جبل لبنان التاريخي.. لبنان الحالي وأكثر

تناولت مقالة الأسبوع الماضي، ولادة الدولة اللبنانية الثالثة في الأول من أيلول/سبتمبر 1920، وهي الدولة التي سبقت ظهور كل الدول العربية في القرن العشرين ما عدا مصر، والمقالة التالية تبحث في كيفية استعادة لبنان للأقضية الأربعة التي كانت جزءاً لا يتجزأ منه طوال حقب التاريخ.

درجت “الشائعات المبلبلات” على قطع الصلة التاريخية والإدارية والسياسية بين جبل لبنان والأقضية الأربعة التي تشكلت منها مجتمعة الدولة اللبنانية الحديثة في عام 1920، مما كاد يترسخ في الأذهان أن جبل لبنان مفصول عن الأقضية الأربعة، والأخيرة لا صلة لها بالجبل، في حين أن للتاريخ قوله القائل بأن جبل لبنان ليس تلك المساحة السياسية التي حددها “نظام المتصرفية” بعد حوادث عام 1860 ولا تلك البقعة الجغرافية المحصورة في سلسلة الجبال الغربية، فجبل لبنان التاريخي هو كل لبنان الحالي وأكثر.

في “معجم البلدان” لياقوت الحموي (ت ـ 1228) أن “لبنان جبل مطل على حمص، يجيء من العرج الذي بين مكة المدينة حتى يتصل بالشام، وما كان بفلسطين فهو جبل الحمل، وما كان بالأردن فهو جبل الجليل، وبدمشق سنير، وبحلب وحمص وحماه لبنان، وفي هذا الجبل المسمى بلبنان كورة في حمص جليلة”، وعن مدينة صفد الفلسطينية يقول “صفد مدينة في جبل عاملة المطلة على حمص بالشام وهي من جبال لبنان”.

قبل ياقوت الحموي بما يزيد عن ألف سنة كتب المؤرخ فلافيوس يوسيفوس (ت ـ حوالي 100 للميلاد) أن “منابع نهر الأردن تتدفق من جبل لبنان”، وليأتي بعده بأكثر من ألفية كاملة مؤرخ الحروب الصليبية وليم الصوري (1130ـ 1186) ليكتب “كانت مدينة صور في قبضة الجاحدين، وكان الأمير هيج دي سانت دائم الهجمات على صور، فعزم على بناء حصن على قمة أحد الجبال المطلة على صور، وكان الإسم الأصلي هو تبنبن ـ بلدة تبنين ـ ولما كان الحصن واقعا على جبل شاهق شديد الإنحدار، فقد أطلق عليه اسم تورون، وهو يوجد في ما بين البحر وجبل لبنان”.

هذا التصنيف الذي لا يفصل بين جبل لبنان والجغرافيا اللبنانية الأخرى، تعتمده كتابات الرحالة العرب أيضا، ففي “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” لشمس الدين المقدسي (946 ـ 100 م) ان “جبل عاملة ذو قرى نفيسة وأعناب وأثمار وزيتون، يطل على البحر ويتصل بجبل لبنان”، وفي “نخبة الدهر في عجائب البر والبحر” لشمس الدين الدمشقي (1256 ـ 1327) المعروف بشيخ الربوة “جبل عاملة بأرض كنعان وفلسطين ويتصل بلبنان وهو المطل على البحر الرومي”، ولأبي عبد الله الصنهاجي الحميري في “الروض المعطار في خبر الأقطار” أن مدينة تدمر “من مدن الشام بالبرية، وجبل لبنان بالقرب من هذا الموضع”.

يكشف العميد ريمون أنه يملك “خريطة للبنان جرى إعدادها عام 1862، خلال الحملة الفرنسية التي ارسلت الى لبنان في ذلك الحين، وهي حملة أرسلت عام 1860 بموافقة الدول الخمس الكبرى آنذاك، هذه الخريطة هي خريطة لبنان بحدوده الحالية ما عدا بعض التغييرات في جنوب لبنان في منطقة الحولة ـ التي ـ باعتها الدولة العثمانية لليهود عام 1914”

أولاً؛ البقاع اللبناني:

إن الربط المسبوق الذكر بين تدمر وجبل لبنان، سيعيده الصنهاجي الحميري أكثر من مرة، ويؤدي هذا الربط للحديث عن البقاع، وفيه ما يقال الكثير:

