هذا هو لبنان، ومن زمان. يتقدم من سيء إلى أسوأ. ضرب الرقم القياسي في صنع أعتى الموبقات “الوطنية”. يتغير إلى الاسوأ، يتقدم إلى الخلف، مستقبله ماضٍ فاحش الصراط. الارتكاب فيه، هو السياسة المستدامة. مذ ولد وهو يتقهقر. كان في البدء مولوداً مشوهاً. صار اليوم غولاً، وشعبه ناحر ومنحور ومنتحر. منه من يهجر ويهاجر، ومنه من يقتات من اليأس والفقر، ومنه من ينظر إلى السماء بحثاً عن تدخل وصبر، ومنه لم يعد يفكر بالغد، لكثرة اهتمامه بيومه البخيل، ومستقبله الذي مات.. ومنه ما زال مستقوياً بقطيعه، يصّد به زعامات القطعان الزاحفة على جباهها.
في جزر شبابية نقية، يعلو صوت التغيير. وبالمناسبة، هؤلاء يختلفون كثيراً عن مجموعات تريد حصة في الوليمة الطائفية. هنا نسأل هؤلاء الانقياء: هل أنتم إذا فزتم، ستغيّرون النظام المرصوص طائفياً، والمدَّعم عربياً وغربياً وأميركياً؟
لبنان، أيها الاصدقاء الانقياء، يعيش في مدار المستحيلات. حصتكم في الفوز، فتات. ستكون قوتهم في صوتهم، وليس في فعلهم. لبنان الغد وما بعده، أعتى مما كان، برغم استقراره في الخراب الشامل. انه منهار، وزعماؤه يعيشون على فائض القوة ثم، كيف يمكن إحداث تغيير بآليات طائفية. الابجدية السياسية في لبنان، هي من قاموس الطوائف. والطوائف بالمناسبة، لا علاقة لها بالله وبالأديان. انها كتل سياسية سيئة السمعة. وهي بالممارسة ضد قيم دينها. هناك خلاف مبرم بين روحانية الاديان وتجار المزامير والآيات والاستباحات.
المعركة الانتخابية إذا حصلت ستسفر عن فوز الطائفية المبرم. الآخرون القادمون عبر القانون الراهن، هم رهائن طائفية وسيعاملون على أنهم طُفّار صغار
الصراع المفترض هو بين الطائفية العاصية والشاملة والقوية والمستقوية وبين الديموقراطية. لبنان ليس ديموقراطياً بالمرة، ولن يكون. المستحيلات اللبنانية مبرمة، والمستحيل الأول: الديموقراطية.. غريب، كيف أن انظمة الفكر والاعلام والسياسة، تدافع عن الطائفية وتلوم الاعتداء عليها. لا ديموقراطية في لبنان. الطائفية والديموقراطية ضدان. والطائفية قلعة متينة بأساسات عميقة. ولكل طائفة باب تدخل منه إلى حلبة التكالب والتكاذب والتجاذب. لا ديموقراطية من دون رأي عام. “الرأي العام” عندنا منفي. المقبول والمعتمد عليه ودعامة النظام، هو “الرأي الخاص” في كل طائفة. من ينكر ذلك اعمى عن قصد وسابق اصرار وتعمد. الطائفة مجمع متكامل ومقفل ومسدود. اعمدة الطائفية في لبنان معروفة ومدعومة ومدافع عنها. أليس غريباً أن يصير كل شيء مُطيّفاً، وان الحصانة الطائفية لا تمس وان تهذيبها مستحيل، وشهواتها مستفحلة. وتؤمها وتسندها وتدعمها، قيادات “روحية” (التسمية غلط شنيع) وقيادات مالية مافيوزية ومؤسسات ثرية وعابرة للقارات، ولكنها ليست عابرة للطوائف. الطائفية امتن اختراع، وهي التي تجر لبنان إلى الوراء. انها الآية والصلاة والتجارة والسرقة ومنع المحاسبة.
