أنهكتني حروبي وأحلامي اليومية!

أعاني من التشوش وكأنني أحاول تعلم النطق عن جديد. يقال إن الحالة النفسية للكاتب جزءٌ من نصه، كما الأيديولوجيا التي يتبناها تنعكس في أفكاره وسلوكه.

أضيع دائماً بين الذات والموضوع، إلى حد أن المقاربة الذاتية للأمور تكاد تخنقني. الزاوية الوحيدة التي لم أعد أرغب في أن أبقى فيها بعد الآن هي ذاتي، مذ أدركت أن هناك فضاءات واسعة وأكواناً بعيدة وربما جميلة، بعد أن أنهكتني الحروب اليومية في الواقع الموحل حد الإختناق.

هكذا تتكون لغة الكتابة وتصبح وسيلة للتعافي النفسي، لكن العقل الذي تعود على التشوش طويلاً لا يمكن أن تولد لغته مجدداً دفعة واحدة خالصة. الأفكار كي تتغير يلزمها العديد من التجارب، وكي تأخذ الأخيرة صفتها يجب أن تنتهي بدروس وعِبر. وهذه الأخرى يصعب علينا تعلمها أحياناً من دون سلسلة من أفعال التمرد الحي والشاق والمشاكس. لكي نتعلم علينا أن نرى بوضوح ـ وهذا هو الدرس ـ أننا غارقون في أفكار موروثة أو مكتسبة تحول دون رؤيتنا الأمور بوضوح. كما ان عالم الزيف المبرقع بالالوان المغرية يشد حواسنا مرة أخرى، وهكذا نضيع بين الأفكار الموروثة وحجم التزييف في مجتمعنا.

ليكن البوح. نبوح لأنفسنا. نُجمّل الكلمات. ألا يحط ذلك التجميل المزيف من عزيمتنا حين نواجه الأمور في الحياة بتجرد؟

قد يكون علينا أن نقتنع اولاً أننا نبوح لأنفسنا وليس لأحد سوانا. إننا نعجز أحياناً عن النُطق. البوح. تلك وسيلة لم نعتدها. من جهة، نُبرّر لأنفسنا ونعود فنجلدها لسقطاتها المتتالية. ومن جهة أخرى، نُهلكها باعتقادنا أننا وحدنا نتحمل مسؤولية ما نعيش وما آلت إليه أحوالنا. لكن لماذا لا نجلد النُظم و”السيستيم” مثلاً؟

ليكن البوح. نبوح لأنفسنا. نُجمّل الكلمات. ألا يحط ذلك التجميل المزيف من عزيمتنا حين نواجه الأمور في الحياة بتجرد؟

يتطلب ذلك أن نتعرف على ذواتنا. قد نزيل بعض لطخات النظم أو نبقيها بشرط استيعابها كتجربة صراع من أجل الحياة. ربما ننجح بتفادي سقطاتنا النفسية كضحايا أو التخفيف من حدتها. كما ينجح فقير، وهو مستمر في خوض معركة اليوم، لتأمين قوت يومه لأولاده برغم أن كل ما يتيحه له النظام هو فتات قذر يبقيه في حالة اغتراب قاتلة أحياناً. نتوق للقفز من غيبوبة طالت إلى أي فضاء عام نخوض في غماره مجددا برغم مشقاته. الكسل الذي قد يصيبنا كما التشوش، ناتج عن الكثير من تحقير الذات وانعدام الثقة بالنفس والاحباط والخوف المزمن. فهذه صفات تشكلت من خلال تفاعلنا الاجتماعي مع ذواتنا ومع مجتمعنا. إن تملكتنا صفات التيئيس ليس من السهل أن ننجو منها من دون أن تترك آثرها.

في رحلة البحث عن الكلام الصامت دون أن نلقاه. نعتقد ان الحواس صاخبة أو على حق، إلا أنها خادعة!

الرؤية عبارة عن تشوش يعج بالألوان غير المتناسقة. وفي وجه آخر، رغبات مزدحمة بكل اشكالها الهندسية في عالم يقتات على المتغيرات.

تخدع الحواس الذهن، يقاوم العقل. يصبح الجسد عصياً، ويغيب ايضا الشعور بالذنب. قد تمتد غيبوبة العقل في حركة لا ارادية. وهناك تيارات في اتجاهات متعاكسة. تباع حواسنا وتشترى في سوق الاستهلاك الرخيص. ليست صمّاء. إنها تستجيب..

 لكن البوصلة الثابتة أقرب للطمأنينة.

نقول في كل مستقبل ستضيع بوصلته، أنها خسارة بديهية وليست استسلاماً.

تستهلكنا الأشياء ونستهلكها وكل شيء يزول. وتبدأ الدورة من جديد.. حياة بكل فصولها الاربعة وقلب غير استهلاكي الحواس. ورؤية أقل تشوشاً.

لدي الكثير من الأحلام التي لم أعرفها بعد ولكن هل لدي ما أقوله؟ لا يمكن لحياتنا العابرة إلا أن يكون لها وقفات. تبدو هذه الوقفات هي حياتنا ذاتها.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  من الخديوي توفيق إلى الثورة العرابية
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  إنزال في ضاحية بيروت الجنوبية.. هل الإحتمال ممكن؟