“اليوم التالي” في غزة.. أين السعودية والإمارات وتركيا وقطر؟

Avatar18004/11/2025
تحت عنوان "التدخل الإقليمي في قطاع غزة: السيناريوهات والدلالات"، نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي دراسة مشتركة لكل من يوئيل غوزنسكي وعوفر غوتمان وغاليا ليندشتراوس، تولت "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" ترجمتها من العبرية إلى العربية، وهذا نصها الحرفي نظراً لأهميتة مضمونها:

“إن مستقبل قطاع غزة سيُحسم، ليس في القدس، أو في القطاع نفسه، فحسب، بل أيضاً في الرياض وأبو ظبي وأنقرة والدوحة. فمنذ تطبيق الاتفاق الذي أنهى القتال، تدرس هذه الدول إمكانات مشاركتها في صوغ “اليوم التالي” في غزة. وعلى الرغم من أن السعودية والإمارات رحّبتا بوقف إطلاق النار وأعربتا عن أملهما بتحقيق الاستقرار، فإنهما تشككان في إمكان تنفيذ المخطط الذي صاغته إدارة ترامب بشأن إنهاء الحرب، وتترددان في القيام بدور فعال في تنفيذ فكرة نزع سلاح القطاع، إذ تضعان شروطاً صارمة لمشاركتهما في عمليات إعادة الإعمار: وقف إطلاق نار ثابت وطويل الأمد؛ انسحاب إسرائيلي بالتدريج؛ نزع سلاح “حماس”، على الأقل الأسلحة الهجومية؛ نقل الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية، أو إلى جهة أُخرى ذات شرعية دولية. بالنسبة إليهما، تشكل إعادة إعمار غزة جزءاً من إعادة تشكيل الساحة الفلسطينية، بحيث يتم تعزيز القوى المعتدلة وكبح الحركات الإسلامية. أمّا قطر وتركيا، فهُما، بحسب المعلومات المتوفرة، مستعدتان للبدء فوراً بالعمل على إعادة إعمار القطاع، مع السعي للحفاظ على “حماس”، كلاعب ذي صلة بـ”اليوم التالي”.

إن المغزى المركزي، بالنسبة إلى إسرائيل، الذي ينبع من هذه الصورة، هو تعمُّق المعضلة الاستراتيجية المتعلقة بصوغ “اليوم التالي” في قطاع غزة، وعلى الساحة الفلسطينية بأسرها: ما دامت إسرائيل تعارض إشراك السلطة الفلسطينية فعلياً في السيطرة على القطاع، وترفض الانخراط في مسار “قابل للاستمرار” نحو إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، حسبما تطلب الإمارات والسعودية بالدرجة الأولى، فإن قطر وتركيا ستكونان اللاعبتين الرئيستين في إعادة إعمار قطاع غزة، وهذا سيضمن بقاء “حماس” واستمرار نفوذها.

الشروط والمواقف

تملك السعودية والإمارات أدوات تأثير مهمة يمكن أن تساعد في عملية إعادة إعمار القطاع: تمتلكان رؤوس أموال ضخمة، وخبرة إدارية مثبتة، وفي الحالة السعودية أيضاً، ورقة ضغط دبلوماسية تتمثل في مسار التطبيع مع إسرائيل بالتدريج، لكن تلك المسألة مشروطة بتنفيذ مطالب المملكة في الشأن الفلسطيني ضمن عملية سياسية منظمة، وبرعاية أميركية.

تشترط السعودية مشاركتها في القطاع، وخصوصاً في نقل المساعدات المالية الكبيرة لجهود الإعمار وعملية تسليم الصلاحيات من “حماس” للسلطة الفلسطينية، بنزع سلاح “حماس”، أي بنزع سلاح القطاع بطريقة تمنع عودة “الإرهاب”.

