إغتيال “الحمساوي” إياد بطّاط بداية “غرفة الحرب الإسرائيلية” (94)

بعد تمكن "إسرائيل" من اغتيال المسؤول العسكري في حركة حماس عادل عوض الله وشقيقه عماد وإستحواذها على الأرشيف العسكري للحركة، وضعت نصب عينيها كيفية إستهداف قادة آخرين ولكن وفق آليات عمل جديدة بين الأجهزة التي كانت تتنافس وتتصرف كـ"الدكاكين"!.

يقول رونين بيرغمان في كتابه “انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية”، إن احد أبرز الاسماء التي التقطت من ارشيف حركة حماس هو إياد بطّاط، الذي كان مسؤولاً عسكرياً رفيعا تتركز مهماته العسكرية في الضفة الغربية، واظهرت الملفات انه كان ضالعاً في نصب الكمائن ضد جنود الجيش “الإسرائيلي” في مناسبات عدة. بعد مرور اشهر على هذا “الاكتشاف”، تمكن “الإسرائيليون” من تتبعه الى منزل آمن في بلدة بيت عوا، فتم وضع خطة لقتله حملت اسم “مخابىء وتنانين”.

يضيف بيرغمان ان موشيه يعالون (الصورة أدناه)، الذي كان انهى ولايته كرئيس لجهاز “أمان” واصبح قائد المنطقة الوسطى في الجيش “الإسرائيلي”، “اتى في 19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1999 الى الموقع المتقدم لقيادة العملية والذي كان عبارة عن خيمة كبيرة قرب بلدة بيت جبرين غير البعيدة عن قرية بيت عوا. علماً انه كان قد مرّ على عملائه ثلاثة ايام من التخطيط، فقد عرف على الفور انهم لا يملكون سوى جزءاً من المعلومات الاستخبارية التي يحتاجونها. لم يكن هناك احد من الوحدة 8200 (ذراع الاشارة في جهاز “أمان”) كما لم يكن هناك احد من الوحدة 9900 (الطائرات المسيرة)، وحتى لو تواجد هؤلاء هناك فلم يكن هناك شاشات لمتابعة عمل المُسيرات، وكان ضابط الاستخبارات في جهاز “الشين بيت” في منطقة اخرى ويعتمد التواصل معه على مدى دقة الاتصالات الهاتفية الخليوية التي لم تكن جيدة حينها.

وينقل بيرغمان عن يعالون القادم من ثقافة عسكرية مختلفة قوله “لقد اتيت من مكان مختلف وثقافة مختلفة. هناك يتم تنفيذ العمل بطريقة مختلفة، حيث لا يمكن تصور ان شخصاً اخر يجب ان يعرف أمراً له علاقة بالعملية ولا يكون بتصرف آمر القوة المكلفة بتنفيذ المهمة”. قرر يعالون ويوفال ديسكين (مسؤول جهاز “الشين بيت” في الضفة الغربية وقطاع غزة) ان الاستمرار في العملية كان مخاطرة غير مقبولة، فقررا إلغاءها ووضعا كل الجهود المكرسة لها في حالة انتظار. وينقل بيرغمان عن ديسكين قوله “عرفنا اننا في بيت عوا. كنا في حالة غباء فسألنا انفسنا ماذا يجب ان نفعل كي لا نكون كذلك في المرة المقبلة؟”

من الناحية النظرية، كان الحل بسيطاً للغاية. وضع كل الاشخاص الضروريين في موقع قيادة العملية بحيث انهم يستطيعون التواصل مع بعضهم البعض وان يراقبوا الشاشات التي تبث داتا المعلومات، وهذا يعني ان يكون هناك في غرفة واحدة كل من “الشين بيت” ووحدة “يمام” ووحدات الكوماندوس التابعة للجيش “الإسرائيلي” (سرييات ميتكال وفلوتيلا 13 وشيري دوفديفان) والوحدة 8200 التابعة لجهاز “امان” والوحدة 9900 وبطبيعة الحال سلاح الجو. يقول ديسكين “يوضع هؤلاء تحت ضوء واضح وليس في خيمة مزرية لتلقي كل المعلومات الضرورية والداتا التي تتوفر”.

