إلى إمداد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة، إتخذ الإتحاد الأوروبي خطوة متقدمة في التصعيد ضد روسيا، بمنح أوكرانيا ومولدوفا صفة الدولتين المرشحتين لعضوية الإتحاد الأوروبي، في الوقت الذي كانت القوات الأوكرانية تخلي آخر مواقعها في مدينة سيفيردونيتسك مما يقرب روسيا من السيطرة الكاملة على الحدود الإدارية لإقليم لوغانسك ويضعف قدرة الجيش الأوكراني على المقاومة في آخر المدن الرئيسية في إقليم دونيتسك المجاور، لا سيما سلوفيانسك وكراماتورسك.
خطوة تصعيدية أخرى أقدمت عليها ليتوانيا بقطع طريق الإمداد عن جيب كالينينغراد الروسي الواقع بين ليتوانيا وبولندا. هذا الجيب جيد التسليح ويضم قاعدة بحرية روسية رئيسية على بحر البلطيق. وقد لوّح الكرملين برد “غير ديبلوماسي” على الخطوة الليتوانية. فماذا لو قررت روسيا فتح ممر آمن إلى الجيب الذي تعتبره موسكو جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية، بينما تعتبره ليتوانيا جزءاً من أراضيها، علماً أنه قبل الحرب العالمية الثانية كان جزءاً من بروسيا التي إندمجت بألمانيا أيام بسمارك؟
بوتين وضع هدفاً للحرب يتمثل في إعادة التعددية السياسية إلى العالم ولو بثمن باهظ. الغرب يحاول الدفاع عن مواقعه وعن نظامه بشتى السبل، حتى ولو قاد ذلك إلى حرب عالمية ثالثة فعلية تكون شرارتها صداماً أميركياً-روسياً مباشراً، تم تفاديه حتى الآن
وليتوانيا اليوم عضو في حلف شمال الأطلسي وفي الإتحاد الأوروبي، وأي هجوم روسي يستهدفها سيستدعي تفعيل البند الخامس من ميثاق الحلف الذي يعتبر أن أي إعتداء على دولة عضو في الحلف بمثابة إعتداء على الأعضاء كافة. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال قبل أيام إن فرنسا ستساعد دول البلطيق في مواجهة روسيا “لأن الحرب قد عادت إلى أوروبا وسينجم عنها عواقب وخيمة”. وألمانيا التي يقض مضجعها خفض إمدادات الغاز الروسي عنها تقول إن موسكو أعلنت عليها “حرباً إقتصادية” عبر خفض إمدادات الغاز إليها، مما سيؤثر على نموها الإقتصادي ويجعلها تتخلى عن صناعات كثيرة وتتهيأ لشتاء قاس، وتقرر على غرار هولندا مثلاً العودة إلى الفحم الحجري لإنتاج الكهرباء، على رغم ما يشكله ذلك من تهديد للبيئة وإنقلاب على معادلات الطاقة النظيفة.
الخطوتان الأوروبيتان المذكورتان، إذا كان المتوخى منهما زيادة الضغط على روسيا لحملها على وقف الحرب، فإنهما تحدثان مفعولاً عكسياً سيزيد من تصميم بوتين على المضي في الحرب، وتعززان سرديته الدائمة من أن الغرب يكره روسيا ويحاول تدميرها منذ أمد بعيد.
التطورات المتسارعة أوروبياً ومُضي الرئيس الأميركي جو بايدن في إرسال المزيد من السلاح، كماً ونوعاً، إلى أوكرانيا، حملت الباحث الأميركي من أصل روسي ديميتري سايمز على التحذير في مقال كتبه لمجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية، من “أن افتراض أن روسيا ستتصرف وفقاً للتعريفات الأميركية للحذر، سيقود إلى أخطاء قاتلة”.. هذا التحذير ينطوي على تساؤل جدي حيال إمكان تطور النزاع على أوكرانيا إلى حرب أميركية-روسية مباشرة.
والإستنتاج الذي توصل إليه سايمز، يأتي بمثابة رد على دعوات تطلق في الولايات المتحدة تعتبر أن إختصار الحرب الأوكرانية، لن يتم إلا بإرسال الولايات المتحدة أسلحة متطورة جداً إلى الجيش الأوكراني، وليس من طريق إلتزام الحذر على هذا الصعيد. الكاتب في موقع “ذا هيل” الأميركي ديفيد أ. سوبر يشدّد على “أن هدفنا يجب أن يكون تأهيل الأوكرانيين لإستعادة أراضيهم بأسرع ما يمكن. وهذا ما سينقذ الأرواح – على الجانبين الأوكراني والروسي – على حد سواء – ويُقلّل من فرص شل الإقتصاد العالمي وتفادي الجوع الوشيك الذي يتسبب به الحصار الروسي على موانىء تصدير القمح الأوكراني. والطريقة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف تكمن في تعزيز قوة الأوكرانيين”.
كل المواقف والأفعال لا توحي بأن الحرب الروسية -الأوكرانية، إذا لم تتوقف، ستبقى محصورة في أوكرانيا
والكاتبان بيتر ويلسون ووليم كورتني في الموقع ذاته، يريان أن إنهيار الجيش الروسي في أوكرانيا أمر ممكن وأن “توسلات” بعض الخبراء في السياسة الخارجية لروسيا تخطىء الهدف. ويعتبران “أن الميدان مرنٌ ومن الممكن أن ينقلب لمصلحة أوكرانيا أو ضدها. ولذلك، يتعين على الغرب الإستعداد بتعقل لنجاح أوكراني، وكذلك لحصيلة أقل من المرتجاة”.
بوتين وضع هدفاً للحرب يتمثل في إعادة التعددية السياسية إلى العالم ولو بثمن باهظ. الغرب يحاول الدفاع عن مواقعه وعن نظامه بشتى السبل، حتى ولو قاد ذلك إلى حرب عالمية ثالثة فعلية تكون شرارتها صداماً أميركياً-روسياً مباشراً، تم تفاديه حتى الآن.
لكن من غير المضمون أن يستمر هذا الإتجاه، إذا ما قرر حلف شمال الأطلسي مثلاً إستخدام القوة لفك الحصار عن موانىء القمح الأوكراني في أوديسا تحت شعار تفادي موت الملايين جوعاً، أو ماذا يحصل لو قرر بوتين أن يفك عزلة كالينينغراد في ليتوانيا؟
زبدة القول، أن كل المواقف والأفعال لا توحي بأن الحرب الروسية -الأوكرانية، إذا لم تتوقف، ستبقى محصورة في أوكرانيا.