في “المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية” ليحيى بن أبي الصفا المعروف بإبن محاسن (ت ـ1643) “قرية الهرمل نزهة للمتنزه ليس لها نظير في أشجارها ومياهها ـ وـ صار وقت السحر فشددنا العزم للسفر، وحصل لنا في هذه الرحلة مشقة عظيمة لا توصف، فإنها عبارة عن الصعود في خمسين جبلا، ومررنا على واد يقال له وادي السبع، وبالجملة فأبهة هذه الجبال ومشاهدة بالعيان لأنها معدودة من جبل لبنان الذي يأوي إليه السائحون ويتقصد العبادة به العابدون”.

ويرى شيخ الربوة “بأذيال لبنان مدينة كامد وهو عمل من أعمال بعلبك، وكسروان من عمل بعلبك والجرد والبصة وجبل الظنين ـ الضنية”، وفي “التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية” لعبد الغني النابلسي (1641ـ 1731) أن بعلبك من ساحات لبنان، وأنشد فيها شعرا:

سلام على الوادي بساحة لبنان/ وما قد حوى من أهل روح وريحان

سلام على أرض البقاع التي زهت/ بأسرار قوم أهل جود وإحسان.

وللبطريرك اسطفان الدويهي (1630 ـ1704) ما يقوله في شأن البقاع ومدينة بعلبك بالتحديد، ففي كتابه “تاريخ الطائفة المارونية” يقول “قال الرواة إن قلعة بعلبك هذه في جبل لبنان هي أقدم ما بناه البشر في الدنيا بأسرها”، وعلى هذه الخطى سيخطو انطونيوس بوخطار العينطوريني المتوفي في سنة 1821، إذ سيستعيد في “مختصر تاريخ جبل لبنان” ما كان الدويهي قد سبقه إليه “إن قلعة بعلبك في جبل لبنان أقدم من جميع البناء الذي على الأرض”.

في عدد مجلة “الهلال” المصرية الصادر في الأول من شباط/فبراير 1913، تحقيق طويل عن “متصرفية جبل لبنان” وكيفية إخراج منطقة البقاع منها، وحسب ما تقوله “الهلال” إنه بعد مغادرة داوود باشا المتصرفية “خلفه فرانكو باشا الحلبي اللاتيني من سنة 1868 إلى 1873، وفي أيامه تم سلخ البقاع عن لبنان وألحق بولاية سوريا، وكان البقاع داخلا في حكومة لبنان من زمن بني معن وشهاب إلى حادثة الستين ـ 1860″، وفي عام 1916، سيصدر بولس مسعد (غير البطريرك بولس مسعد) كتابه “الدولة العثمانية في لبنان وسوريا”، وسيقول فيه “خلف داوود باشا على ولاية جبل لبنان فرنقو باشا الحلبي، فسلخ سهل البقاع المشهور بخصبه عن لبنان وألحقه بولاية سوريا”.

 وفي كتاب “قرى جبل عامل” يطل الشيخ أحمد رضا على هذا التحول من زاوية مختلفة إلا انها تنتج المعنى ذاته، فمدينة جزين “وما إليها كانت عاملية، ومشغرة وكرك نوح حتى بعلبك كانت عاملية، وكانت بتصرف الأمراء الحرافشة، وهكذا الحال إلى أن دخلت جزين وما إليها في لبنان القديم، ومشغرة وبعلبك وما إليهما إلى ولاية الشام”، وعلى ما يذكر محمد قره علي (1913 ـ 1987) الذي حرر مذكرات السياسي والمتمول البيروتي عارف بك النعماني (1882 ـ 1955) أن الأخير كان يلح على الجنرال غورو بإعادة البقاع إلى لبنان، وذلك قبل إعلان دولة لبنان الكبير.

ثانياً؛ جبل عامل اللبناني:

بالعودة إلى مجلة “الهلال” أن حدود لبنان “اختلفت بإختلاف الأعصر، كان هذا الإسم قديما يشمل لبنان المعروف الآن (1913) وما يحيط به من السهول والمدن من الجهات الأربع، فكان يراد بلبنان في ذلك العهد جزيرة أرواد وساحل طرطوس وحصن الأكراد، وسنجق حماه وعكار والضنية وطرابلس والكورة وبشري والبترون وجبيل وكسروان، وساحل بيروت والعرقوب والشوف وإقليم الخروب وجزين وزحلة وإقليم التفاح وصيدا، وجبل الريحان وإقليم الشومار وصور وعكا وبلاد الشقيف وبلاد بشارة، وصفد ومرجعيون والحولة ووداي التيم والبقاع وحمص وجبل القلمون ووادي بردى ودمشق ووادي العجم وإقليم البلان”.

