

في البداية لا بد من الإشارة إلى أن تغيير موعد المفاوضات من يوم الأربعاء الماضي إلى السبت، ومشاركة عراقجي وويتكوف بشكل مباشر، يعكس حساسية هذه الجولة من المحادثات النووية، ولا يُعتبر على الإطلاق مؤشراً على تعثر المفاوضات أو أنها مهددة منذ الآن بالفشل، علماً أن التغريدات الأخيرة لعباس عراقجي، عشية هذه الجولة، أثارت الكثير من علامات الاستفهام.
ماذا قال عراقجي؟
– إنّ محاولاتِ الكيانِ الصهيوني وبعضِ الجهاتِ ذاتِ المصالحِ الخاصةِ لتحريفِ مسارِ الدبلوماسيةِ ـ باستخدامِ شتّى الأساليبِ والتكتيكاتِ ـ أصبحتْ واضحةً تماماً للجميع.
– قواتُنا الأمنية والاستخباراتية، وبالنظرِ إلى السوابقِ السابقةِ، في حالةِ تأهّبٍ تامّةٍ لمواجهةِ أيّ أعمالِ تخريبٍ أو اغتيالٍ قد تُصمَّمُ لدفعِنا نحوَ ردٍّ مشروعٍ.
– من المتوقعِ أيضاً أنْ يُقدِمَ أولئك الذين دأبوا على تضليلِ الرأيِ العامِ، على إطلاقِ مزاعمَ وهميةٍ جديدةٍ، مدعومةً بصورٍ فضائيةٍ مُخيفة.
– حقيقةٌ واحدةٌ: كلُّ مليغرام من اليورانيومِ المُخصَّبِ في إيرانَ خاضعٌ للرقابةِ الكاملةِ والمستمرةِ من قبلِ الوكالةِ الدوليةِ للطاقةِ الذرّية.
وحسب مصادر معنية، فإن تغريدة عراقجي نُشرتْ استناداً إلى مجموعةٍ من المعلوماتِ التي حصلتْ عليها الأجهزةُ الأمنيةُ والاستخباراتيةُ الإيرانية وتتقاطع عند التحذير من وقوعِ أحداثٍ داخلية، في خضمّ المفاوضاتِ بين إيران والولايات المتحدة
وتضيف المصادر أن هذه التغريدة تسعى إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد:
أولاً؛ إعلانِ الجهوزيةِ الأمنيةِ والاستخباراتيةِ في إيران، تحسباً لأي عمل إسرائيلي وبالتالي محاولة خلق ردع استباقي يمنع الاغتيالات والأعمال التخريبية.
ثانياً؛ نقلُ رسالةٍ إلى واشنطن وعواصم المنطقة مفادها أن إسرائيل تحاولُ تعطيلَ المسارِ الدبلوماسيِّ بين إيران والولايات المتحدة.
ثالثاً؛ فضح السرديةِ الإسرائيلية، وبخاصةً حين أشارَ عراقجي إلى استخدامِ صورٍ فضائيةٍ مخيفة في إطارِ مزاعمَ خياليةٍ تهدفُ إلى تضليلِ الرأيِ العام.
رابعاً؛ إبراز حجم التنسيق بينَ الجهازِ الدبلوماسيِّ والأجهزةِ الأمنيةِ في مواجهةِ أيّ عملياتٍ إعلاميةٍ، إرهابيةٍ أو تخريبيةٍ محتملة.
في غضون ذلك، قال مصدران إخباريان مستقلان وموثوقان، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، إن المفاوضات الفنية أكثر تعقيداً وأهمية من أصل المفاوضات ذاتها، وبالتالي فإن هذا التأخير (من الأربعاء إلى السبت) “يُعدّ أمراً طبيعياً ولا يُعتبر دليلاً على وجود عراقيل في المفاوضات الأساسية، لا سيّما وأن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أعلن أن المفاوضات الفنية التي كان من المقرّر عقدها يوم الأربعاء ستُعقد بالتزامن مع محادثات عراقجي وويتكوف في مسقط”.
وتؤكّد التصريحات الأخيرة لعراقجي هذه المعلومات، وتضع الولايات المتحدة أمام خيارات سيكون من الصعب عليها تجاوزها أو تجاهلها؛ فقد قال مساعد وزير الخارجية: «كما أوضحت مؤخراً في صحيفة “واشنطن بوست”، فإن الفرصة الاقتصادية البالغة تريليون دولار التي تقدمها بلادنا يُمكن أن تكون متاحة أمام الشركات الأمريكية». وفي السياق نفسه، يُشجّع عراقجي الولايات المتحدة على الاستثمار في الصناعة النووية السلمية الإيرانية، ويكتب: «البرنامج طويل الأمد» لإيران «يتضمن بناء ما لا يقل عن 19 مفاعلاً نووياً»، وبهذا البرنامج «تُتاح عقود محتملة بعشرات المليارات من الدولارات. فالسوق الإيرانية وحدها كبيرة بما يكفي لإحياء الصناعة النووية الأمريكية التي تعاني من الركود».