لكن تنفيذ هذا الحل كان امراً صعباً لاسباب عدة تتعلق بالمسؤولية والمحاسبة والامرة والسيطرة، بحسب بيرغمان، فقد اعتادت الاذرع المختلفة للمؤسسة العسكرية واجهزة الاستخبارات على مدى سنين ان تعمل بشكل متواز، ولان العملاء كانوا من وحدات مختلفة فقد كانوا يتحدثون بتعابير عسكرية حرفية مختلفة، وفي بعض الاوقات كان البعض منهم مهتماً بممارسة السباق في العمل اكثر من اهتمامه بالامن الوطني. كان على ديسكين في “الشين بيت” ويعالون في الجيش “الإسرائيلي” ان يتجاوزا بعض الاجراءات البيروقراطية وان يبحثا في المصاعب المتعلقة بفرق العمل من اجل احضار كل المعنيين الى مساحة خالية في الطابق الثاني من مقر قيادة “الشين بيت” في القدس الذي بات الآن يسمى، بصورة دقيقة، “غرفة الحرب المشتركة”، وكان اصعب ما في الامر هو انخراط الوحدة 8200 مفخرة سلاح الاشارة في جهاز “امان” التي حاولت المقاومة وفضلت ان يأتي “الشين بيت” اليها بدلاً من الذهاب اليه.

نموذج “غرفة الحرب المشتركة” استخدم في 15 عملية اعتقال وقتل متعمد، وكان هذا النموذج يرتكز بصورة اساسية على الشفافية بين الاجهزة وعلى نظام “تمرير العصا” (كما في سباقات الركض) من جهاز الى آخر الى حين الانتهاء من تنفيذ العملية

يتابع بيرغمان، “في 11 كانون الأول/ديسمبر عام 1999 كان كل شيء قد اصبح جاهزاً للعمل، واشارت المعلومات التي وصلت الى “الشين بيت” ان إياد بطّاط كان يعتزم الذهاب الى المنزل الآمن في بيت عوا خلال الايام القليلة المقبلة، فوُضع المنزل ومحيطه تحت المراقبة الدقيقة، ومن ضمن التدابير الامنية التي كان بطّاط يتخذها، لم يكن يحمل هاتفاً خليوياً ولكن سائقه كان يحمل واحداً فقام جهاز “الشين بيت” بتتبعه، فوجد ان الهاتف وصل الى المنزل في 13 كانون الأول/ديسمبر وتوقف هناك لبرهة ومن ثم تابع الحركة، ما بدا وكأنه أنزل احداً ما. وقد رأت كاميرا إحدى المُسيرات سيارة تتوقف وخرج منها احدٌ ما ودخل المنزل. واشارت المعلومات التي نقلها احد العملاء الميدانيين ان بطّاط وضع نقطة مراقبة مموهة على سطح المنزل لانذاره في حالات الخطر. ادخلت هذه المعلومات إلى اجهزة الكومبيوتر في “غرفة الحرب المشتركة”، فجرى تفعيل اجهزة الاستشعار الحرارية في المسيرات التي كانت تطير فوق المنطقة، فاظهرت وجود شخص (حارس) يختبىء على سطح المنزل”.

إقرأ على موقع 180  ماذا ينفع بايدن لو ربح إسرائيل.. وخسر أوكرانيا؟   

ووفق رواية بيرغمان “تنكر جنود من “وحدة شيري” بزي عربي واتخذوا مواقع لهم في عدد من النقاط حول المنزل، اربعة منهم اتخذوا مخبأ في ظل سلالم قرب حائط خارجي قريباً من مدخل المنزل ولكن بعيداً عن اعين نقطة المراقبة على سطح المنزل”. وينقل بيرغمان عن الون كاستيل، احد المشاركين في الغارة قوله “في الساعة الحادية عشرة ليلاً، كان سكان القرية نياماً، في البداية يكون هناك ارتفاع في نسبة الادرينالين في الدم وانت لا تشعر بالخوف ولكن لاحقاً تصبح في وضع ان الخوف قد بدأ، فتلقينا الامر من قائد الوحدة بالبدء باطلاق النار. قتلنا رجل بطّاط على سطح المنزل في عملية تبادل لاطلاق النار. بعد اطلاق النار نفذنا امر التوقف عن اطلاق النار من اجل تلقي معلومات استخبارية، بعدها سُمعت جلبة داخل المنزل وخرج بطّاط حاملاً بندقيته فتحققت كل القوة المهاجمة من هويته وفتحت النيران عليه”.