وبمساحة أقل من ذلك، كان ابراهيم بك الأسود قد تحدث في كتابه “ذخائر لبنان” الصادر عام 1897 عن “المطبعة العثمانية” في بلدة بعبدا  فقال “لبنان يشتمل على سلسلتي جبال على شاطىء البحر المتوسط تمتدان من الشمال الى الجنوب، ولا يصح فصلهما إلى جبلين منفردين، وخصوصا لأن التاريخ القديم يقضي بإعتبارهما جبلا واحدا، الغربي تبتدىء سلسلته من وادي قلعة الحصن ودير الحميراء بالقرب من جبال النصيرية وتنتهي في وادي الليطاني عند قلعة الشقيف جنوبا، وأما الشرقي فتسير سلسلته على بعد مرحلة من حمص تجاه آخر جبال النصيرية ثم تأخذ إلى الجنوب الغربي وبينها وبين السلسلة الغربية سهول بعلبك وبقاع العزيز، وأعلى رؤوس لبنان الشرقي جبل الشيخ، وتمتد من هذا الجبل شعبة إلى الجنوب الشرقي والجنوب البحت، وتنتهي في موضع يقال له تل الفرس” في مرتفعات الجولان.

وما يقارب ذلك جنوبا، كان البطريرك اسطفان الدويهي قد اشار إليه في “تاريخ الأزمنة” حين قال “وفي عام 1165 ميلادية سار نور الدين ـ الزنكي ـ إلى فتح بانياس ـ جبل الشيخ ـ التي في جبل لبنان” (راجع في 180post: مدينة عكا هل تعود لبنانية؟)، وهذه الوحدة الجغراـ سياسية بين جنوب لبنان وجبل لبنان، سيلاحظها عيسى اسكندر المعلوف في “تاريخ البقاع وسوريا المجوفة” الصادر عام 1917 إذ يقول “إن بعض المؤرخين  أوصل لبنان بعاملة  حيث قال إن لبنان هي السلسلة الجبلية بين عكا وطرابلس والوحدة ذاتها ستأخذ تعبيراتها بأشكال متعددة في كتابات العديد من مفكري وفقهاء جبل عامل في مرحلة ما بعد ظهور الدولة اللبنانية الثالثة عام 1920، ومنها:

إقرأ على موقع 180  الشعر والشاعرات والمنابر.. هل إنتهى الفكر الذكوري؟

ـ يكتب الشيخ أحمد رضا في مجلة “العرفان” اللبنانية (9 ـ 6 ـ 1910) إن “بلاد جبل عامل ألحقت بحكومة جبل لبنان في زمن الأمير فخر الدين المعني”.

ـ ينقل الشيخ محمد تقي الفقيه في كتابه “جبل عامل في التاريخ” عن ياقوت الحموي قوله “مشغرة على سفح جبل لبنان وجبال عاملة من جبال لبنان” وأما الرأي الذي ينتهي إليه الفقيه فيحدده بالتالي “والذي نستقر به أن جبل عامل إسم لمجموع لبنان، ويدلنا على ذلك عد الكرك منها في كلمات جملة المؤرخين، وأكبر شاهد على ذلك قول المغربي إنها عل سفح جبل لبنان وهو أشهرها، يعني أشهر جبال عاملة فهو منها ولكن شهرته أكثر من شهرتها”.

ـ يُلفت الشيخ ابراهيم سليمان في “بلدان جبل عامل” إلى الصلة بين جبلي عامل ولبنان بقوله “وأما جبل لبنان فيظهر من كثير أنه جزء من جبال بني عاملة أو هي جزء منه”.

ـ يورد شبيب باشا الأسعد (1852ـ 1917) في “العقد المنضد” أن “بعض المؤرخين أوصل لبنان بعاملة ولم يفرق بينهما حيث قال إن لبنان هي السلسلة التي ما بين عكا وطرابلس”.