أمّا الإمارات، فهي تنشط حالياً على نطاق واسع في المجال الإنساني، لكنها تشدد على أنها لن تقدّم مساعدات مالية كبيرة لإعادة الإعمار من دون نزع السلاح، وتأسيس بديل حكومي متفق عليه، وإجراء إصلاح شامل في السلطة الفلسطينية، بما في ذلك تبديل القيادة. كذلك، وحسبما أُفيدَ، تراجعت الإمارات عن موافقتها السابقة التي قدّمتها لإدارة الرئيس بايدن بشأن المشاركة في قوة أمنية متعددة الجنسيات تُنشر في القطاع، خوفاً من تعرُّض قواتها للأذى، أو من أن يعتبر البعض أنها تخوض حرب إسرائيل بالنيابة عنها. وفي أي حال، ترى الدول العربية أن مثل هذه القوة يجب أن يكون طابعها شرطياً، أكثر من كونها قوة عسكرية مقاتلة.

الصورة القطرية

بالنسبة إلى قطر، تختلف الصورة، فهي إحدى أبرز الجهات الفاعلة في صوغ الواقع في غزة، وبدرجة أكبر، منذ الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، الذي أدى إلى زيادة التقارب بينها وبين الولايات المتحدة. عملياً، تتحرك قطر بين إظهار الولاء لواشنطن وبين الحفاظ على صورتها، كداعمة للقضية الفلسطينية عموماً، وخصوصاً عبر دعمها لـ”حماس”. ويقدَّر أن قطر دعمت مخطط ترامب، الذي تضمّن بند نزع السلاح، لتضمن استمرار نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، عبر الحفاظ على قوة “حماس”. من المنظور الأميركي، تُعَد قطر اليوم شريكاً موثوقاً به، ساعد على الضغط على “حماس” للموافقة على وقف إطلاق النار، ولذلك، فإن أي محاولة إسرائيلية لإقصائها عن التدخل في القطاع ستُعتبر مساساً بالمصالح الأميركية، وبفرص تنفيذ المخطط الذي وضعته الإدارة. في المقابل، يجد كلٌّ من الرياض وأبو ظبي صعوبة في تقبُّل الدور المركزي الذي منحه الأميركيون لقطر وتركيا، وتريان فيهما منافستين مباشرتين على صوغ مستقبل القطاع.

الدور التركي

في نظر الولايات المتحدة، تُعتبر تركيا أيضاً جهة بنّاءة في جهود تثبيت القطاع، إذ مارست ضغوطاً على “حماس” لقبول مخطط ترامب، لكن دعمها العلني لـ”حماس” أكثر وضوحاً من دعم قطر، فالرئيس رجب طيب أردوغان أكد، مراراً، أن “حماس” ليست تنظيماً “إرهابياً”، بل “حركة تحرُّر”. بعد الاتفاق على مخطط تثبيت القطاع وإعادة إعماره، عيّنت تركيا “منسّقاً للمساعدات الإنسانية لفلسطين”، كان في السابق رئيساً لوكالة الإنقاذ التركية. وأفادت وكالة الأناضول بأن نحو عشرين منظمة حكومية وغير حكومية تركية قدمت مساعدات لغزة منذ اندلاع الحرب، وبعضها استأنف نشاطه هناك. وعلى غرار مصر، تطمح تركيا إلى جني الأرباح المتوقعة من عمليات إعادة الإعمار، من دون المشاركة في التمويل، غير أن التبرعات التركية المستقلة تبقى أيضاً أداة نفوذ في القطاع. ترى تركيا أنها ضامنة لأمن الفلسطينيين، ومن المرجح أنها تعهدت لـ”حماس” بالحفاظ على مكانتها (ولو من وراء الكواليس)، في مقابل موافقتها على المخطط الأميركي، تماماً مثلما دافعت في السابق عن علاقتها بالحركة، بحجة أن لها تأثيراً “معتدلاً” فيها.