بالمناسبة، هذه الطوائف التي تشكو دائماً، وتنهش بعضها بعضاً، اليست متشابهة. تريد من السرقة حصتها. والسرقة تمارس على الضعفاء. نحن يا اصدقاءنا الشباب الحالمين بالتغيير، نعيش في بلد يستند اساسه إلى متاريس ضاربة الجذور في الماضي. وهذا الماضي مُجلّل بدماء المؤمنين الأغبياء الذين لا يزالون حماة الارتكاب، بسلاح “المزمور” و”الآية” و”الحكمة” و”الاجتهاد”.
من المستحيلات اللبنانية قيام دولة المؤسسات. نعم، عندنا مؤسسات محتلة أو تم تأميمها. فلا عدالة إذا مع الطائفية. سمّوا لنا حكماً قضائياً بحق فاسد. علماً أن اسماءهم معروفة، وأماكن اقامتهم معروفة. وتحركاتهم معلنة؟.. سمّوا لنا مؤسسة غير حاضنة للظلم الطائفي. الجيش؟ مطيف. فلنقل الاشياء كما هي. الأمن مطيّف. الرغيف مطيّف. الجامعة اللبنانية مطيّفة. المصارف مطيّفة. المستشفيات كذلك، الاعلام صوت الطائفية الصارخ في برية لبنان.
اريد أن اقتنع أن هناك شرائح مدنية وعلمانية وديموقراطية محصنة بالنزاهة والنبل والتضحية. إنهم، وبرغم كثرتهم، أقلية. خلافاتهم الركيكة مثل قلتهم ندرة تامة. إذا كان ذلك كذلك، فإن مهمتكم ركيكة النتائج. ستكونون مجرد فرجة. القوة العددية تنقصكم. والمجتمع حولكم، يئن من الانحدار والهاوية. ولكنه يعتصم بالأنبياء الكذبة الذين يسرحون ويمرحون ويملون آياتهم المبرمة على رؤوس الاشهاد.
ثم، فلنفترض حسن النية التام لدى جيل يريد التغيير وهو صادق ومخلص، متألم ومتأمل. كيف يمكن العبور إلى النيابة، عبر السلّم الانتخابي الطائفي. والله هناك مفارقة ومصادمة: هل يُسهم قانون انتخابي على قياس الطوائف في إيصال شباب ونساء علمانيين/ ات؟ كيف يمكن تبرير الترشح على أساس مقعد طائفي فتكون نائباً لا طائفياً؟
قم بجولة على المؤسسات “اللبنانية”. مغارة مجلس النواب لمن؟ القفص الذهبي للحكومة لمن؟ رئاسة الجمهورية لمن؟ الوزراء لمن؟ المدراء العامون لمن؟ سلك القضاء والقدر لمن وعلى من؟ الرتب العسكرية العالية لمن؟ وزراء المالية لمن؟ تأممت طائفياً أم لا؟ المجالس لمن؟ الانماء والاعمار سني، مجلس الجنوب شيعي، صندوق المهجرين درزي، مجلس الخدمة المدنية، ديوان المحاسبة، مجلس القضاء الاعلى إلى آخر دسكرة وحاكورة في لبنان.
لا بد من ابداء الرأي بالذين استقالوا من المجلس النيابي. استقالتهم جيدة. كيف يعودون إلى مجلس نيابي طائفي وسيكونون كطوائفيين فيه؛ ثم، وهذا هو الشاق: كل طائفة بحاجة إلى دعامة خارجية مبرمة. لذلك هناك ساحة يتواجد ويتصارع فيها: الاميركي، السعودي، الايراني، السوري، الاماراتي، القطري، التركي، الأوروبي. لا حياة لأي طائفة من دون دعم خارجي ابداً
بوضوح؛ الخواجات الطائفيون محصنون ومطمئنون جداً. قد يخسرون قليلاً.. وخسائرهم قابلة للتعويض. لذلك، هم متمسكون بالطائفية حتى الرمق الأخير. “انجازات” المجالس النيابية والحكومات والرئاسات والقضاء الخ.. هي قلاع الطائفية.
