صارت قضية المُسيرات الإيرانية الشغل الشاغل للبيت الأبيض الذي يجهد لإدانة إيران من خلال مزاعم لم تثبت حتى الآن حول وجود خبراء إيرانيين في جزيرة القرم لمساعدة خبراء روس علی استخدام المُسيّرات الإيرانية، في حين فرض الإتحاد الأوروبي عقوبات علی مؤسسات وشخصيات إيرانية قيل إنّ لها صلة ما بهذه المُسيرات.
هل فعلاً أصبحت هذه المُسيّرات مهمة وخطيرة إلى هذا الحد بعدما كانت مجرد “صور مفبركة” و”ماكيتات” و”نماذج كارتونية”، أم أن وراء هذا التضخيم السياسي والاعلامي دوافع أخری؟
شاطرني مسؤول امريكي الرأي عندما كنا مشاركين في حوار تلفزيوني بشأن هذه المُسيّرات؛ ووافقني عندما قلت إن هذا التصعيد يهدف إلى ممارسة الضغوط القصوی ضد إيران لابتزازها والحصول علی المزيد من التنازلات بعديد الملفات التي تدخل فيها طهران طرفاً سواء كانت المفاوضات النووية المتعثرة أو بقية الملفات الشرق أوسطية.
إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب السابقة حاولت جاهدة في العام 2020 تفعيل آلية “سناب باك” من أجل إعادة فرض العقوبات الأممية علی إيران علی خلفية انتهاك إيران للاتفاق النووي لكن قراءتها كانت تتعارض مع قراءة بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي بما في ذلك العواصم الأوروبية (باريس ولندن) الأعضاء في مجموعة 4+1 ولذلك أُحبِطت مساعيها مرتين؛ الأولى، عندما عرضت قراءتها علی مجلس الأمن؛ والثانية، عندما عرضتها علی منظمة الأمم المتحدة وخرجت بخفي حنين لسبب بسيط هو أنه بات متعذراً على أمريكا تقديم شكوی ضد إيران لأنها لم تعد عضواً في الاتفاق النووي بعد انسحابها منه عام 2018.
وتتيح آلية “سناب باك” إعادة فرض العقوبات الأممية علی إيران في حال طلب دولة طرف في الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 من مجلس الأمن الدولي مناقشة الملف الإيراني بحجة إتهام طهران بانتهاك القرار 2231، فيكون مجلس الأمن معنياً بالنظر بطبيعة هذه الشكوی فإذا تيقن بصحتها يُقدّم إخطاراً ومهلة 30 يوماً من أجل التقيد بالأحكام المنصوص عليها في القرار المذكور.
يُريد الغرب تحقيق هدفين؛ أولهما إجبار إيران على القبول بالمسودة الأوروبية لإعادة إحياء الاتفاق النووي لفرش السجادة الحمراء أمام تدفق الغاز الإيراني للدول الأوروبية قبل حلول الشتاء المقبل؛ وثانيهما دخول النفط الإيراني للسوق العالمية لتحقيق الهدف الأمريكي بزيادة الانتاج وانخفاض أسعار النفط
لكن يبدو أن البعض في الإدارة الأمريكية ولا سيما أصدقاء وزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو مشتاقون لتفعيل آلية “سناب باك” من الباب الأوروبي وتحديداً الفرنسي والبريطاني بدفع أمريكي واضح لتحقيق عدة أهداف، أبرزها إعادة إحكام العقوبات الغربية للإضرار بالإقتصاد الإيراني المُنهك.
حتى الآن لم تتوفر الأرضية القانونية لتفعيل هذه الآلية بسبب الخلاف بين أعضاء مجلس الأمن الدولي حول تفسير القرار 2231 وبنود الاتفاق النووي إضافة إلی وجود خرق واضح لهذا الإتفاق من قبل الدول الأوروبية.
والجدير ذكره أن القرار الأممي 2231 يُحظّر علی إيران بيع وشراء الأسلحة حتی تشرين الأول/أكتوبر 2020 وقد صار هذا التاريخ وراء ظهر الإيرانيين، أما المادة الرابعة من القرار 2231 فإنها تنص على أنه ليس من حق إيران حتی العام 2023 استيراد أو تصدير وسائل وتجهيزات ومواداً وتكنولوجيا مرتبطة بصناعة الصواريخ القادرة علی حمل رؤوس نووية. فعلی قاعدة فرض المحال ليس بمحال، فإن إيران حتی وإن باعت المُسيّرات لروسيا أو غيرها فلا يُعدُ ذلك انتهاكاً للقرار في حين تختلف القراءة الأمريكية عن هذه القراءة التي تعتبر أن المُسيرات تدخل في هذا البند.
من السذاجة بمكان الإقتناع أن ادارة الرئيس بايدن تستطيع تمرير هذه القراءة في مجلس الأمن الدولي علی خلفية التطورات الدولية والاصطفاف المتحقق في مجلس الأمن الدولي والتجاذب الحاد الحاصل في هذا المجلس.
اذن ماذا يريد العالم الغربي؟
بكل بساطة؛ يُريد الغرب تحقيق هدفين؛ أولهما إجبار إيران على القبول بالمسودة الأوروبية لإعادة إحياء الاتفاق النووي لفرش السجادة الحمراء أمام تدفق الغاز الإيراني للدول الأوروبية قبل حلول الشتاء المقبل؛ وثانيهما دخول النفط الإيراني للسوق العالمية لتحقيق الهدف الأمريكي بزيادة الانتاج وانخفاض أسعار النفط لتصل إلی 70 دولاراً للبرميل الواحد، كما صرّح بايدن بعد خطوة “أوبك بلاس” التي خفّضت الإنتاج مليوني برميل يومياً لزيادة الأسعار. هذان الهدفان ليسا بسيطين راهناً لأننا نعلم أن الوضع الإقتصادي المتردي أوروبياً أسقط الحكومة البريطانية، وهو يغور في عمق الحياة الأوروبية ليشكل وضعاً لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
إيران، من جهتها، تعرف ذلك جيداً ولا تُريد الإنخراط في معاكسات مجلس الأمن الدولي؛ فهي أولاً، عرضت استعدادها للتعاون مع الحكومة الأوكرانية لاثبات عدم دخول المُسيّرات الإيرانية في حرب أوكرانيا وهي لا تريد أن تكون طرفاً في هذه الحرب التي رفضتها علی قاعدة رفضها توسل الخيارات العسكرية لحل النزاعات؛ وثانياً، لا تعارض إيران إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي يساهم بدعم جميع الأطراف بما في ذلك الجانب الأمريكي لكن شريطة أن يُحقق مصالحها علی قاعدة “رابح/رابح” وأن تستطيع الاستفادة من المزايا الإقتصادية الواردة في الاتفاق النووي.
من دون ذلك؛ لا تشير التوقعات إلی نجاح العالم الغربي بتفعيل آلية “سناب باك” خصوصاً في ظل اصطفافات العالم الجديد؛ اللهم إلا إذا إتبع هذا العالم الغربي قواعد “الواقعية السياسية” لحل مشاكله مع باقي دول العالم.