الاتفاقية الأولی بين إيران والصين مدتها 25 عاماً ومخصص لها 450 مليار دولار؛ الاتفاقية الثانية بين إيران وروسيا مدتها 20 عاماً وهي بمثابة تطوير لاتفاقية كانت تربط البلدين لكن تم تجديدها وتطويرها وتكييفها وفق الظروف التي تحكم العلاقة بين البلدين راهناً.
هاتان الاتفاقيتان تُجسدان إستدارة إستراتيجية إيرانية نحو الشرق دشنها إنضمام طهران رسمياً، في نهاية العام الماضي، إلى منظمة شنغهاي للتعاون؛ بعدما كانت تأمل في مطلع العقد المنصرم بالتعامل مع الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة ووقّعت الإتفاق النووي في العام 2015 على هذا الأساس، لكن الانسحاب الاميركي في العام 2018 من الإتفاق وعدم إلتزام الأوروبيين تنفيذه ومن ثم الصعوبات التي وضعتها إدارة جو بايدن امام إعادة إحياء الاتفاق النووي، منذ سنة حتى الآن، كلها عوامل ساهمت في إنضاج الإستدارة الإستراتيجية نحو الشرق علی حساب الغرب.
إقليميا؛ سبقت زيارة عبد اللهيان زيارة مهمة ايضاً قام بها وزراء خارجية كلٍ من السعودية، الكويت، سلطنة عمان والبحرين اضافة الی امين مجلس التعاون الخليجي إلى بكين من أجل فتح أبواب التعاون الخليجي مع الصين، في تعبير واضح عن استياء القيادة الخليجية من آلية تعاطي الادارة الاميركية مع المطالب الخليجية ولا سيما في ضوء قرار الإنسحاب الأميركي من أفغانستان.
وحسب المعلومات غير الرسمية، فان الصين تريد استثمار 280 مليار دولار في صناعات النفط والغاز، و120 مليار دولار في قطاع النقل؛ وهما المجالان الأكثر حيوية بالنسبة للصين التي تری في إيران نقطة التقاء بينها وبين أوروبا.
بهذا المعنى، تبدو الصين مهتمة بالمفاوضات النووية الدائرة في فيينا وهي تدفع للتوصل إلى إتفاق يجعلها متحررة من اي مشاكل لا تريدها مع الولايات المتحدة لاسباب متعددة، اقتصادية وسياسية وامنية، كما لا تُعرّض شركاتها الكبرى للعقوبات الأميركية مقابل الإستثمار فقط في إيران.
الايرانيون والصينيون يقولون إن الاتفاق الإستراتيجي بينهما غير موجهة ضد أحد، لا في المنطقة ولا خارجها، إنما تهدف إلى التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين؛ لكن الاكيد ان إيران تريدها ممراً لتجاوز قرارات المقاطعة والعقوبات المطبقة عليها
والاتفاقية مع إيران هي جزءٌ لا يتجزأ من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية وهي خطة بٌنّية تحتية تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات وتهدف الصين من خلالها إلى بناء شبكة واسعة من مشروعات البنی التحتية من شرق آسيا الی اوروبا التي تعتبرها حجر الاساس لدورها كقوة عالمية منافسة للولايات المتحدة.
الايرانيون والصينيون يقولون إن الاتفاق الإستراتيجي بينهما غير موجه ضد أحد، لا في المنطقة ولا خارجها، إنما يهدف إلى التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين؛ لكن الاكيد ان إيران تريده ممراً لتجاوز قرارات المقاطعة والعقوبات المطبقة عليها والتي يُردّد المفاوض الاميركي انها ليست بيد الادارة الاميركية انما بيد الكونغرس الأميركي.
في الداخل الايراني هناك صعوبات تقنية أمام تنفيذ هذا الاتفاق تتعلق بتشكيك اوساط واسعة من الفنيين والمهندسيين والكادر الوسطي بالكفاءة الصينية خصوصاً أن إيران اعتمدت خلال القرن الاخير علی العلوم والتقنية الغربية وليس لديها الاطلاع اللازم علی العلوم الشرقية وتحديدا الصينية التي هي ناشئة ولا يتجاوز عمرها الـ30 عاماً؛ لكن الظروف الحالية التي تحيط بإيران، إقليمياً ودولياً تدفعها بهذا الإتجاه.
وليست خطوة تعيين سعيد محمد في منصب رئيس المناطق التجارية والصناعية الحرة في ايران خطوة عادية وانما هي خطوة مدروسة لتنمية هذه المناطق، وفق هندسة جديدة تاخذ بالاعتبار الاستثمارات الصينية في هذه المناطق؛ خصوصاً ان هذا الرجل كان المسؤول عن مقر خاتم الانبياء الهندسي التابع للحرس الثوري والمختص بقضايا البناء والاعمار؛ في الوقت الذي ترغب الصين الاستثمار في ميناء ومنطقة جاسك الحرة الواقعة عند مدخل مضيق هرمز علی المياه الدولية اضافة الی جزيرتي قشم وكيش الواقعتين بالقرب من مدينة بندر عباس.
وحتى الآن لا توجد معلومات دقيقة عن رغبة إيران بإعطاء امتيازات عسكرية للصين على أراضيها، لكن تطورات الاحداث وعلاقات ايران مع محيطها الخارجي ربما تدفع البلدين للتفكير في هذا الاتجاه، وهي خطوة تحتاج إلى الكثير من العوامل لانضاجها. ويبدو أن نتائج المفاوضات النووية التي تجری حالياً في فيينا ربما تشكل “إحدی” هذه العوامل لان تلويح الولايات المتحدة المتكرر بخيارات بديلة في حال فشل هذه المفاوضات ربما يُعجّل بانضاج مثل هذه الظروف وبالتالي تكون النتائج في مصلحة الطرفين.
لننتظر نتائج زيارة الرئيس الإيراني إلى روسيا والخطوات التنفيذية التي ستباشرها حكومته من أجل وضع الإتفاق الإستراتيجي مع الصين موضع التنفيذ.