لا مكان البتة لأي مواطن نزع الاشارة إلى طائفته عن اسمه. مستحيل اللاطائفي. مكتوم. غير موجود. يُحذف من السجلات. يُعامل كميت.
المعركة الانتخابية إذا حصلت ستسفر عن فوز الطائفية المبرم. الآخرون القادمون عبر القانون الراهن، هم رهائن طائفية وسيعاملون على انهم طُفّارٌ صغارٌ. لا بد من ابداء الرأي بالذين استقالوا من المجلس النيابي. استقالتهم جيدة. كيف يعودون إلى مجلس نيابي طائفي وسيكونون كطوائفيين فيه؛ ثم، وهذا هو الشاق: كل طائفة بحاجة إلى دعامة خارجية مبرمة. لذلك هناك ساحة يتواجد ويتصارع فيها: الاميركي، السعودي، الايراني، السوري، الاماراتي، القطري، التركي، الأوروبي. لا حياة لأي طائفة من دون دعم خارجي ابداً. راجعوا تاريخ لبنان. إنه ينام دائماً في فراش القناصل والسفارات والبعثات. هذا بدأ من ايام المتصرفية. الزمن السياسي اصيل ومديد جداً، وامامه مدى من العقود.
برغم الكارثة التي يعانيها لبنان، والقصاص المالي الذي فرض عليه، وبرغم “القتال” الفاضي، بين القوى المتقلبة، فإن من اتهموا يحمون المتهم الأول في نكبة لبنان الشاملة، مالياً واقتصادياً.
منذ أيام، فُقد الاتصال بحاكم مصرف لبنان. مهزلة مؤلمة. الرئيس ومن معه من قضاة، قرر جلب الحاكم من منزله او مكتبه. دافع عنه فرع المعلومات. شتائم وتصادم. استدعي المدير العام لقوى الأمن للتحقيق، ثم.. رجاء.. دلونا عليه.
غلطة كبيرة ارتكبها النظام بحق نفسه. أعادته الطائفية إلى رشده. حاكم مصرف لبنان المتهم، هنا وهناك وهنالك. هو الأقوى: انه محتضن من الطوائف كلها. ومن الزعامات بشكل مبرم. ومن الخارج حماية تامة. كنا ننتظر فعلاً واحداً ايجابيا. عيب نحن مجانين. الحاكم بأمر المال، اقوى من “الحاكم بأمر الله”. وتبين في ما بعد أن حزب حاكم مصرف لبنان، حزب الطوائف كلها: الموارنة مع مرجعيات دينية مبرمة. السنة مع مرجعية خليجية مبرمة. الشيعة مع مراعاة ظروف الشقيق الفاضل ومنعاً للفتنة. الدروز مع مرجعية روحية جاهزة وغب الطلب.
أخيراً؛ لبنان والطوائفية واحد، لا اثنان. إذا قتلت الطائفية انتحر لبنان. ولذلك، على اللبنانيين البلغاء التوقف عن مدح لبنان وابراز فضائله.. الاعلام عندنا فعل ارتكاب، ونقطة على السطر.
ولبنان ليس غريباً عن محيطه. دلونا على دولة، من المحيط إلى الخليج، ديموقراطية ومدنية. هذه بلاد ملعونة. ولعنتها نتيجة افقاد الانسان انسانيته. الإنسان المدني مضاد كلياً للإنسان الطائفي. الانسان المدني مواطن. ليس في لبنان ولا في الدول العربية مواطنون ابداً. هم رعايا او اتباع او موظفون مكرهون. لا حرية ولا رأي ولا سياسة. هذا العالم العربي، عاش قرناً في ظل الدكتاتوريات القبلية والاميرية والملكية والعسكرية والطائفية.
وتسألون لماذا نحن في القعر؟
لأن الانسان عندنا مهان وممنوع.
تباً لنا. كيف نحتمل كل ذلك طوال قرن؟
“يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”.
اننا نستحق الجحيمين معاً. الجحيم العربي وفيه لبنان، والجحيم الاميركي الذي تسوقنا اليه طوائف الأديان.