“كشف الشاباك للمرة الأولى هذا الأسبوع عن وثائق من الأرشيف توثّق أعمال التعذيب والتجويع، ومنع المعالجة الطبية، والاعتقالات غير المحدودة زمنياً، من دون أي إجراء قانوني، أو التحقيق مع نساء من طرف رجال، وكل الظروف القاسية التي عاناها المعتقلون في المعتقل الذي أقامته إسرائيل في لبنان، وكل الممارسات ضد المعتقلين حتى تاريخ انسحابها من لبنان في سنة 2000.
جرى الكشف عن الوثائق في إطار الالتماس الذي قدمه عدد من نشطاء حقوق الإنسان بواسطة المحامي إيتي ياكير. ووفقاً للمحامي: “الشاباك والجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي أداروا معاً المعتقل، وأن أعمال التعذيب فيه تشبه التعذيب الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية العسكرية في أميركا اللاتينية. وهي جرائم ضد الإنسانية. الوئاثق صادمة وتشكل جزءاً ضئيلاً فقط من الجهنم التي كانت هناك”.
أقيم معتقل الخيام في سنة 1985 بالقرب من البلدة التي تحمل نفس الاسم في الجنوب اللبناني، على بُعد كيلومترات معدودة عن الحدود الشمالية مع إسرائيل. وكانت إسرائيل انسحبت من لبنان في نهاية حرب لبنان الثانية (الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982)، قبل ثلاثة أعوام من ذلك، لكن الجيش الإسرائيلي أبقى العمل في الحزام الأمني الذي أقامه في الجنوب اللبناني، حيث أُقيم المعتقل.
مقدّمو طلب الالتماس طلبوا من الشاباك أن يكشف للجمهور الوثائق التي توثّق، “أعمال تعذيب وعقوبات وحشية وغير إنسانية” في المعتقل، بحسب كلامهم. الجولة الأولى من مناقشة القضية ستُعقد في مطلع نيسان/ أبريل المقبل، لكن الشاباك سمح الآن بنشر بعض المواد الموجودة لديه، مع رقابة صارمة.
في وثيقة تعود إلى سنة 1987، جاء أن هذا المعتقل، بحسب زعم الشاباك، “له دور مهم في عمليات التصدي للهجمات”، وأن الذين يعملون فيه هم محققون من جيش لبنان الجنوبي، بتوجيه من الجيش الإسرائيلي والشاباك. وجاء في وثيقة تحمل عنوان “مختلف”: “لم تُجمع اعترافات من الذين يجري التحقيق معهم في المعتقل، ولم تجرِ إحالتهم على المحاكمة، وليس هناك أمر باعتقالهم، و مدة اعتقالهم رهن بخطورة أعمالهم، وليس هناك تحديد لمدة توقيفهم”. بكلمات أُخرى، يبقى المعتقلون فترة غير محددة، ومن دون أي إجراءات قانونية ضدهم.
تكشف الوثائق أن الجيش الإسرائيلي عموماً، والشاباك خصوصاً، متورطان حتى الرأس في السيطرة المدنية في الجنوب اللبناني، وفي الاعتقالات غير القانونية لمئات من الناس لفترة غير محدودة، من دون أساس قانوني، ومن دون رقابة قضائية، وضمن ظروف وحشية شملت أعمال تعذيب”
وفي وثيقة مكتوبة بخط اليد، يجري الحديث عن فتاة تم التحقيق معها بشبهة “علاقتها بحزب الله”، وجرى وصْل أصابعها بالكهرباء خلال التحقيق. وفي وثيقة أُخرى، وتحت بند “التحقيق مع النساء”، جاء أن: “التحقيق مع الإناث يجري بواسطة محقق رفيع المستوى، بوجود شرطية خلال التحقيق”، كما جاء: “إذا لم يكن هناك شرطية موجودة أُعطيت موافقة خاصة للتحقيق مع المتهمة من طرف محقق رفيع المستوى، مع وجود محقق آخر في الغرفة”، وتكشف وثائق أُخرى عن وجود عشرات النساء بين المعتقلين.
وثيقة كُتبت في سنة 1988، تتحدث عن عملية التجويع التي عاناها المعتقلون في السجن. وجاء في الوثيقة: “هذا الصباح تحدث المدير المحلي للمعتقل عن إعلان الإضراب عن الطعام في السجن، على خلفية النقص في الطعام”.
في إحدى الوثائق التي تعود إلى سنة 1997، جرى نقاش مشكلات صحية يعاني الأسرى جرّاءها. وتحدث كاتب الوثيقة عن اجتماع عُقد مع شخص يبدو أنه المسؤول عن السجن من جيش لبنان الجنوبي، بلّغه عدم رضاه عن حل المشكلات الصحية التي يعانيها الذين يخضعون للتحقيق والمعتقلين، وعلى الرغم من المشكلات الطبية الكثيرة، فإن قرارات الإفراج عنهم كانت تتأخر.
تُظهر الوثائق أن ما بين 250 و300 أسير كانوا موجودين في المعتقل طوال الوقت. وكانوا ينتمون إلى تنظيمات وأحزاب مختلفة، بينها حركة أمل، وحزب الله، والحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العمل الشيوعي، و”فتح”، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وغيرها.
وتكشف الوثائق نقاشات لشخصيات مختلفة في إسرائيل عالجت قانونية تحقيق إسرائيل مع مواطنين لبنانيين على الأراضي اللبنانية. وفي إحدى الوثائق اعترفت إسرائيل بوجود “مشكلات سياسية/قانونية” في إقامة معتقل وإجراء تحقيقات من طرف إسرائيل على أراضٍ لبنانية. وجاء في الوثيقة: “بينما تعلن إسرائيل، رسمياً، انسحابها من المنطقة”، أقامت معتقلاً “هو مرفق حكومي واضح”.
جرى هذا النقاش في أعقاب طلب الشاباك السماح له بالتحقيق مع معتقلين لبنانيين في لبنان، بحجة ما وصفه بتدهور الوضع الأمني والحاجة إلى “الحصول بصورة ناجعة ومهنية على المعلومات الاستخباراتية التي يمكنها منع جزء من الهجمات، وإنقاذ حياة الجنود الإسرائيليين وجنود جيش لبنان الجنوبي”. وجاء في الوثيقة أن المدعي العام العسكري الأول شدّد على أن اقتراح السماح للشاباك بالتحقيق مع معتقلين لبنانيين في لبنان لا يخلو من مشكلة أساسية، هي مسؤولية إسرائيل عن قيام ضباط إسرائيليين بالتحقيق.
تكشف الوثائق، التي كشف عنها الشاباك، مدى تورّطه في كل المسائل المتعلقة بـ”إدارة المعتقل”، ويقول المحامي ياكير: “لقد كان الشاباك على عِلم بكل الظروف غير الإنسانية التي يعاني المعتقلون جرّاءها، والنقص في الطعام، والتعذيب في التحقيقات، وبعضهم شارك بنفسه في التحقيق”. كما تكشف الوثائق أن الجيش الإسرائيلي عموماً، والشاباك خصوصاً، متورطان حتى الرأس في السيطرة المدنية في الجنوب اللبناني، وفي الاعتقالات غير القانونية لمئات من الناس لفترة غير محدودة، من دون أساس قانوني، ومن دون رقابة قضائية، وضمن ظروف وحشية شملت أعمال تعذيب”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).
(*) تقرير “هآرتس” بالإنكليزية