ـ يستحضر العلامة أحمد رضا في مذكراته يوم الثاني من شباط/فبراير 1920 فيقول “علمنا صباح اليوم بما انجلى عنه سفر الوفد العاملي إلي بيروت، وذلك أنهم وعدوا الجنرال غورو بأن يطلبوا من المؤتمر إلحاق جبل عامل بلبنان، وكتبوا بذلك معروضا للمؤتمر، ومعه معروض آخر للجنرال، ومآل الأول أننا اجتمعنا وقررنا أن يرجع لبنان إلى حدوده القديمة فيشمل جبل عامل، ومآل الثاني ان يطلبوا من الجنرال غورو رفع هذا التقرير إلى مؤتمر السلام العام”.

ـ ينشر الشيخ موسى السبيتي (الأعمال الكاملة) في نيسان/ابريل 1947 مقالة جاء فيها “من الواقع المشاهد أن لبنان أرقى بقعة في الشرق في المدنية والحضارة والثقافة والتشريع والسياسة” وفي أيلول/سبتمبر من العام نفسه كتب “جميع ما قام به رجال العرب، كان للبنان السهم الرابح به، حتى ظفر لبنان بإستقلاله”.

عام 1919 نشر بولس نجيم مقالة استخدم فيها مصطلح لبنان الكبير، فكانت تلك هي المرة الأولى التي يخرج فيها هذا المصطلح إلى الوجود كما يقول المؤرح مروان البحيري في “الحياة الفكرية في المشرق العربي 1890 ـ 1939″، وهذا الرأي سيأخذ به المؤرخ كمال الصليبي في حوار أجرته معه مجلة “المستقبل العربي”

ثالثاً؛ جدال الحدود:

في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر1920 نشرت صحيفة “الكرمل” الفلسطينية تقريرا بعنوان “بين فلسطين ولبنان ومنطقة دمشق” احتوى التالي “يبتدىء الخط الفاصل بين لبنان وفلسطين غربا من الناقورة، ويتجه على خط معتدل إلى الشرق إلى مقربة من بحيرة الحولة الداخلة في فلسطين، ثم يصعد إلى الشمال حتى نهر الحاصباني، ويتجه الى الشرق حتى بانياس التي هي نقطة مثلثة الحدود بين فلسطين وبيروت ودمشق، ومن بانياس يتجه الخط الذي يفصل لبنان الكبير عن منطقة دمشق، فيضم مجدل شمس ودير قانون إلى منطقة دمشق، وإقليم البلان وكفر الزيات والجبل الشرقي والزبداني إلى لبنان الكبير”.

ما يستدعي التوقف حياله خروج منطقة الحولة من الإطار اللبناني وإلحاقها بالإحتلال الإسرائيلي، ويكشف العميد ريمون إده (صحيفة “الأنوار” – 29 ـ 5 ـ 1990) أنه يملك “خريطة للبنان جرى إعدادها عام 1862، خلال الحملة الفرنسية التي ارسلت الى لبنان في ذلك الحين، وهي حملة أرسلت عام 1860 بموافقة الدول الخمس الكبرى آنذاك، هذه الخريطة هي خريطة لبنان بحدوده الحالية ما عدا بعض التغييرات في جنوب لبنان في منطقة الحولة ـ التي ـ باعتها الدولة العثمانية لليهود عام 1914″، والقيمة التاريخية لهذه الخريطة العائدة للقرن التاسع عشر، تكمن في الوضوح المبكر للجغرافيا السياسية اللبنانية وبما لا ينطبق على أي من الدول العربية (ما عدا مصر) التي نشأت لاحقا، وكانت خاضعة كما لبنان للسلطنة العثمانية في تلك الفترة.

وقبل التوصل إلى إقرار نظام المتصرفية عام 1861 طرح المندوب الفرنسي ان تشمل متصرفية جبل لبنان حاصبيا وراشيا ومرجعيون وصيدا وطرابلس وعكار والبقاع، ولكن المعارضة الإنكليزية ضيقت حدود المتصرفية إلى ما صارت عليه مثلما يؤكد المؤرخ عصام خليفة في “الحدود الجنوبية للبنان”، وهذا التقطيع البائس للبنان واختصاره بحدود المتصرفية لم يثن البطريرك بولس مسعد عن قناعته كما يقول خليفة بأن “جبل لبنان كما يشهد علم الجغرافيا يبتدىء لجهة الشمال من حدود جبال النصيرية الفاصلة بينه وبينها النهر الكبير وينتهي لجهة الجنوب عند مرج إبن عامر إلى شرقي عكا”.