بغياب استعداد السعودية والإمارات للاندماج في جهود الإعمار، وبشكل خاص، تمويلاً ودفعاً لمسارات نزع التطرف، من المرجح أن تأتي المساعدات المالية أساساً من قطر، وهو ما يخلق شروطاً تمكّن “حماس” لاحقاً من بسط قبضتها على ذلك الحيّز أيضاً

من وجهة نظر إسرائيل، هذا الموقف التركي، إلى جانب سلسلة خطوات عدائية اتخذتها أنقرة تجاهها، أبرزها إعلان حظر تجاري كامل على إسرائيل في أيار/مايو 2024، دفع القدس إلى السعي لإبعاد تركيا عن وساطة إنهاء الحرب، لكن مساهمة تركيا في إقناع “حماس” بقبول المخطط الأميركي يجعل استبعادها من المشاركة في القطاع أمراً معقداً، على الرغم من أن إسرائيل أوضحت رفضها مشاركة قوات تركية في القوة المتعددة الجنسيات المزمع نشرها لتثبيت الأوضاع في غزة.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل وإيران بلا إتفاق نووي.. ما هي البدائل؟

عوائق ومحفّزات لمشاركة السعودية والإمارات

إلى جانب استعداد تركيا وقطر للتحرك الفوري، تتردد السعودية والإمارات في الانخراط الفعلي لأسباب عديدة:

-الخوف من ضياع الاستثمارات بسبب عدم وجود استقرار مزمن في القطاع، في حين أن لدى دول الخليج مصالح اقتصادية ورغبة في تحقيق عائد لاستثماراتها.

-الضغوط الاقتصادية الداخلية، ولا سيما في السعودية، في ظل انخفاض أسعار النفط والالتزامات في سوريا ولبنان.

-المنافسة بين دول الخليج على قيادة الملف الفلسطيني، وهو مجال تتفوق فيه قطر حالياً، الأمر الذي يجعل الرياض وأبو ظبي أكثر حذراً منها.

-القلق من صورتها أمام الرأي العام، إذا ما فُسِّرت مشاركتها في غزة بأنها تنسيق مع إسرائيل لتقويض الحقوق الفلسطينية، خصوصاً في ظل رفض إسرائيل عودة السلطة إلى القطاع، أو إطلاق مسار “قابل للاستمرار” نحو دولة فلسطينية.

في المقابل، يمكن أن تدفع مجموعة من العوامل في اتجاه مشاركة دول الخليج، منها الضغط الأميركي، وخصوصاً من الرئيس ترامب نفسه، الساعي لاستثمار إنجازه السياسي، فضلاً عن رغبة الرياض وأبو ظبي في التأثير في البنية السياسية في غزة ومنع إعادة بناء نفوذ “حماس” المرتبطة بالإخوان المسلمين. وقد يشكل أيضاً التصور أن التطبيع مع إسرائيل، في مقابل إعادة إعمار القطاع، وسيلةً لتعزيز مكانة دول الخليج وعلاقاتها مع الولايات المتحدة.

مسألة التطبيع

أتاح وقف إطلاق النار وبداية تنفيذ التصور الأميركي لإنهاء الحرب نافذة ضيقة، لكنها ممكنة، لتطبيع مستقبلي بين إسرائيل والسعودية، وربما مع دول إسلامية أُخرى، وذلك بشرط التقدُّم في تنفيذ التصور واستيفاء شروط المملكة، وفي مقدمتها إحراز تقدُّم نحو إقامة دولة فلسطينية. رسمياً، وبالنظر إلى البند الذي يشترط نزع سلاح “حماس”، تبدو الولايات المتحدة أقرب إلى موقف الإمارات والسعودية، غير أن تطورات الميدان قد تدفعها إلى قدر أكبر من المرونة إزاء المطالب القطرية والتركية. وقد يفضي الضغط الأميركي إلى حمل السعودية والإمارات على التعاون والمساهمة في إعادة الإعمار مالياً، ولو بصيغة حذرة ومحدودة، وعلى أساس “الأخذ والعطاء”، أي ضمن تفاهماتهما مع واشنطن، والتي تشمل ملفات إضافية. إن هذه الدول تتروى في خطواتها: فالسعودية، ولا سيما في ضوء الزيارة المرتقبة لولي العهد لواشنطن، قد تربط مستوى تدخُّلها في القطاع بالحصول على أسلحة أميركية متقدمة، والتقدّم في التعاون النووي، ونيل ضمانات أمنية أميركية، ويمكن أن تعزز هذه “الحوافز” دافع السعودية إلى تدخّل أكبر في غزة، لكن الحصول عليها مسبقاً قد يُضعف حافزها على المضي في التطبيع مع إسرائيل، ما لم تربط الإدارة الأميركية بين المسارين بصراحة.