يتابع بيرغمان، بعد ذلك اصدر الجيش “الإسرائيلي” بيانا يقول فيه ان احدى وحداته “صادفت” بطّاط ورجلاً ثانياً من “حماس” من المطلوبين وقتلتهما، وكان الهدف من هذا البيان هو تغطية النشاط الاستخباري الكبير الذي كان يتم خلف الستارة. ولكن بالنسبة لـ”الإسرائيليين” انفسهم كان واضحاً ان الاصلاحات التي اجراها “الشين بيت” وانشاء “غرفة الحرب المشتركة” اثبتت فعاليتها، وخلال الاشهر التسعة التالية، فان نموذج “غرفة الحرب المشتركة” استخدم في 15 عملية اعتقال وقتل متعمد، وكان هذا النموذج يرتكز بصورة اساسية على الشفافية بين الاجهزة وعلى نظام “تمرير العصا” (كما في سباقات الركض) من جهاز الى آخر الى حين الانتهاء من تنفيذ العملية.

ان اول مبدأ في نموذج “غرفة الحرب المشتركة” يدعو الى تواجد كل “المجسات” – اجهزة جمع المعلومات التي لها علاقة بالعملية – بالحضور الشخصي لممثليها وبث كل المعلومات التي يحصلون عليها، في توقيت حي، وقد بذل جهاز “الشين بيت” جهداً كبيراً جداً من اجل دمج كل انظمة الكومبيوتر وبرامجها التابعة لأذرع استخبارية وعملياتية مختلفة من اجل التواصل في ما بينها والاتصال مع التجهيزات الفنية في “غرفة الحرب المشتركة”، وكان الهدف هو عرض داتا المعلومات بطريقة تخلق صورة واحدة وسهلة لاستيعاب الوضع. وينقل بيرغمان عن يعالون قوله “ان التفوق الاستخباري وتركيز كل المصادر الممكنة هو في اساس قدرتنا على ضرب اهدافنا”.

اما المبدأ الثاني، فهو تمرير العصا، فقد كانت “غرفة الحرب المشتركة” فعلياً تنقسم الى قسمين، الاول تحت سيطرة “الشين بيت” وكان يسمى “غرفة استخبارات الحرب” حيث يجري تحديد الهدف والتعرف عليه، وبكلام اخر كانت مسؤولية هذا القسم ان يحدد المكان الدقيق لوجود الهدف وضمان ان يكون فعلاً هو الشخص المستهدف، وقد اصطلح على تسمية هذا القسم بـ “التأطير”. وما ان يتم التأكد من ذلك، يتم نقل العصا الى القسم الثاني في الغرفة، وهو تحت مسؤولية الجيش “الإسرائيلي”، الذي يتولى عملية تنفيذ الضربة.

يتابع بيرغمان، “في سبتمبر/ايلول عام 2000 وبعد شهرين من تولي يوفال ديسكين (الصورة أعلاه) منصب نائب رئيس “الشين بيت” وتولي يعالون منصب نائب رئيس الاركان في الجيش، اوصى الرجلان ان يتم تعميم النموذج الذي طوّراه، في قيادة المنطقة الوسطى، على كل انحاء البلاد وان يتم انشاء غرفة حرب لتنفيذ العمليات الاساسية وعمليات القتل المتعمد، فقُبلت التوصية وجرى انشاء مركز جانبي داخل مبنى قيد الانشاء في مقر قيادة “الشين بيت” شمال تل ابيب. وكان توقيت ذلك نوعاً من ضربة حظ”، وهنا ينقل بيرغمان عن ديسكين قوله “لو لم نطبق الثورة التكنولوجية ولو لم ننشىء غرفة حرب خاصة لكان من المشكوك فيه ما اذا كنا قادرين او كيف كنا سنتعامل مع التحديات الكبرى التي نشأت أمامنا خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  جدعون ليفي يروي حكايات من الدم الفلسطيني المُراق في رام الله