية اللقاح الى 80%، وهذا ينطبق أيضا على الذين سبق وأن أصيبوا بالجائحة فكان أن أنتجت أجسامهم أجساماً مضادة ضد العدوى القديمة فتصبح اضعف أمام المتحور الجديد، وهذا ما يفسر أن كثيرين ممن أصيبوا سابقاً تكررت إصابتهم مع أوميكرون.

إقرأ على موقع 180  لا حماسة أميركية وسعودية للحريري.. والبديل بيروتي!

اوميكرون لديه قدرة اكبر على النفاذ عبر المسالك التنفسية والشعب الهوائية بحوالي ستين الى سبعين ضعفاً من سابقاته، مما يوفر فرصة مرتفعة للعدوى من خلال السعال والعطس وسيلان الأنف، لكنه أبطأ بسبعة اضعاف على النفاذ إلى الرئتين، أي أنه يسبب مضاعفات صدرية اقل.

الاعراض المرضية الجديدة التي ترافق اوميكرون تشبه نزلات البرد (سيلان الأنف والإحتقان والعطس) وبقية العوارض التقليدية للفيروس مثل التهاب الحلق والسعال والحرارة والتعب والألم وفقدان التذوق والشم، كما لوحظت اعراض جديدة مثل التعرق الليلي وانخفاض الشهية والطفح الجلدي.

وتشير إحصاءات ودراسات إلى ان المتحور أوميكرون، يسبب حالات مرضية تتراوح بين خفيفة ومتوسطة وأن الحاجة الى دخول العناية المركزة وإستخدام التنفس الصناعي، تُسجل تراجعاً نسبياً مع المتحور الجديد، ويسجل ايضاً ان اكثرية حالات الاستشفاء والوفيات هي لدى الاشخاص غير الملقحين والتي قد تصل إلى حوالي التسعين بالمائة من مجموع الحالات المصنفة خطرة، وهذا المؤشر الهام استرعى اهتمام معظم دول العالم التي سارعت الى التشديد على رفع معدلات التلقيح واعطاء الجرعة الثالثة المعززة وفرض قيود بينها التضييق على الاشخاص غير الملقحين.

ينبغي التعامل مع فيروس كورونا على قاعدة أنه سيستمر مقيماً بيننا حتى إشعار آخر

فيروس مقيم بيننا

ولعل خطورة المتحور الجديد تكمن في قدرته العالية على التسبب بالعدوى والانتشار السريع وفي قدرته على الهرب المناعي لدى الاشخاص الملقحين أو المصابين سابقاً وأيضاً السرعة الكبيرة في اختراق المجاري التنفسية، وهذا يعني أن اكثرية أفراد المجتمع عرضة للإصابة بالمرض الجديد وبالتالي نحن أمام خطر انتشار جائحة عالمية جديدة يزيد من صعوبتها ان أكثر البلدان تمر في ظروف اقتصادية صعبة وتتفادى الاقفال التام وإن لجأت إليه جزئياً (كندا) أو كلياً (هولندا) إلخ..

وبعكس البلدان الغنية التي لقّحت مواطنيها بعد إكتشاف اللقاحات فحقّقت أكبر نسبة مناعة مجتمعية، فإن الدول الفقيرة والعالمثالثية ما زالت تعاني من وجود أغلبية غير ملقحة، ما يؤدي إلى إصابات كثيرة ووفيات أكثر.

ولو أخذنا مثلاً المتحور السابق دلتا الذي بدأ في الهند (نسبة التلقيح كانت في الهند حينذاك 5%، مع ان الشركات العالمية كانت تصنع اللقاحات هناك) فقد تبين أنه انتشر بسرعة في كل مكان ليصبح المتحور دلتا هو السائد عالمياً بنسبة 95% من الاصابات قبل ظهور اوميكرون، وهذه السياسة الصحية العنصرية وحرمان البلدان الفقيرة من اللقاحات لا تسهم ايجابا في مكافحة المرض.

لا بد من الوقاية والتلقيح واعتماد الارشادات والتوصيات الصحية مثل النظافة وغسل الايدي ووضع الكمامات والتباعد الاجتماعي والابتعاد عن التجمعات، صغيرة كانت أم كبيرة، واللجوء الى اجراء الفحص في حال ظهور أعراض والتزام الحجر وينطبق ذلك على الأشخاص المخالطين.

ينبغي التعامل مع فيروس كورونا على قاعدة أنه سيستمر مقيماً بيننا حتى إشعار آخر.

Print Friendly, PDF & Email
حسن أيوب

طبيب، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  الحريري يستشعر "إنقلاباً" وجنبلاط "يتموضع".. والدولار "يُهادِن"!