فريدمان يقرع جرس الذكاء الإصطناعي: العالم سيخرج عن السيطرة!

قال الكاتب الأميركي المخضم توماس فريدمان العائد من الصين في مقالة له في "نيويورك تايمز" إنه من دعاة عقد لقاء قمة بأسرع وقت ممكن بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ. لماذا؟ ليس لمناقشة فضية التعرفة الجمركية وما شابهها بل موضوع الذكاء الإصطناعي الذي وضعه في خانة "الحدث المُزلزل"!

يدور جدل واسع في بكين حول موعد اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ. ويرى البعض أن على الزعيمين تأجيل هذا اللقاء بضعة أشهر؛ على الأقل؛ حتى يقرر ترامب قراره النهائي بشأن الرسوم الجمركية التي يقول إنه سيفرضها على الصين، والأهم حتى يرى كيف سيكون رد الصين على ذلك.

إذا ما أردت فقط التعقيب، وتوجيه الكلام مباشرة للرئيسين (الأميركي والصيني) لقلت لهما إن عليهما أن يلتقيا وجهاً لوجه اليوم قبل الغد، ليس لمناقشة الرسوم الجمركية وما شابهها، بل للاهتمام بقضية أهم بكثير.

هناك حدثٌ مُزلزلٌ نعيشه. إنه ولادة “الذكاء العام الإصطناعي”، بالإنكليزية Artificial general intelligence (AGI) (*) والولايات المتحدة والصين هما القوتان العظمتان اللتان تُوشكان على بلوغ هذا النوع من أنظمة الذكاء الإصطناعي، وستكونان عمّا قريب قادرتين على بناء أنظمةٌ بذكاء أذكى إنسان على كوكب الأرض، وربما أكثر ذكاءً أيضاً. وهذه الأنظمة ستكون قادرة على التعلم والتصرف باستقلالية. ومهما كان ما يعتقده ترامب وجين بينغ اليوم، فإن التاريخ سيحكم عليهما بناءً على النتائج التي ستتولد من أنظمة (AGI) هذه. وأنا أؤكد للرئيسين أنه إذا تعاونا من أجل إنشاء بُنية عالمية للثقة والحوكمة على أجهزة الكمبيوتر فائقة الذكاء الناشئة، فستحصل البشرية على أفضل ما لديهما، وتخفف من مساوئهما وتضعهما في القمة.

أعلم أن كثيرين سيعتبرون هذا هدراً للوقت في ظل كل الاضطرابات التي أطلقتها إدارة ترامب، لكن هذا لن يثنيني عن توضيح هذه النقطة بأعلى صوت ممكن. فكما كانت مسألة الحدّ من الأسلحة النووية إبان الحرب الباردة ركيزةً لاستقرار العالم منذ سبعينيات القرن الماضي، فإن ركيزة استقرار عالم الغد أساسها تحقيق التعاون الأميركي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي لضمان السيطرة الفعَّالة على أنظمة الذكاء العام الإصطناعي (AGI)، سريعة التطور هذه.

العالم يكاد يُصبح روبوتات!

تُقدّم أنظمة الذكاء الإصطناعي، والروبوتات الشبيهة بالبشر، فوائد جمّة للبشرية، لكنها أيضاً قد تكون مُدمّرة ومُزعزعة للاستقرار بشكل كبير إذا لم تُدمج مع القيم والضوابط الصحيحة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نخطط بشكل دقيق جداً لكيف نريد أن يكون العصر الجديد، وما سيفعله البشر مقابل الحصول على عمل، وكيف نحفاظ على كرامتهم المُستمدّة من العمل عندما تُصبح الآلة قادرةً على أن تنوب عنهم وتنفذ مهام كثيرة وبطريقة أفضل مما يفعل البشر. إنّ احتمال أن يفقد ملايين البشر وظائفهم وكرامتهم معاً وفي آنٍ واحد هو الوصفة المثالية للفوضى المطلقة.

خبير اقتصادي صيني مخضرم أوضح لي أن بلاده تُدرك جيداً كل هذه المخاطر. وقال: “اليوم، لا يجد الكثير من الصينيين وظائف. ومع الذكاء الإصطناعي، لا أمل في أن يتمكنوا من إيجاد وظائف. وعلينا أن نتخيل نتائج أن يبقى كل هؤلاء عاطلين عن العمل إلى الأبد؟ ماذا لو أصبح 70% من موظفي الخدمة المدنية روبوتات؟ سيكون ذلك محفوفاً بمخاطر كبيرة لا أحد يعرف عُقباها”.

