مرّ هذا الخبر المُختصر كغيره من الأخبار، وزادت عليه مواقع إيرانية أن “الموساد” الإسرائيلي لطالما حاول توجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني. غير أن أهمية الخبر تكمن في باطنه المُفخخ برسالة غاية في الأهمية. فما هي هذه الرسالة؟
الحرس والبرنامج
الخبر ليس في إحباط محاولة إسرائيلية لإستهداف منشأة “فوردو”، إنما هو في الإعلان عن تشكيل نظامي عسكري جديد في إيران يُعلن عنه للمرة الأولى بشكل رسمي من دون تقديم أي توضيحات. هذا التشكيل يحمل اسم “قيادة الحرس الثوري النووية”، وهو تشكيل لم يرد ذكره من قبل؛ لا في المفردات الرسمية الإيرانية ولا غير الرسمية؛ على الإطلاق.
لا شك أن “قيادة الحرس الثوري النووية” لم تكن وليدة الساعة في تاريخ 14 آذار/ مارس 2022، بل استغرقت وقتاً؛ ربما يكون عاماً أو عامين أو ثلاثة أعوام أو أكثر أو أقل؛ للتأسيس والهيكلة والتنظيم.
أي حوار مستقبلي حول برنامج إيران النووي سيكون بمشاركة ضُباط “قيادة الحرس الثوري النووية” الملمين بالفنون السياسية والنووية ومعادلات الردع
بعد الإعلان، صار بحكم المُعلن أن الحرس الثوري الإيراني يرتبط بشكل غير قابل للجدل بالبرنامج النووي الإيراني، وربما يكون اغتيال العالم محسن فخري زادة أحد أبرز المؤشرات حول هذا الإرتباط الوثيق بين الحرس الثوري والبرنامج النووي الايراني. والجدير ذكره هنا أن الحرس الثوري كان قد أعلن؛ بُعيد نبأ الإغتيال، المتهمة بإرتكابه إسرائيل؛ أن فخري زادة كان لواء في الحرس الثوري، بالإضافة إلى المنصب الذي كان يتبوأه كأحد أساتذة العلوم النووية والفيزيائية البارزين في جامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري.
ومع هذا الإعلان أيضاً أصبحت مهمة حماية وتأمين المنشآت النووية الإيرانية، وكذلك تأمين الحماية لعلماء البرنامج النووي الايراني رسمياً بعهدة “قيادة الحرس الثوري النووية” الحديثة الظهور، وهذا يعني أن أياً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية أو حتى روسيا والصين أو أي منظمة دولية أخرى، إذا أرادوا فتح قناة حوار في المستقبل القريب مع إيران حول برنامجها النووي، سيجدون على الطرف الآخر من الطاولة الضباط والجنرالات التابعين لـ”قيادة الحرس الثوري النووية” الذين لم يتعلموا فنون المفاوضات السياسية فحسب، بل هم أيضاً ضالعون في الفنون النووية ومعادلات الردع المتعلقة بها.
السمك طازج
منذ الإعلان فيه عن ظهور هذه المؤسسة التابعة للحرس الثوري، تغير مسار المفاوضات النووية في فيينا. فبعد أن كانت المفاوضات تمر في منعطف خطير للغاية، وكان الإتفاق النووي على وشك الإنهيار على خلفية المطالب الروسية الجديدة بالحصول على ضمانات مكتوبة من واشنطن، سارعت موسكوإلى خفض سقف مطالبها، واكتفت بالحصول على ضمانات خطية بأن لا تؤثر العقوبات على تعاملها مع طهران في إطار الإتفاق النووي فقط. كما تبلغت طهران من الأميركيين؛ عبر وسطاء موضع ثقة؛ أنهم مستعدون لإتمام مفاوضات فيينا وإنجاحها. وهكذا عادت المياه إلى مجاريها بسرعة تفوق كل التصورات.
السؤال الأساس الذي يفرض نفسه، هو: ما الذي حصل خلال الأيام القليلة جداً الماضية، ودفع الطرفين الأساسيين في المفاوضات النووية (واشنطن وطهران) لتغيير مواقفهما، والعمل من أجل إنجاح المفاوضات على أساس إعادة إحياء الإتفاق النووي المبرم عام 2015، بصفته الأداة الوحيدة لمراقبة البرنامج النووي الايراني وضمان سلميته؟
هل تلقت واشنطن مفاجأة كبرى من “قيادة الحرس الثوري النووية” ما جعلها تغير موقفها بهذه السرعة، وتتبنى مواقف بنَّاءة من شأنها التمهيد لإنجاح مفاوضات فيينا؟
لا شك أن الولايات المتحدة عملت بالمثل الايراني الذي يقول، بما معناه: “السمك.. في أي وقت تُخرجه من الماء سيكون طازجاً”.