وهذا الجدال الحدودي لن يكون الباحث والأكاديمي كمال ديب بعيدا عنه، ففي مقالة له في “الأخبار” البيروتية (18 ـ 11 ـ 2020) أن الجنرال غورو “أعلن دولة لبنان الكبير بمساحة 12 ألف كلم2، فالخرائط التي جعلت الحدود بين منطقة الإنتداب الفرنسي ومنطقة الإنتداب البريطاني، لم تُرسم عشوائيا، بل وضعت خطا يمتد من مدينة عكا إلى بحيرة طبريا، بحيث يبقى الجليل الأعلى بأكمله في لبنان، وكذلك نهر الليطاني ومصادر مياه نهر الأردن، وبحيرة طبريا وصفد، كانت دائما جزءاً من الإمارة اللبنانية منذ عهد الأمير فخر الدين الثاني، وفيها 30 بلدة وقرية على الأقل انتمت جغرافيا واجتماعيا إلى جنوب لبنان، إلّا أنّ المنظمة الصهيونية واصلت ضغوطها في مؤتمرات السلم الدولية في لندن وباريس لتوسيع حدود فلسطين الإنتدابية شمالاً، حيث أرادت بناء دولة لليهود”.

وعلى أي حال، فقد سبق إعلان دولة الكبير جدال عالي المستوى حول انعدام قدرة استمرار لبنان الصغير ونظام المتصرفية والمطالبة بالعودة إلى لبنان الطبيعي (الكبير)، ففي عام 1908، أصدر بولس نجيم كتاب “المسألة اللبنانية” (La question du Liban) الذي يتوزع على 550 صفحة ويدعو من خلاله إلى إحياء الإمارة اللبنانية العائدة إلى الدولة المعنية بقيادة فخر الدين الثاني، وفي عام 1919 نشر مقالة استخدم فيها مصطلح لبنان الكبير، فكانت تلك هي المرة الأولى التي يخرج فيها هذا المصطلح إلى الوجود كما يقول المؤرح مروان البحيري في “الحياة الفكرية في المشرق العربي 1890 ـ 1939″، وهذا الرأي سيأخذ به المؤرخ كمال الصليبي في حوار أجرته معه مجلة “المستقبل العربي” في عددها الصادر في شهر آب/أغسطس 2010.

وضمن هذا النحو، سيكتب اسكندر عمون في كتابه “الأماني اللبنانية” الصادر عام 1912، فيحتج على العسر الجغرافي لنظام المتصرفية “فلبنان يشكو من ضيق أرضه ومن تضييق مرافقه الحيوية، وأرض لبنان على حدوده الحالية لا تنطبق على تكوينه الجغرافي ولا تاريخه المعروف، وحدود لبنان تمتد على أضيق نظر من بلاد عكار شمالا إلى حدود صور جنوبا”، ومن دعاة لبنان الكبير في الفترة عينها البير نقاش الذي أنشأ أول معمل كهرمائي في لبنان خلال عشرينيات القرن الماضي في قاديشا، وهو مُطلق مشروع “سد القرعون”، وكان كتب عام 1919 عن أهمية الإقلاع عن “لبنان الإداري” أي نظام المتصرفية، والإنطلاق نحو لبنان الطبيعي والتاريخي، وهذا ما استقر عليه يوسف السودا في العام نفسه عبر كتابه “في سبيل لبنان”، فكتب “كانت فينيقيا القديمة حيث يمتد لبنان اليوم بحدوده الطبيعية على وجه التقريب من عكا جنوبا إلى أرواد شمالا”.

ختاماً مع الشعر:

في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1940، نشرت مجلة “العرفان” قصيدة بعنوان “تحية لبنان”، هذه رباعية من أبياتها:

قالوا: الرحيل إلى لبنان بعد غد/ فقلتُ: يا حبذا أفياء لبنانِ

وحبذا شعب هذا الحي من نفر/ شمٌ العرانين من شيب وشبانِ

وحبذا الروض يكسوه الحلا جللا/ من البدائع زهرا ذات أفنانِ

وحبذا الأرز والأرواح خافقة/ والطيرُ تسجع فيه سجع نشوانِ.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الورقة الفرنسية.. الشياطين في التفاصيل وما أكثرها!