كما كانت مسألة الحدّ من الأسلحة النووية إبان الحرب الباردة ركيزةً لاستقرار العالم منذ السبعينيات، فإن ركيزة استقرار عالم الغد أساسها تحقيق التعاون الأميركي الصيني في مجال الذكاء الإصطناعي لضمان السيطرة الفعَّالة على أنظمة (AGI)

لا وقت لدينا لنضيعه في التفكير في كيف يمكننا أن نتكيف، ومع ذلك، يمكن أن نكون قصيري النظر عندما يتعلق الأمر بالعلامات والتحذيرات. بعد عقد من الآن، ما الذي سيقوله الصحافيون عن أهم خبر حصل في خريف 2024، وكان ينبغي أن يحظى باهتمام أكبر، بالنظر إلى عواقبه طويلة المدى؟ هل سيقولون إنه كان انتخاب ترامب رئيساً للمرة الثانية؟ أم سيقولون إنه كان القرار الذي اتخذته “أوبر” بتجاوز مشروعها التجريبي في “فينيكس” والبدء في تقديم سيارات “وايمو” الكهربائية وذاتية القيادة عبر تطبيقها لتأجير السيارات في أوستن وأتلانتا، لتحل محل سائقي “أوبر”.

في هذه المرحلة، أنا سأصوّت لصالح استخدام “أوبر” لتطبيق تأجير السيارات ذاتية القيادة.

هل سيقول صحافيو الغد إن أهم خبر في العام 2024 كان انتخاب ترامب رئيساً مرة ثانية؟ أم الخبر الذي أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال“، عن المعركة التي وقعت في كانون الأول/ديسمبر 2024 في غابة ثلجية قرب خاركيف، أوكرانيا، عندما شنَّت القوات الأوكرانية هجوماً برياً وجوياً منسقاً على مخبئ روسي، استخدمت فيه آليات رباعية العجلات – بعضها مُجهز برشاشات أو مُحمّل بالمتفجرات تتحكم بها روبوتات، ومدعومة بمسيَّرات حربية  “على نطاق لم يُشهد من قبل”. كان ذلك الهجوم البرّي والجوّي “فصلًا جديدًا من فصول الحرب حيث أُبعد البشر إلى حد كبير عن خط المواجهة في ساحة المعركة، على الأقل في المراحل الأولى”، بحسب الصحيفة.

أنا سأصوت لخبر الهجوم البرّي والجوّي الأوكراني الذي يعتمد على الروبوتات فقط وليس البشر.

ماذا عن سؤال آخر – شيءٌ يدور في ذهني، بما أنني حضرت مؤتمراً في الصين: هل سيقولون إنها انتخابات ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أم سيقولون أن الخبر الأهم كان حفل رأس السنة القمرية الصينية المتلفز هذا العام، والذي شاهده أكثر من مليار شخص، ضمَّ 16 روبوتاً بشرياً “كانوا يرقصون على المسرح… يديرون مناديلهم الحمراء بانسجام مع راقصين من البشر ويتفوقون عليهم” (بحسب مجلة “إم. آي. تي. ​​تكنولوجي ريفيو”). في العادة، الروبوتات التي كانت ترقص على المسرح لديها عمل يومي، وهو تجميع المركبات الكهربائية. والرقص كان مجرد هواية.

تعكس الأمثلة الثلاثة الإجماع المتزايد الآن على أن “الذكاء العام الإصطناعي”- الكامل- (AGI) قادم بشكل أسرع مما كان يعتقد معظم الناس، بحسب كيفن روز، محرر المواضيع التكنولوجية في صحيفة “نيويورك تايمز”. ويؤكد روز أن “هذا سيكون قريباً جداً، ربما في العام المقبل، أو في العام 2027، وربما في وقت مبكر من هذا العام”.

التعايش مع عالم الذكاء الإصطناعي

إن “الذكاء العام الاصطناعي” (AGI) هو الكأس المقدسة للذكاء الإصطناعي- إنها أنظمة فردية يمكنها إتقان المسائل الحسابية وعلوم الرياضيات والفيزياء والأحياء والكيمياء ووالأدب والشعر، فضلاً عن القيام بمهام أذكى البشر. ويمكنها أيضاً التفكير بشكل منطقي في كل من هذه العلوم، ومعرفة الروابط بينهما والتي لم يتمكن أي عالم بشري من معرفتها على الإطلاق.

