بايدن لإحتواء الصين.. منعاً لصعود قوى دولية جديدة!

علي مطرعلي مطر31/05/2022
تتّجه أنظار العالم، لا سيما الإدارة الأميركية، في ذروة ما يحصل من تحولات وصراعات نحو الصين، التي تعدها واشنطن التهديد الاستراتيجي الأكبر لتفوقها وهيمنتها على النظام الدولي.

 لم تعُد الصين دولة منكفئة على نفسها، بل أصبحت قوة قادرة على مقارعة الهيمنة الأميركية، وهذا ما يجعل إدارة البيت الأبيض تزيد حجم الضغوط والمساعي لإحتواء “التنين”، بعدما تحولت الدولة الأكثر سكاناً في العالم إلى صاحبة دور محوريّ في النظام الدولي، فيما بات مستقبل الولايات المتّحدة ينبىء بالانكفاء.

ونتيجة ما تملكه بلاد النهر الأصفر من قوة على المستويات كافة، ما يجعلها تتحول لاعباً رئيسياً في السياسة الدولية يمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم وجيشاً كبيراً لديه أسلحة استراتيجية ونووية وقوة تكنولوجية وذكية وناعمة؛ ذلك كله يجعلها أقلّ خوفاً في التقدّم نحو مقارعة واشنطن، وبالتالي يُحوّلها إلى القوة الأكثر تأثيراً في النظام الدولي. هكذا باتت الصين تشكّل التحدّي الأكثر واقعية للولايات المتحدة، ما جعل الأخيرة تزداد خشية على مستقبل هيمنتها المتآكلة على النظام الدولي، فكان أن شاهدنا الرئيس الهرم جو بايدن يسعى إلى محاولة جمع الحلفاء الآسيويين لكسب هذه المنازلة الجديدة.

وقد أتى تطور العلاقة الصينية الروسية والذي تُوّج بالإعلان عن حقبة جديدة بالعلاقات الدولية، لكي يدق ناقوس الخطر لدى واشنطن بأن العالم يخرج عن سيطرتها، بعد أن دشّن الإعلان الروسي الصيني مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، يترافق مع اتباع دبلوماسية قوية قادرة على مواجهة الولايات المتحدة ومحاصرة سياساتها الأحادية، على الرغم من أن واشنطن لا تزال تتحكم بمفاصل مهمة في النظام الدولي، ولا يمكن أن يحصل شيء في جيبولتيك دول هذا النظام من دون موافقتها؛ لكن تفرد الأميركيين دولياً، بلا حسيب أو رقيب، لم يعد ممكناً، وهذا ما ظهر من خلال العملية العسكرية التي شنّتها روسيا ضد أوكرانيا، في مواجهة تمدد الأطلسي ومحاولة تحويل أوكرانيا إلى بؤرة تهديد أمني غربي لموسكو.

إن ما يلفت نظر الباحثين في العلاقات الدولية، اليوم، هو التطورات المتسارعة التي تحصل في السياسة الدولية، والتي تجعل النظام الدولي يعيش حالة فوضى؛ هذه الحالة التي تقف بشكل كبير وراءها واشنطن من أجل تثبيت سيطرتها على مفاصل هذا النظام، عبر إفتعال الأزمات للبلدان التي يمكن أن تناوئها أو تلك التي تصارعها على سيادتها في النظام الدولي، وهذا ما حصل من خلال إفتعال أزمة أوكرانيا، والمساعي التي تبذلها أيضاً لفتح جبهة تايوان من خلال استفزاز الصين وجرّها إلى حرب هناك، تسعى من خلالها لزعزعة أمنها واستقرارها ومن ثم محاولة إحتوائها، عبر تحالف “أوكس”، وهو ما دفع الرئيس الأميركي للقيام بجولة آسيوية أطلق من خلالها تهديدات للصين بالقرب من محيطها الجغرافي مع ما يحمل ذلك من دلالات كثيرة تتعلق بتهديد الأمن القومي الصيني.

