كانت الجولة الخامسة من المحادثات الإيرانية السعودية في بغداد “إيجابية جداً”، حسب ما سربت مصادر الوفدين، وتم الإتفاق علی أن تكون هذه الجولة هي الأخيرة على مستوى المسؤولين الأمنيين، لتتخذ الجولة المقبلة (السادسة) طابعاً دبلوماسياً؛ بمعنی ترحيل المباحثات الی وزارتي خارجية البلدين، وهو تطورٌ مهمٌ في سياق تطور الحوار الإيراني ـ السعودي.
وعلی الرغم من تكتم الجانب السعودي علی تفاصيل جولات المباحثات مع إيران، إلا أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قال إنها “استكشافية” لمعرفة طبيعة الرغبة الإيرانية في العلاقات الثنائية ومستقبل هذه العلاقات.
النتيجة التي توصلت اليها الجولة الخامسة من المباحثات كانت طبيعية إستناداً إلى عوامل أربعة سبقتها:
العامل الأول؛ اشترطت إيران وضع جدول أعمال واضح ومحدد للمباحثات من أجل التوصل إلى نتيجة عملية وواقعية للقضايا ذات الإهتمام المشترك؛ وبالفعل كانت هناك رسائل متبادلة بين البلدين عبر الوسيط العراقي والتي تمخضت عن جدول الأعمال الذي تم بحثه في الجولة الخامسة.
العامل الثاني؛ لعبت إيران دوراً إيجابياً في وقف إطلاق النار الأخير بين التحالف الذي تقوده السعودية في مواجهة حركة أنصار الله الحوثية في اليمن والقائم حالياً لمدة شهرين باشراف المندوب الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلی اليمن هانس غروندبرغ، وهو الأمر الذي أتاح أيضاً فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة.
العامل الثالث؛ اقتناع الجانبين بأهمية النظر إلى الأمام من أجل حل المشاكل العالقة بين البلدين؛ وأن الوقت حان لإعادة العلاقات الدبلوماسية بعيداً عن المناكفات السياسية والإعلامية والأمنية التي شهدتها العلاقات بين الرياض وطهران.
السعودية تُطالب إيران بالإنكفاء داخل حدودها والعمل علی بناء إيران من الداخل، في حين تعتقد إيران أن حدود أمنها القومي تمتد حتی مياه البحر الأبيض المتوسط
العامل الرابع؛ قرار السعودية بإزاحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي كان يُشكّل غطاءً قانونياً وسياسياً لاستمرار قوات التحالف السعودية بشن الحرب ضد اليمن، فضلاً عن إتهامه من قبل حركة أنصار الله الحوثية بأنه يتحمل مسؤولية توقف الحوار اليمني ـ اليمني الذي إنعقد في كل من سلطنة عمان والكويت وستوكهولم، وبالتالي مسؤولية تدمير اليمن.
هذه العوامل مهّدت لإنهاء المفاوضات الأمنية والإنتقال إلى المفاوضات الدبلوماسية التي لن تكون صعبة مع توفر الإرادة السياسية لدی حكومتي البلدين؛ لكن هذا لا يمنع من استمرار الخلافات بين السعودية وإيران التي تتأطر بأربع قضايا جوهرية:
القضية الأولی؛ تطالب السعودية الحكومة الإيرانية بالضغط علی حركة أنصار الله للقبول بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مع السعودية وحلفائها في اليمن وفق المقاسات السعودية؛ في حين تری طهران أنها غير قادرة علی فرض مقاسات أو مطالب معينة علی الحوثيين في الوقت الذي يتعرضون فيه إلى حصار قاتل وحرب مدمرة غير متكافئة.
القضية الثانية؛ ان السعودية تطلب من إيران إعادة صياغة علاقاتها الإقليمية وتحديداً مع “محور الممانعة” الذي تتبناه طهران في المنطقة؛ في حين تری القيادة الإيرانية أن هذه العلاقات غير قابلة للتفاوض مع اي جهة، لأنها ترتبط بمصالحها الوطنية وقراءتها للوضع الإقليمي وموقفها من القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الإسرائيلي.
القضية الثالثة؛ أن السعودية كانت تنتظر دائماً مخرجات المفاوضات التي تجريها إيران مع الدول الغربية علی خلفية برنامجها النووي وكانت تنتظر مآلات هذه المفاوضات من أجل ضبط توقيتها علی أساس ساعة نتائج هذه المفاوضات في الوقت الذي كانت إيران تقول دائماً إن العلاقات الثنائية مع دول الإقليم لا يُمكن ربطها بنتائج هذه المفاوضات، وأن علاقاتها الإقليمية يجب أن تسير بمعزل عن المفاوضات النووية التي لا يعلم مصيرها إلا الله والراسخون في العلم!.
القضية الرابعة؛ أن السعودية تُطالب إيران بالإنكفاء داخل حدودها والعمل علی بناء إيران من الداخل ومد الطرق المعبدة وبناء رياض الأطفال وانشاء المستشفيات وخدمة الشعب الإيراني الشقيق الذي يكنون له الإحترام وهو يعيش في ما يسمی بـ”الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، علی حد تعبير أحد زملائنا السعوديين؛ في حين تعتقد إيران أن حدود أمنها القومي تمتد حتی مياه البحر الأبيض المتوسط.
هذه القضايا الأربع بقدر ما هي مهمة واستراتيجية للجانب السعودي.. إلا أنها من الثوابت الإيرانية؛ وتقريب وجهات النظر بين البلدين في هذه القضايا عملية ليست بالسهلة وليست بالبسيطة بكافة المقاييس، كما أنها ليست متاحة في الوقت الراهن.
إن الإتفاق علی الحد الأدنی من المشتركات ممكنٌ من أجل خلق أجواء الحوار المشترك الذي لا يخدم المصالح الإيرانية والسعودية فحسب وإنما يخدم مصالح شعوب ودول المنطقة. مثل هذا الإتفاق يمكن أن يتطور من خلال الحوار المباشر وعلی مستويات مختلفة لمعالجة المشاكل العالقة خصوصاً وأن البلدين أيقنا – أو هكذا يجب أن يكون – أن حالة التدافع الأمني والعسكري في المنطقة لا يمكن أن تصل إلى نتيجة تخدم مصالح البلدين والمنطقة.