ويُعدّ طرح فكرة الاستثمار الأمريكي بتريليون دولار في إيران بمثابة تأكيد لخبر لم يتحدث عنه كثيرون في السابق. وبحسب هذا الخبر، فإن وفداً إيرانياً برئاسة شخصية سياسية بارزة تنشط أيضاً في مجال الاقتصاد، توجه قبل نحو شهرين إلى إسطنبول ضمن برنامج مُتفق عليه مسبقاً، والتقى هناك بمسؤولين أمريكيين، حيث طُرحت على الطاولة مقترحات لمشاركة أمريكية في مشاريع كبرى بإيران تبلغ قيمتها تريليون دولار. ومن بين هذه المقترحات، عرض لشراء 250 طائرة ركاب أمريكية من طراز “بوينغ”. هذا اللقاء لعب دوراً مهماً في رسم هيكلية جديدة لمحادثات إيران والولايات المتحدة. وقد جرت لقاءات إسطنبول بموافقة من أعلى المستويات في النظام السياسي الإيراني.
أما محمد قوچاني، رئيس تحرير مجلة “آغاهی نو” وهو أحد أبرز الصحافيين الإصلاحيين، فقد كتب عن مفاوضات إيران وأمريكا قائلاً: «يُشاع في الأوساط السياسية أن ترامب يسعى، قبل انقضاء المئة يوم الأولى من رئاسته، إلى تحقيق اختراق في الاتفاق مع إيران ليُقدم نموذجاً على التزامه بوعوده الانتخابية في السياسة الخارجية. حالياً، يُسجل الملف الإيراني تقدماً أفضل مقارنة بملفي أوكرانيا وفلسطين. بل ربما يمكن الحديث عن “مفاجأة شهر أرديبهشت” (أيار/مايو) أو حتى “مفاجأة الربيع”. ومع ذلك، تؤكد إيران، برغم استعدادها للتوصل إلى اتفاق، على أهمية التزام الولايات المتحدة بتعهداتها».
“المفاجأة” التي أشار إليها محمد قوچاني هي ذاتها التي تحدّث عنها قبل أيام علي نظري، رئيس تحرير موقع “مستقل أونلاين” حيث قال إن عراقجي قدّم تقريراً إلى الحكومة الإيرانية أشار فيه إلى أن احتمال التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة يصل إلى 90% قبل نهاية شهر “أرديبهشت” الإيراني الذي بدأ قبل أربعة أيام”
ويتابع قوچاني قائلاً: “برغم هذه الأجواء الإيجابية، زعمت بعض وسائل الإعلام البريطانية أن تأجيل المفاوضات جاء بطلب من دونالد ترامب، نتيجة صعوبات لوجستية. ووفقاً لتلك التقارير، كان من المقرر أن يصل وفد برئاسة نائبي وزير الخارجية الإيراني، كاظم غريب آبادي ومجيد تخت روانجي، إلى مسقط يوم الأربعاء في 3 أرديبهشت لعقد «اجتماع تشاوري وفني». وقد تم تأجيل هذا الاجتماع إلى يوم السبت في 6 أرديبهشت، ليُعقد بالتزامن مع المفاوضات السياسية بين عباس عراقجي وستيف ويتكوف”.
ويُعتبر موضوع تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية أبرز نقطة خلافية بين الجانبين في جولتي المفاوضات السابقتين. إلا أن الأنباء تُشير إلى أنه قد تم التوصل إلى تفاهم حول هذه المسألة، ما يفسر انخراط الفرق الفنية بسرعة في المفاوضات لمراجعة التفاصيل التقنية. وكانت إيران قد شددت مراراً على أن التخصيب يُعدّ خطاً أحمر، ويبدو أنها وافقت على سقف للتخصيب الصناعي السلمي داخل البلاد بنسبة 3.5 بالمئة. في المقابل، تطالب إيران برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، مقابل هذه الالتزامات. وتكمن أبرز مخاوف طهران في احتمال قيام إسرائيل بالتدخل أو صناعة سيناريوهات جديدة تُفشل مسار المفاوضات.