إقرأ على موقع 180  الهند أو بلاد "البهارات".. هل تُغيّر إسمها؟

وكما قال لي كريج موندي، كبير مسؤولي الأبحاث والاستراتيجية السابق في شركة مايكروسوفت: “ربما قبل نهاية رئاسة ترامب، لن نكون قد أنجبنا أداة كمبيوتر جديدة فحسب؛ بل سنكون قد أنجبنا نوعاً جديداً ــ الآلة الفائقة الذكاء”.

وأوضح موندي: “نوعنا- نحن البشر- قائم على الكربون. أما هذا النوع الجديد من الروبوتات فقائم على السيليكون. لذلك، علينا أن نبدأ فوراً برسم مسار للتعايش مع هذا النوع الجديد فائق الذكاء، وكيفية التطور معه في نهاية المطاف..لقد عشنا نحن البشر جنباً إلى جنب مع العديد من الأنواع الأخرى على هذا الكوكب لفترات طويلة، لكننا كنَّا دائماً الأذكى. قريباً، سيظهر كائنٌ جديدٌ أكثر ذكاءً منَّا، وسيزداد ذكاءً باستمرار. نحن نعمل على توسيع أعلى مستوى من الذكاء على هذا الكوكب، وأكثر بكثير من ما يمكن لأي بشري تخيله. ثم نبرمجه في أجهزة الكمبيوتر إلى ما يمكن لأجهزة الكمبيوتر أن تبدأ في تعلمه بنفسها، وهو أمر لا حدود له تقريباً، وقد يصبح خارج السيطرة”.

إن التقدم الذي أحرزته الصين في مجال الذكاء الإصطناعي، خلال العام الماضي فقط، أوضح بشكل قاطع أن بكين وواشنطن أصبحتا الآن القوتين العظميين في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم.

وإذا كنت تعتقد خلاف ذلك، فاعلم أن رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، وخلال افتتاحه منتدى التنمية الصيني، الحدث الذي جذبني إلى بكين، أشار، وبفخر، كيف أن نظام الذكاء الإصطناعي (DeepSeek) الذي كشفت عنه الصين مؤخراً “سيطر على الساحة”، مسلطاً الضوء على ما قال إنها “القوة الهائلة للابتكار والإبداع لدى الشعب الصيني”.

علاوة على ذلك، أضاف تشيانغ أن عام 2025 “قد يكون عام الإنتاج الضخم للروبوتات الشبيهة بالبشر في الصين”. وقد وصف تقرير حديث صادر عن مورغان ستانلي هيمنة الصين على صناعة الروبوتات الشبيهة بالبشر. هذه الروبوتات مزودة بالذكاء الإصطناعي، تتحرك وتتحدث كالبشر بشكل مذهل.

وقبل أن تترسخ أنظمة الذكاء الإصطناعي العام هذه وتتوسع، نحتاج إلى أن تُولي القوتين العظميين اهتماماً جدياً لوضع إطار تنظيمي وتكنولوجي يضمن اتفاقاً على منح هذه الأنظمة نوعاً من المنطق الأخلاقي وضوابط استخدام مُدمجة، لمنع استخدامها من قِبل جهات مارقة في أنشطة تُزعزع الاستقرار العالمي أو أن تُصبح هي نفسها خارجة عن القانون. نحتاج إلى نظام حوكمة يضمن أن تعمل أنظمة الذكاء الإصطناعي دائماً وتُراقب نفسها بما يتماشى مع سلامة الإنسان وتطور الآلة.

كان هناك وقتٌ اعتقد فيه الكثيرون أن مشروعاً كهذا لا يمكن أن يقوم به إلا تحالفٌ من الديموقراطيات، ثم يُقدّمونه للعالم. عذراً، لقد فات الأوان. لقد قلّصت الصين الفجوة معنا كثيراً، وتفوّقت على الديموقراطيات الأخرى. لا يمكن تحقيق ذلك بدون بكين. لذا، خمّنوا من سيحضر العشاء؟ إنها مائدةٌ لشخصين الآن. السيد ترامب، والسيد شي، تفضلا بالدخول. التاريخ يُراقبكما.

