

لماذا شهر أيلول/سبتمبر؟ ولماذا سيتجدد العدوان؟ وهل فعلاً تريد إسرائيل شنّ هجومٍ جديدٍ علی إيران بعد عدوان يونيو/حزيران الماضي على مدى 12 يوماً، وما هي أهداف هذا العدوان إن حصل؟
هذه الأسئلة وغيرها نجدها في أعمدة الصحف ووسائل الاعلام سواء في إيران أو خارجها، خصوصاً بعد أن نشر الجيش الإسرائيلي خارطة بأسماء القيادات العسكرية الإيرانية التي يريد استهدافها، كما إبّان عدوانه علی إيران في حزيران/يونيو الماضي، فيما كان نتنياهو يُكرّر دعوته إلى الإيرانيين للخروج إلى الشوارع واسقاط النظام واعداً إياهم بتقنية تدوير المياه لتبديد عطشهم وجعل إيران جنة الله الموعودة!
لسنا في وارد تقييم رجل مثل نتنياهو المشهور بكذبه ودجلّه.. والعالم بأسره شاهدٌ على الإرهاب الذي مارسه ويُمارسه في قطاع غزة حيث كان سخياً بقنابله وصواريخه التي أهداها للأطفال والنساء والآمنين من أهل غزة، ناهيك عن حرمانهم من الماء والغذاء والدواء، ليُسجل التاريخ أزمة مجاعة غير مسبوقة منذ عقود من الزمن.
يتناسى الرجل أن حربه الأخيرة وحدّت الشعب الإيراني بأطيافه السياسية والقومية والمناطقية والدينية حول قيادته ولا سيما المؤسسة العسكرية التي وجّهت أقسی الضربات الصاروخية ضد الكيان العبري، وبالتالي فشل في اقناع الشعب الإيراني بالثورة علی نظامه السياسي، برغم تداعيات المقاطعة والحظر الاقتصادي والحرب الناعمة. ولا يختلف إيراني مع آخر، وبينهم فئة من غير المنسجمين مع النظام السياسي الذي يحكم بلدهم، في أن إسرائيل دولة معتدية ونتنياهو يُمثّل الوجه الكريه لهذا الكيان المعتدي..
أيُّ هجوم إسرائيلي علی إيران لن يستهدفها فحسب وإنما هو استعراض سياسي وعسكري وأمني يُراد من خلاله تأديب الشعوب والأنظمة في المنطقة بأسرها، كما فعل دونالد ترامب عندما أرسل طائرات B2 الأميركية لتنطلق من الأراضي الأميركية وتخترق القارات والمحيطات لتضرب مواقع محددة في إيران وترجع عائدة إلی قواعدها في استعراض للقوة كان مُوجّهاً لكل دول العالم وخصوصاً نحو المجال الحيوي الروسي والصيني القريب من موقع الحدث
واللافت للانتباه أن مخيلة نتنياهو لم تسعفه في “تقدير الموقف” بشكل مختلف، عندما وضع خطة لاسقاط النظام السياسي وتهيئة رضا بهلوي للجلوس علی عرش أبيه المخلوع بعد أن تم استهداف القيادة الإيرانية وبينها عدد كبير من القادة العسكريين.
وثمة استنتاج لا يخفى على أحد وخصوصاً من عاش أيام الحرب على طهران وباقي المدن الإيرانية، ومفاده أن عدوان حزيران/يونيو الإسرائيلي الأميركي علی إيران كان كفيلاً بكشف الكثير من الاختراقات وتنبيه مصادر القرار، وتكوين تصور جدي بشأن كيفية التعامل مع حقيقة المخاطر التي تواجه إيران ونظامها السياسي والعسكري والأمني.
