خلال تلك الفترة وما بعدها، تلقيت العديد من الرسائل من أصدقاء ومهتمين بالشأن الإيراني يستفسرون عن صحة تلك القصص والمعلومات. وبطبيعة الحال كنت أتفهم دوافع هذه الرسائل. منها ما جاء تعبيراً عن إهتمام وتعاطف مع الجمهورية الاسلامية وقائدها السيد الخامنئي بما يُمثل لهذه الشريحة كمرجع ديني، شأنه شأن بقية المراجع الدينية سواء في النجف أو قم أو بقية المدن الاسلامية؛ أي أن حياة المرجع تعني الكثير لهؤلاء علی مستوی الالتزام والمنهج والسلوك قبل أي شيء آخر. الصنف الثاني من الإستفسارات كان مهتماً بالأمر من زاوية أن غياب المرشد قد يُعدّل موقف إيران في هذا الملف او ذاك وبالتالي يؤثر علی هذه المنطقة أو تلك؛ وبعبارة اخری، الغياب، كما يعتقد هؤلاء، عنصر تغيير جيوسياسي كبير في المنطقة؛ وهذا الوسط اذا لم يكن عدواً لكنه يتمنی تضعيف إيران حتی يستطيع التنفس بأريحية أكبر في الساحة التي يلعب فيها. اما الصنف الثالث فهو يتمنی حصول فراغ دستوري وإندلاع خلافات بشأن تعيين المرشد المقبل، الأمر الذي يفح الباب أمام إحتمال سقوط النظام واستبداله بنظام آخر يتخلى عن الثوابت الثورية التي تمسك بها النظام الإيراني منذ إنتصار الثورة عام 1979.
من حق هذه الشرائح وغيرها أن تُبدي إهتماماً بصحة المرشد وبمستقبل النظام السياسي في إيران؛ لكن من المهم ايضا ان تعرف جميع هذه الاوساط ماهيّة هذا النظام؟ وما تأثير غياب القائد في الساحة السياسية الإيرانية؟.
في العام 1989، غيّب الموت قائد الثورة الإيرانية الذي كان له الفضل الكبير في قيادة أول جمهورية اسلامية إيرانية واشرافه علی تأسيس هذه الجمهورية إستناداً علی دستور تمت كتابته قبل ان يعرض علی الاستفتاء الشعبي في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1979. هذا الدستور افرد فصلاً خاصاً بالمرشد الذي اسماه “الولي الفقيه” او قائد الجمهورية الاسلامية. واستنادا إلی فقرات هذا الفصل تم انتخاب السيد علي الخامنئي قائداً جديداً من قبل مجلس خبراء القيادة الذي ينتخب بشكل مباشر من الشعب.
لم تتغير الاوضاع والظروف السياسية في البلد؛ ولم يلمس المجتمع الاقليمي والدولي تغييراً في السياسات الإيرانية، بل التزم المرشد الجديد بالثوابت التي وردت في الدستور وبالمبادىء التي ارساها الامام الخميني في بناء الجمهورية الاسلامية.
من الصعوبة بمكان نجاح أي مراهنة علی تغيير النظام السياسي أو تغيير المبادىء والثوابت بهذه البساطة والسهولة؛ اللهم إلا إذا حدث متغير خارجي يمكن أن يؤثر علی السياسة الإيرانية، بحيث يدفعها باتجاه التشدد أو الاعتدال
والجدير ذكره أن الامام الخميني لم يُقدِم علی تعيين خليفة له بعد استبعاد الشيخ حسين منتظري من المنصب بسبب خلافات سياسية حدثت بين الرجلين حيث بقی المنصب شاغراً حتی وفاته؛ ما اضطر مجلس خبراء القيادة الإيرانية إلى النظر بانتخاب المرشد الجديد لمنع أي انسداد او فراغ، إذ أن الدستور يسمح بانتخاب شخصية واحدة لمنصب المرشد او القائد او شوری من ثلاث شخصيات او اكثر ينتخبون رئيسا لهم في مجلس الشورى.
وحتى الآن لم يتم إنتخاب خليفة للمرشد، كما يسمح بذلك الدستور؛ لكن المتحدث باسم مجلس خبراء القيادة احمد خاتمي نقل ان المجلس الذي يجتمع بشكل دوري كل ستة اشهر للنظر بكفاءة المرشد الصحية وادائه اقدم علی كتابة مواصفات المرشد استناداً إلی فقرات دستورية بناء علی توصية من المرشد الحالي حتی لا يواجه مجلس الخبراء صعوبات يمكن ان تقف حجر عثرة أمام عمله في المستقبل.
واللافت للإنتباه ان بعض المعلومات تتحدث عن إقدام مجلس خبراء القيادة على تأليف لجنة قامت بترشيح شخصيات لتولي المنصب سواء أكان شخصاً واحداً كمرشد او مجلساً للشوری من شخصيات عدة.
في العام 1989، ومع وفاة الامام الخميني، لم تكن الجمهورية الاسلامية قد اكتسبت الكثير من التجارب، ولم تكن تملك الخبرة المتراكمة اللازمة في الادارة والسياسة والقانون الدستوري وانتقال السلطة. كانت إيران قد خرجت للتو من حرب شنّها رئيس النظام العراقي انذاك صدام حسين؛ ولم تكن الممارسة السياسية ناضجة؛ لكن إيران الآن تملك خبرة متراكمة وقواعد دستورية لانتقال السلطة؛ والاكيد ان هذه الجمهورية تختلف جذرياً حالياً عما كانت عليه في العام 1989؛ ولذلك فان المراهنة علی حدوث فراغ دستوري او تغيير في الثوابت أمرٌ يجافي الحقيقة وبعيدٌ عن الواقع.
وللتوضيح، فإن المرشد يمتلك صلاحية التدخل في القضايا الاستراتيجية التي تؤثر علی مستقبل البلد وخصوصاً تلك المتعلقة بالقضايا الخارجية والعلاقات الدولية الاستراتيجية.
إستناداً إلی ما تقدم، من الصعوبة بمكان نجاح أي مراهنة علی تغيير النظام السياسي أو تغيير المبادىء والثوابت بهذه البساطة والسهولة؛ اللهم إلا إذا حدث متغير خارجي يمكن أن يؤثر علی السياسة الإيرانية، بحيث يدفعها باتجاه التشدد أو الاعتدال.