التحليل والسيناريوهات

تبرز مواقف ومصالح السعودية والإمارات وقطر وتركيا من صوغ واقع قطاع غزة والساحة الفلسطينية في “اليوم التالي” للحرب جملة دلالات بشأن سيناريوهات الاستمرار:

انخراط جميع اللاعبين: إنه سيناريو واقعي إذا استجابت إسرائيل لشروط السعودية والإمارات للمشاركة، أي إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع والتزام حل الدولتين. عندئذ، ستستجيب الرياض وأبو ظبي للمساهمة في إعادة إعمار القطاع، تمويلاً وخبرةً، وفي مسارات نزع التطرف، وسيكون في إمكانهما موازنة وتقليص الدور القطري والتركي. وفي موازاة ذلك، إذا نشأت فسحتان متمايزتان في القطاع، مع الوقت، إحداهما تحت سيطرة “حماس”، والأُخرى تحت سيطرة أمنية إسرائيلية، فيمكن للرياض وأبو ظبي ضخ استثمار خليجي طويل الأمد يعزز البديل من حُكم “حماس”، بشرط موافقة إسرائيل على إدخال قوات في السلطة، أو قوى مرتبطة بها، إلى النطاق الواقع تحت سيطرتها.

هيمنة قطرية – تركية: تتكرس ما دامت إسرائيل متمسكة برفض عودة السلطة الفلسطينية، وبتعطيل مسار حلّ الدولتين، بينما تفرض الولايات المتحدة تقدماً في عمليات إعادة الإعمار السريع، حتى من دون نزع السلاح. هذا السيناريو الخطِر سيعزز نفوذ تركيا وقطر و”حماس” في القطاع، وعلى الساحة الفلسطينية عموماً، وسيعمّق الانقسام الخليجي.

الجمود: بموجب هذا السيناريو، تواصل إسرائيل رفض شروط السعودية والإمارات، وتنجح في ردّ المطالبة الأميركية بالتقدم في الإعمار من دون نزع السلاح، وبذلك، تقلّص أيضاً التدخل القطري والتركي. لن ينتقل القطاع إلى مسار إعادة إعمار، وسيبقى مأزقاً إنسانياً وأمنياً، تقع أعباؤه على عاتق إسرائيل وحدها.

الخلاصة

حالياً، لا تبدي الرياض وأبو ظبي حماسة للتدخّل المباشر في قطاع غزة. وربما كان دعمهما للمسارات الدبلوماسية خلال الحرب أداة ضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب وفتح مسار سياسي جديد، لكن الضغوط الاقتصادية، والتنافس الخليجي الداخلي، والنفور من انغماس مفرط في الساحة الفلسطينية، أمور تبطّئ خطواتهما العملية في القطاع. أمّا الدلالة المركزية لإسرائيل، فهي تعميق المعضلة الاستراتيجية بشأن “اليوم التالي” في غزة، وعلى الساحة الفلسطينية برمتها: فطالما تعارض إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة وترفض الانخراط في دفع “مسار قابل للاستمرار” لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح (حسبما تطالب السعودية والإمارات)، فستبقى قطر وتركيا اللاعبتين الرئيستين في إعادة إعمار القطاع، بما يضمن بقاء “حماس”. وستظل هذه المعضلة قائمة، حتى لو أجرت إسرائيل والولايات المتحدة مواءمات في تطبيق تصوّر ترامب، وبدأت إعادة إعمار الجزء الذي يبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، قبل إنجاز نزع السلاح. وفي هذا الحيّز أيضاً، وبغياب استعداد السعودية والإمارات للاندماج في جهود الإعمار، وبشكل خاص، تمويلاً ودفعاً لمسارات نزع التطرف، من المرجح أن تأتي المساعدات المالية أساساً من قطر، وهو ما يخلق شروطاً تمكّن “حماس” لاحقاً من بسط قبضتها على ذلك الحيّز أيضاً”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  حرب غزة.. "كومبارس" وأنظمة بائدة وأحزاب غائبة