رمى الإيرانيون الكرة في ملعب الأميركيين ولم يقدموا جوابهم على الأفكار الأوروبية بصيغة صارمة على طريقة “نقبل أو لا نقبل”، بل تركوا الأبواب مفتوحة أمام الصياغات النهائية لكي تكون أكثر وضوحا، لكن وفق قاعدة أساسية أرادوها أن تحكم الإتفاق المقبل مع 5+1، وهي قاعدة “خطوة مقابل خطوة”.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في أعقاب إنتهاء إجتماعات تقييمية عالية المستوى في طهران ناقشت المسودة الأوروبية بنقاطها التفصيلية، إنه على الجانب الأميركي التحلي بالمرونة، “فقد جاء دوره”. وأضاف “في مفاوضات فيينا، وافق الجانب الأميركي على مقترحات إيران إلى حد نسبي في مسألتين شفهيتين، يجب تحويلهما إلى نص مكتوب، وإبداء المرونة في موضوع واحد. الأيام القادمة أيام مهمة، فإذا قُبِلت أفكارنا، نحن مستعدون لإعلان الإتفاق في اجتماع وزراء الخارجية”.
ويعني ذلك، حسب الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أن المفاوضات النووية في فيينا “بلغت مرحلة متقدمة”، و”من الممكن التوصل قريباً إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي”، على حد تعبير كنعاني.
وقال مستشار الوفد الإيراني المفاوض محمد مرندي “إننا لسنا بعيدين أبداً عن إتفاق محتمل بشأن العودة إلى الإتفاق النووي فالقضايا العالقة تم حلها وفرص التوصل إلى اتفاق باتت كبيرة جداً”.
من الملاحظ أن إيران تراجعت عن العديد من شروطها وقبلت مسودة الخطة الأوروبية ولكن على قاعدة أنه إذا تم رفع العقوبات بشكل تدريجي ستكون عودة إيران إلى الشروط السابقة للبرنامج النووي تدريجية أيضًا، أي أنها ستعمل على قاعدة “خطوة مقابل خطوة”
ومن يراقب المشهد الإيراني، سياسياً وإعلامياً، يجد شبه إجماع حول المضي في الإتفاق. هذا هو لسان حال الإصلاحيين لكن الأهم أن المحافظين الذين كانوا ضد الاتفاق سابقاً باتوا يتحدثون الآن عن “ظروف وشروط أفضل”، وهم يعرفون جيداً أن الشرط الرئيسي لنجاح حكومة إبراهيم رئيسي المحافظة في تنفيذ برامجها الاقتصادية هو رفع العقوبات الأميركية.
ماذا تضمن الرد الإيراني؟
من الملاحظ أن إيران تراجعت عن العديد من شروطها وقبلت مسودة الخطة الأوروبية ولكن على قاعدة أنه إذا تم رفع العقوبات بشكل تدريجي ستكون عودة إيران إلى الشروط السابقة للبرنامج النووي تدريجية أيضًا، أي أنها ستعمل على قاعدة “خطوة مقابل خطوة”.
بعبارة أخرى، تقول إيران إنها ستبقي على الوضع الراهن في برنامجها النووي، لكن كلما رفعت العقوبات، ستتراجع خطوة إلى الوراء. لتوضيح موقف إيران، يمكن تقديم المثل الآتي:
- كمية احتياطيات اليورانيوم المخصب فوق 20٪، هي من أبرز المشاكل لدى الغرب، ويجب على إيران نقلها إلى روسيا بموجب الاتفاق النووي (2015). تقول إيران إنني سأنقلها إلى موسكو لكن بعد الإفراج عن أموال إيران المحتجزة في البنوك الأجنبية.
وبالطريقة نفسها ستنفذ إيران بقية التزاماتها النووية بالعودة إلى الظروف او الشروط السابقة، أي ظروف اتفاقية 2015، وبالتالي فإن تنفيذ الاتفاق سيكون خطوة مقابل خطوة اي ان صح التعبير خطوة إيرانية مقابل خطوة أميركية (وقف التخصيب فوق 5٪ إيرانياً مقابل خطوة أميركية ما؛ وقف عمل أجهزة الطرد المركزي IR6 إيرانياً مقابل خطوة أميركية؛ إيقاف أجهزة الطرد المركزي التي يزيد عددها عن 6000 مقابل خطوة أميركية؛ إعادة تفعيل كاميرات المراقبة الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة مقابل خطوة أميركية إلخ..). وتصبح القاعدة مقلوبة في حال تراجع الأميركيين عن أي من إلتزاماتهم، فإذا أعادوا فرض عقوبات معينة، تتخذ إيران إجراءات نووية مضادة.
يمكن القول إن صيغة “خطوة مقابل خطوة” هي النقطة الأبرز في الجواب الإيراني الذي تسلمه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فضلاً عن إغلاق ملف إتهام إيران بإضفاء بعد عسكري على ملفها النووي.
وهذا الأمر بقي مؤخراً قيد النقاش بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول مزاعم الوكالة تتعلق بشأن وجود “ثلاثة مواقع سرية” إيرانية كانت تجري فيها أنشطة نووية خارج رقابة الوكالة، في حين أن طهران تقول إن هذه المعلومات مصدرها “تقارير اسرائيلية كاذبة ولذلك يجب على الوكالة التراجع عنها بشكل نهائي بدعم من مجموعة 5+1”.
ويقول مصدر قريب جداً من الفريق المفاوض برئاسة علي باقري كني إن الأطراف المختلفة في 5+1 تحاول حل هذه القضية مع الوكالة الدولية، فإذا أُغلق هذا الملف “سيتم توقيع الاتفاق النهائي خلال ایام معدودة”.
الجدير ذكره أن إيران في أجوبتها لم تعد تطالب بالتراجع عن تصنيف الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة المنظمات الارهابية، حسب تصنيف الحكومة الأميركية.
هذه الخطة التي اقترحتها إيران وسلمتها للاتحاد الأوروبي الليلة الماضية سبقها إجتماع أخير للمجلس الأعلى للأمن القومي برئاسة رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي ناقش ملف مفاوضات فيينا، ولا سيما سبل تحرر إيران من العقوبات المفروضة عليها أميركياً وغربياً. وجدد المجلس ثقته بالفريق الإيراني المفاوض وبكل المؤسسات ذات الصلة بالملف النووي.