عشنا جنباً إلى جنب مع العديد من الأنواع الأخرى على هذا الكوكب لفترات طويلة، لكننا كنَّا دائماً الأذكى. قريباً، سيظهر كائنٌ جديدٌ أكثر ذكاءً منَّا، وسيزداد ذكاءً باستمرار، وسيكون مُتجذّراً في كل تفاصيل حياتنا اليومية

ولكن للأسف، فإن خلق الظروف التي تسمح لبكين وواشنطن بالتعاون على نظام موحد للثقة والحوكمة في مجال الذكاء الإصطناعي لن يكون بالأمر السهل بالنسبة لقادة الصين وأميركا.

أشعر أن الصينيين يشبهون الأميركيين إلى حد كبير: ما زالوا يحاولون استيعاب القدرات الجديدة التي ستوفرها أنظمة الذكاء الإصطناعي الجديدة. إنهم ممزقون بين رغبتهم في بذل قُصارى جهدهم لضمان فوز شركاتهم في سباق الذكاء الإصطناعي على الشركات الأميركية – حتى يتمكنوا من الهيمنة على السوق – ورغبتهم في ضمان عدم زعزعة هذه التقنيات لاستقرار بلادهم.

لستُ ساذجاً حيال مستوى انعدام الثقة في العلاقات الأميركية الصينية اليوم – بعد أن قضيتُ الأسبوع الماضي في كلتا العاصمتين – أستطيع أن أشهد بأن لا أثر لأي نوع من الثقة بينهما. لذلك، أنا أدرك جيداً مدى سخافة مطالبة كلٍ منهما بأن يثق بالآخر والتعاون معاً في نظامٍ من التفكير الأخلاقي لضمان حصولنا على الأفضل وتخفيف الآثار السلبية للذكاء الإصطناعي.

لكن على قادتنا أن يتعلموا درساً من كيفية استخدام شركات تكنولوجيا البرمجيات لـ”التعاون التنافسي” (التعاون بين المتنافسين). أرادت كل من “آبل” و”مايكروسوفت” و”غوغل” و”ميتا” تدمير بعضها البعض في مجال الأعمال، لكنها أدركت في النهاية أنه إذا تعاونت على بعض المعايير الأساسية، بدلاً من أن تنفرد كل منها بطريقتها الخاصة، فيمكنها توسيع أسواق منتجاتها وخدماتها التي كانت مستقلة عنها بشكل كبير.

الذكاء الإصطناعي سيكون مُتجذّراً في كل ما هو رقمي ومتصل. هذا يشمل سيارتك، وساعتك، ومحمصة الخبز خاصتك، وكرسيك المُفضّل، والنبات الذي تزرعه في حديقتك، ودفتر مذكراتك الذي تدون فيه ملاحظاتك. لذا، إذا انعدمت الثقة بيننا وبين الصين، وكان لكلٍّ منا أنظمة ذكاء اصطناعي خاصة به، فستتفاقم مشكلة الـ”تيك. توك”. سيتوقف الكثير من التبادل التجاري بيننا كلياً. لن نتمكن إلا من بيع فول الصويا لبعضنا البعض مقابل صلصة الصويا. سيُصبح عالماً من الإقطاع عالي التقنية (…).

في هذا المسعى المحدد لبناء ذكاء إصطناعي موثوق، لا أتردد في القول إنني أتمنى للرئيسين، شي وترامب، كل التوفيق – وبسرعة.

– ترجمة بتصرف عن صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

(*) “الذكاء العام الإصطناعي” (AGI)، ذكاء الآلة التي لديها القدرة على فهم، وتعلم، وأداء المجموعة الكاملة من القدرات المعرفية البشرية، وأي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها. إنه هدف أساسي لبعض أبحاث الذكاء الإصطناعي وموضوع شائع في الخيال العلمي والدراسات المستقبلية. يشير بعض الباحثين إلى (AGI) باسم “الذكاء الإصطناعى القوي”، أو “الذكاء الإصطناعى الكامل” أو كقدرة الجهاز على أداء “الفعل الذكي العام”. واعتباراً من عام 2017، تقوم أكثر من 40 منظمة في جميع أنحاء العالم بإجراء أبحاث نشطة حول  (AGI).

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  معبر جديد بين إيران وباكستان: دفء سياسي وتجاري