تصريحات بايدن تثير مخاوف من نية واشنطن تحويل تايوان إلى بؤرة حرب وعسكرة الأزمة على غرار الأزمة الأوكرانية. ويبدو لنا أن ما تريده واشنطن من خلف صناعة هذه الأزمات، هو كسر المشروع الروسي الصيني الذي يريد جعل العالم أمام حقبة جديدة في العلاقات الدولية

كان بايدن يأمل من خلال جولته الآسيوية الاولى، بمحطتيها الرئيسيتين في كوريا الجنوبية واليابان، أن يُعزّز ليس فقط تحالفات واشنطن التقليدية في المنطقة التي تتنافس فيها أكبر ثلاثة اقتصاديات في العالم، الولايات المتحدة والصين واليابان، ولكن أيضاً توسيع الرقعة الجغرافية لهذه التحالفات وتطويرها من أحلاف عسكرية تقليدية، إلى ائتلاف اقتصادي واسع لمواجهة مصدر الخطر العسكري والتنافس الاقتصادي الأول لدول منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقد عكست الردود الصينية الرسمية ضد جولة بايدن وتصريحاته الاستفزازية، مدى المخاوف الصينية من الجو العدائي الذي تنتهجه الإدارة الأميركية ضدها، ومحاولتها تعقيد المشهد، وتهديد الأمن القومي للدول الاسيوية كافة، والانتقال إلى مرحلة الضغوط القصوى التي يمكن أن تضع منطقة شرق آسيا على حافة حرب جديدة. وقد حذر جو بايدن، من أن الصين “تلعب بالنار” في مسألة تايوان، وتعهد بالتدخل عسكريا لحماية الجزيرة إذا تعرضت لهجوم.

وشبّه الرئيس الأمريكي اي غزو صيني لتايوان بغزو روسيا لأوكرانيا، الأمر الذي جعل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين بين، يؤكد أن “تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية” ولا مجال لحل وسط. وأضاف أن قضيتي تايوان وأوكرانيا “مختلفتان اختلافاً جوهرياً. المقارنة بين الأمرين أمر سخيف. نحث الولايات المتحدة مرة أخرى على الالتزام بسياسة الصين الواحدة”.

يظهر من هذه التصريحات أن واشنطن بدأت تخرج من سياسة الغموض نحو الصين، إلى سياسة الوضوح في التعامل معها على أنها العدو الاستراتيجي لسيادة واشنطن على العالم، فتصريحات بايدن تثير مخاوف من نية واشنطن تحويل تايوان إلى بؤرة حرب وعسكرة الأزمة على غرار الأزمة الأوكرانية. ويبدو لنا أن ما تريده واشنطن من خلف صناعة هذه الأزمات، هو كسر المشروع الروسي الصيني الذي يريد جعل العالم أمام حقبة جديدة في العلاقات الدولية، فواشنطن أمام هذا الخطر المتزايد على هيمنتها، تسعى جاهدة إلى منع صعود قوى دولية جديدة على خارطة النظام الدولي، وهي تريد منع التحول المفترض في النظام الدولي أو تأخيره على أقل تقدير، وقد أعطت نفسها وقتاً أطول لكي تكون هي أهم قوة رئيسية في هذا النظام، من خلال سياساتها المتوحشة، وبالتالي تعمل على ترتيب آلية مناسبة للتراجع المتناسق كي تطيل أمد بقائها كأمّة قوية، وفق تعبير المفكر الأميركي روبرت كابلان، إذ يرى أن ليس هناك من شيء أفضل بالنسبة إلى بلاده من تهيئة العالم لاحتمال زوالها.

إقرأ على موقع 180  إدارة التعددية اللبنانية.. توافقية أم أكثرية؟

Print Friendly, PDF & Email
علي مطر

باحث لبناني متخصص في العلاقات الدولية

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": هكذا ينظر MBS إلى العالم مستقبلاً