لا قيمة لكل الكلام السياسي الرسمي الذي أدلى به كل أهل الحكم في لبنان في الساعات الأخيرة، بالتزامن مع وصول منصة التنقيب عن الغاز في حقل “كاريش” أمس (الأحد) إلى مكانها في ما تسميها تل أبيب “المياه الاقتصادية الإسرائيلية” في البحر الأبيض المتوسط، على بُعد حوالي ثمانين كيلومتراً غرب شواطئ شمال فلسطين المحتلة.
فلو كانت الطبقة السياسية اللبنانية جدية، لكانت قد تلقفت الملف المحكم الذي وضعته قيادة الجيش اللبناني وقامت قبل حوالي السنة بإرسال ملف تعديل خط الترسيم البحري من الخط 23 (2011) إلى الخط 29 الجديد مع إحداثياته حتى يصبح جزءاً من ملف لبنان في الأمم المتحدة، بما يؤدي عملياً إلى ربط نزاع بين الجانبين يكفل عدم المس بحقوق لبنان الغازية في حقل “كاريش” من جهة، وباستمرار الوساطة الأميركية بين الجانبين على هذا الأساس من جهة ثانية.
كتب الصحافي في موقع “N12” العبري نوعام أمير تقريرا دعا فيه إلى أخذ تهديدات حزب الله لإسرائيل “بجدية وإهتمام”
وها هو لبنان يستجدي وساطة أميركية تكفل عودة المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين إلى بيروت، من دون أن تكون هناك أي ورقة صلبة بين يديه ولا سيما ورقة تعديل المرسوم 6433 الصادر في الأول من تشرين الأول/اكتوبر 2011 (الخط 23)، لإستبداله بالخط 29.
وفي إنتظار الموقف الذي سيعلنه حزب الله، وسيكون حتماً موقفاً مُكملاً وداعماً لموقف الدولة اللبنانية، لإعتبارات عديدة، ذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية “كان 11” الرسمية أمس (الأحد) أن الجيش الإسرائيلي “إتخذ الاستعدادات اللازمة لمواجهة احتمال قيام حزب الله بضرب منصة التنقيب عن الغاز في حقل “كاريش”، وأضافت أنه خلال الأيام التي سبقت وصول المنصة التابعة لشركة “إنرجي” من سنغافورة “أجرت الأجهزة الأمنية في إسرائيل تقييمات للوضع”، وأشارت إلى أن تأمين الأمن للمنصة هو من مهمات الشركة، “لكن المسؤولية عن الأمن في المياه هي لدولة إسرائيل”.
ووفقاً للقناة، “سيعمل سلاح البحر الإسرائيلي على تأمين الحماية للمنصة في قلب البحر من خلال مركبات بحرية فوق المياه وتحتها، وكذلك بمساعدة غواصات”. وأكدت أن سلاح البحر “على أهبة الاستعداد أيضاً للرد في حال استهداف مركبات بحرية في قلب البحر، كما سيتم نصب منظومة “قبة حديدية” في المكان”.
بدوره، كتب الصحافي في موقع “N12” العبري نوعام أمير تقريرا دعا فيه إلى أخذ تهديدات حزب الله لإسرائيل “بجدية وإهتمام”، وأشار إلى وجود “قاسم مشترك وبسيط جداً” بين زعيم حركة “حماس” في غزة يحيى السنوار والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، “فالاثنان مشغولان بتعزيز مكانتيهما في الشارع. وبينما يعمل السنوار بقوة من أجل تعزيز مكانته في القدس الشرقية والضفة الغربية، وبين العرب في إسرائيل، يواجه نصرالله تحديات كبيرة جداً في داخل لبنان، ومكانته في الشارع ضعيفة جداً”.
ويضيف نوعام أمير أن نصرالله قرأ التقارير المتعلقة بوصول منصة الغاز الطبيعي FPSO إلى حقل “كاريش” وذلك “بعد أن شقت طريقها خلال 5 أسابيع من حوض بناء السفن في سنغافورة، حيث جرى العمل على بنائها في الأعوام الأخيرة، لتبحر المنصة من الشرق الأدنى، مروراً بقناة السويس، إلى البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً إلى المكان الذي رست فيه داخل أراضي دولة إسرائيل من دون شك، لكن هذا لا يمنع لبنان من توجيه تهديداته”!