لست من المعتقدين أن ما حدث في يونيو/حزيران الماضي هو حدثٌ بسيطٌ وسهلٌ بل على العكس من ذلك، نحن أمام حدث شكل خطراً جدياً علی إيران في ظل سياسة الضغوط القصوى التي تمارسها الولايات المتحدة لمحاصرتها تمهيداً لإركاعها وجعلها تقبل بالشروط الأميركية والإسرائيلية، لكن من الصعب التكهن بمآلات المستقبل وآلية مواجهة المخاطر التي يُمكن أن تتعرض لها إيران. فهذه الدولة لا ترضخ بسهولة، كما انها لن تقتنع ببساطة، ولا تتخلی عن طاولة المفاوضات حتی وان دامت سنوات ما لم تحصل علی ما تريد أو ما يمكن الحصول عليه. وعندما ارتفعت أصوات المعارضين الإيرانيين الرافضين لـ”الاتفاق النووي” عام 2015 قال لهم مهندس الاتفاق وزير الخارجية محمد جواد ظريف “صحيح أنني لم أستطع التوصل إلی اتفاق نموذجي لكنني حقّقت ما يُمكن تحقيقه وقد لا يكون بمستوی طموح الإيرانيين”.
في هذا الإطار، يُلوّح نتنياهو بالهجوم علی إيران في أيلول/سبتمبر المقبل لأن الدول الأوروبية تريد تقديم طلب لمجلس الأمن الدولي لتفعيل آلية “سناب باك” مع نهاية شهر آب/أغسطس الجاري إذا لم ترضخ إيران وتتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أي أن تعود عن قرار تجميد تعاونها مع الوكالة بسبب موقف مدير عام الوكالة المذكورة من الهجوم علی المنشآت النووية الإيرانية.
ويتكىء نتنياهو على التسريبات القائلة بأن كمية اليورانيوم المخصبة بنسبة 60% لم تُدمّر، ومثل هذه الذريعة يريد جعلها مبرراً لشن عدوان جديد، إلا إذا كانت قيادته العسكرية قد أخذت العبر والدروس من الخسائر التي منيت بها إسرائيل جرّاء الصورايخ الإيرانية التي استهدفت نقاطاً محددة في العمق الإسرائيلي.
ويسود اعتقاد أن نتنياهو إنما يهدف من خلال عدوانه الجديد – إن صحت التوقعات بحدوثه – إصابة أهداف لا ترتبط بإيران فحسب وإنما تتعدی ذلك لأهداف أخری: أولاً؛ يُريد أن يبتز الموقف الأميركي لاقحامه في حرب مباشرة مع إيران، وهذا الهدف لطالما كان نتنياهو يتمناه منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 لكنه فشل بسبب السياسة التي اتبعتها طهران، لكن هذه المرة يُراهن نتنياهو على الحكومة الأميركية المتشددة بقيادة دونالد ترامب.
ثانياً؛ هو يتطلع إلی إعادة صياغة الشرق الأوسط، حسب ما تراه إسرائيل وخصوصا بعد تلويحه بـ”إسرائيل الكبری”، وقد قال سابقاً إنه يريد صياغة “الشرق الأوسط الجديد” استناداً للطموحات الإسرائيلية وللبرنامج الأميركي الذي يدعمه بهذا الشأن.
في الخلاصة، أيُّ هجوم إسرائيلي علی إيران لن يستهدفها فحسب وإنما هو استعراض سياسي وعسكري وأمني يُراد من خلاله تأديب الشعوب والأنظمة في المنطقة بأسرها، كما فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما أرسل طائرات B2 الأميركية لتنطلق من الأراضي الأميركية وتخترق القارات والمحيطات لتضرب مواقع محددة في إيران وترجع عائدة إلی قواعدها في استعراض للقوة كان مُوجّهاً لكل دول العالم وخصوصاً نحو المجال الحيوي الروسي والصيني القريب من موقع الحدث.
هل تكبح قمة آلاسكا الأميركية الروسية جماح نتنياهو المتعطش للحرب؟
ربما لأن قرار الحرب مع إيران بيد ترامب.
(*) يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الصباح” العراقية