شباب لبنان.. الحقوق والواجبات والهواجس

الاستماع الى تطلعات وهموم الشباب اللبناني كان من بين أهداف مشاركتي في سلسة المحاضرات والندوات التي جرت في الجامعة اللبنانية وتناولت المجتمع اللبناني.

تنوعت المقاربات وتعددت، وحاولت من خلال مشاركتي عرض حقوق المواطن وواجباته في لبنان، وترك مساحة واسعة للطلاب الذين سيتخرجون نهاية العام الدراسي الحالي من كلية الصحة العامة للعمل في مجال الاشراف الصحي والاجتماعي في ما يتوفر من فرص عمل في المنظمات المحلية والدولية العاملة على الاراضي اللبنانية، للتعبير عن رأيهم في مسألة الحقوق والواجبات.

فالطلاب واغلبهم في العشرين من العمر وقلة منهم بلغت الحادية والعشرين ربيعا، اعتبروا انهم يحتاجون وقبل التمتع بالحقوق التي تضمنها الدستور ومنها: الحرية الشخصية (مادة 8)، حرية الاعتقاد (مادة 9)، حرية ابداء الرأي قولا وكتابة وطباعة واجتماعا وتأليفا للجمعيات (مادة 13)، تظاهرا وانتخابا واحترام حرمة المنزل (مادة 14)، احترام الملكية (مادة 15)، والحق في تولي الوظائف العامة وفق الاستحقاق والجدارة (مادة 12)، يحتاجون الى ابسط مقومات الحياة من كهرباء ومياه وتوفر لخدمات الانترنت التي يحتاجونها في دراستهم وحياتهم والى بيئة نظيفة وحتى توافر الخبز في احيان كثيرة، ويحتاجون ايضا الى استقرار الوضع المالي لاهلهم، في ظل الازمة المالية التي تعيشها البلاد لاسباب عدة لن ادخل في تفاصيلها واسبابها.

فنتيجة الظروف الصعبة التي يمر بها اللبنانيون اضطر الطلاب الآتون من مناطق بعيدة الى ترك الامكنة التي كانوا يستأجرونها لعدم تمكن اسرهم من دفع بدلات الايجار، واضطر قسم لا بأس به من الطلاب للعمل الى جانب الدراسة في فترة المساء او في الليل احيان كثيرة لتامين متطلبات دراستهم، وفي مقدمتها كلفة النقل المرتفعة من منازلهم البعيدة عن الكلية في اوقات الحضور الالزامي (ونسبته هذا العام 20% من مجمل ساعات التدريس في المواد كافة) او الى اماكن التدريب العملي.

كل ذلك انعكس سلبا على نمط حياة اولئك الطلاب، كما على دراستهم الجامعية، اذ لم يعد بامكانهم متابعة المواد كافة حتى وان كانت تعطى “اونلاين” ، فكم من مرة كنت اسأل احدههم او احداهن ليكون الجواب انه (ها) في مكان العمل وبامكانه (ها) الاستماع فقط.

هذا غيض من فيض من الامور التي عرضها الطلاب والتي تحول دون الحصول على ابسط حقوقهم التي يحصل عليها المواطن في اغلب دول العالم، سواء في الدراسة ام في حياتهم اليومية.

استمعت، بأسى، الى ما عبّر عنه جيل الغد، عن حقوق المواطن وواجباته. وعند السؤال عن فرص العمل بعد التخرج، كان هاجسهم الاساسي الحصول على فرصة عمل في الخارج سواء في اختصاصهم او غيره، بغية العيش بكرامة وانتشال اسرهم من ضيق العيش

وقد انعكست تلك الاوضاع عند مناقشة واجبات المواطن تجاه الوطن وعلى نظرتهم لمفهوم المواطنة، الذي هو بالاساس انعكاس للتوازن بين الحقوق والواجبات. اذ كيف بامكانهم التعاطي ايجابيا مع هذا المفهوم في ظل غياب ذلك التوازن بين الحقوق والواجبات من جهة وبين المواطنين انفسهم من جهة ثانية في ظل غلبة التوزيع الطائفي على مبدأي الاستحقاق والجدارة في تولي الوظائف العامة من الفئة الخامسة حتى الفئة الاولى، وهي الفئة الوحيدة التي جعلها الدستور “مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص اية وظيفة لاية طائفة” (مادة 95).

كل ذلك ادى الى تعطيل المادة السابعة من الدستور التي نصت على اعتبار “كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمعتون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم”.

استمعت، بأسى، الى ما عبّر عنه جيل الغد، عن حقوق المواطن وواجباته. وعند السؤال عن فرص العمل بعد التخرج، كان هاجسهم الاساسي الحصول على فرصة عمل في الخارج سواء في اختصاصهم او غيره، بغية العيش بكرامة وانتشال اسرهم من ضيق العيش، وهو امر لم يكن ضمن خياراتهم سابقاً كما اعربوا، فهم يحبون البقاء مع اسرهم واصدقائهم وفي ربوع بلادهم.

وانا استمع الى ما قاله الطلاب عن واقعهم وآرائهم، استعدت من الذاكرة القريبة صورا لشابات وشباب من هذا الجيل او اكبر قليلا، ممن اتيحت لهم فرصة الهجرة في السنوات الاخيرة، وهم يقفون صفوفا طويلة وفي ظل درجات حرارة مرتفعة، امام اقلام الاقتراع في الخارج للتعبير من خلال مشاركتهم في الانتخابات النيابية، عن سخطهم على الطبقة السياسية التي اجبرتهم، بما اعتمدته من سياسات خاطئة اوصلت البلد الى “جهنم”، على المغادرة بحثا عن فرص عمل في الخارج بعدما ضاقت بهم السبل في الداخل.

وقد اظهرت نتائج الاقتراع في الخارج ان نسبة لا بأس بها من تلك الفئة قد اقترعت لمصلحة التغيير أملا في احداث ثغرة في الحائط المسدود الذي وصلت اليه البلاد، وبغية الوصول الى غد افضل يعيدهم الى العيش في ربوع الوطن مع اسرهم في حياة كريمة تؤمن لهم تحقيق طموحاتهم ومشاريعهم.

إقرأ على موقع 180  حسين الحسيني.. أناقة السياسة

وكي لا يبقى شباب لبنان، وتحديدا الجامعي منه، مشروع هجرة مؤقتة، وقد تصبح دائمة اذا استمر الوضع على ما هو عليه من ازمات على المستويات كافة، يحتاج البلد الى ورشة عمل جدية وصادقة تضعنا في عداد الدول التي تهتم بثرواتها البشرية وتحسن الاستفادة منها، في ظل ما نشهده من ارباك في الحفاظ على غيرها من الثروات.

[email protected]

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  عنصرية السودان ضد الأكثر سواداً: الموز ووجدي والتظاهرات!