يشير نوعام أمير إلى أن مَن سيُعطي الضوء الأخضر النهائي للبدء بالعمل في حقل كاريش “هو سلاح البحر الذي سينهي تنفيذ الترتيبات الأخيرة لضمان أمن المشروع
ومن المفترض، بحسب نوعام أمير، “ربط المنصة بحقل “كاريش” وحقول أُخرى في المنطقة، وأن تزود السوق المحلية بنحو نصف حاجتها من الغاز الطبيعي (بدءاً من أيلول/سبتمبر 2022)، على أن تنضم هذه المنصة إلى منصتيْ “تمار” ولفيتان” اللتين تعملان اليوم وتزودان السوق (الإسرائيلي) بالغاز الطبيعي”.
ويشير نوعام أمير إلى أن مَن سيُعطي الضوء الأخضر النهائي للبدء بالعمل في حقل كاريش “هو سلاح البحر الذي سينهي تنفيذ الترتيبات الأخيرة لضمان أمن المشروع. من هذه الناحية، التهديدات من جانب لبنان لا تؤثر كثيراً في المؤسسة الأمنية، لكن يجب أخذها بجدية، ومن ناحية ثانية، من أجل ضمان منشأة اقتصادية في الطاقة واستراتيجية، فهذا جزء مهم من السياسة العسكرية الإسرائيلية. لكن قبل كل شيء، من المعروف أن لبنان غير قادر فعلاً على تهديد إسرائيل عسكرياً، لأن آخر ما يرغب فيه نصرالله الآن هو فتح حرب في مواجهتنا. لكن على الرغم من ذلك، فإنه يجب إيلاء هذه التهديدات أهمية”.
ووفقاً لوزارة الطاقة الإسرائيلية، “سيُستخرج الغاز من الآبار الموجودة على عمق 1700 متر تحت الماء (في حقل كاريش) وعلى مساحة 3-4 كيلومترات مربعة تحت الماء، عبر أنبوب يمر تحت الماء ويتوجه نحو المنصة، حيث ستجري معالجة الغاز الطبيعي، ثم يجري ضخّه إلى السوق المحلية بواسطة أنبوب يصل إلى منطقة الفريديس، حيث سيوصل بشبكة النقل. وبحسب المخطط الأولي، سيكون لإسرائيل 3 حقول للغاز الطبيعي منفصلة، موصولة بالسوق المحلية بواسطة 3 أنظمة إنتاج منفصلة ومستقلة، الأمر الذي يضمن للسوق الإسرائيلية استقلالها في مجال الطاقة. وتشكل هذه الخطوة شرطاً آخر على طريق وقف العمل في الوحدات التي تعمل على الكربون لإنتاج الطاقة”، كما ورد في التقرير الذي نشره موقع “N12” العبري.
الجدير ذكره أن وزيرة الطاقة في حكومة نفتالي بينيت، كارين الهرار، أعلنت، مؤخراً، أنها وجّهت المختصين في وزارتها “الاستعداد للبدء بعملية تنافسية رابعة، للتنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية”، بعدما كانت قد قررت إثر تسلمها منصبها التجميد المؤقت لإصدار التراخيص للتنقيب عن الغاز في ما تسمى “المياه الإقليمية الإسرائيلية”، بسبب نية التركيز على “تطوير طاقات متجددة”.
ولكن معطيات أزمة الغاز في أوروبا، نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، “سرقت الأوراق”، بحسب “يسرائيل هيوم”، وقالت الهرار لمراسلة الصحيفة سونيا غورودسكي أنه إذا ما نجحت التنقيبات، “فسيكون ممكناً زيادة تصدير الغاز من إسرائيل إلى أوروبا”، وهو الأمر الذي يُفسر الدعم الأميركي الضمني لقرار التنقيب الإسرائيلي في حقل “كاريش”. (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، مركز الناطور، يديعوت أحرونوت)