عندما يرمي دان حالوتس قنبلته.. فيشعر “برجفة بسيطة” (105)

ينهي الكاتب رونين بيرغمان هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية" برصد ردود الفعل على عملية الاغتيال الدموية للقائد الفلسطيني صلاح شحادة بقنبلة زنة طن من المتفجرات رمتها طائرة حربية على منطقة مكتظة بالأبرياء في غزة، ما أدى سقوط حوالي مائتي شخص بين قتيل وجريح، بينهم سبعة أطفال.

يقول رونين بيرغمان، إن ما يثير الفضول “أنه كانت هناك ادانة دولية خجولة لهذا الهجوم، ولكن في “إسرائيل” كانت هناك عاصفة من الاحتجاج، فوسائل الاعلام، التي كانت عادة ما تُردّد بيانات الناطق باسم الجيش “الإسرائيلي” او “الشين بيت”، كانت ناقدة بشكل قاس، مضخمة للتسريبات التي حصلت عليها من مصادر مجهولة عن الاتهامات المتبادلة بين الذين كانوا على صلة بالعملية، وبدأت ترتفع في “إسرائيل” أكثر فأكثر الأصوات المتسائلة عن الحكمة من استخدام سلاح الاغتيال أو “القتل المتعمد”. اللواء دان حالوتس قائد سلاح الجو حينها، والذي لم يكن على صلة مباشرة بالعملية لأنه كان خارج البلاد، أعرب عن غضبه الشديد من حملة وسائل الاعلام، وأعطى مقابلة لصحيفة “هآرتس” هاجم فيها منتقدي العملية، وركّز في المقابلة على دعمه الكامل لطياريه متجاهلاً تصفية شحادة على الرغم من إعرابه عن “أسفه” للخسائر بالأرواح بين أناس لا علاقة لهم”.

وأشار حالوتس في المقابلة إلى انه بعد وقت قصير من العملية التقى بالطيارين الذين كانوا على علاقة بالغارة الجوية، وقال لهم “يمكنكم يا شباب ان تناموا جيداً في الليل، فقد فعلتم تماماً ما أُمرتم بفعله، ولم تحيدوا مليمتراً الى اليمين او الى اليسار، والذين لديهم مشكلة مع هذه العملية فليأتوا إليّ”، وأضاف حالوتس الذي كان هو نفسه طيار سابق “ومع ذلك إذا كنتم تريدون ان تعرفوا ماذا اشعر عندما ارمي قنبلة سأخبركم: اشعر برجفة بسيطة في جناح الطائرة بعد ثانية من إطلاق القنبلة. هذا كل ما اشعر به”. وقد ألهبت هذه المقابلة المناخ العام أكثر فأكثر وبالأخص جملته “اشعر برجفة بسيطة في جناح الطائرة”، وصار هذا الإقتباس من كلامه تعبيراً عن عدم الاكتراث بحياة الأبرياء، وحتى بعض رجال الجو روّعتهم هذه الجملة. والطيار الذي رمى القنبلة والذي لم يكن مكترثا لأمر من تستهدف الضربة عندما أخبره الضابط الأعلى منه رتبة ان الضربة تستهدف صلاح شحادة فكان جوابه “شيء جميل”، ولكن قال “بعد أيام قليلة من العملية اتاني ثلاثة اشخاص الى مقر قيادة السرب، وكانوا من ضباط الاحتياط، وقالوا لي ماذا فعلت؟ لقد ذهبت، وقتلت، وارتكبت جريمة”، وفق رواية بيرغمان.

رفع شارون صوته مقاطعاً: “أنتم مخطئون، هؤلاء ليسوا شاذين يأتون الى مراكز التدريب وفي آذانهم حلقات وعلى رؤوسهم تجعيدات شعر خضراء، هناك اشخاص في تلك اللوائح قاموا بالأعمال الأكثر جرأة من اجل إسرائيل”. ونظر شارون الى مستشاريه، وقد فهم كم أصبح الوضع رهيباً، وقال لهم “لقد وصلت النار الى القلب”

ويضيف بيرغمان، “وهكذا تنامى التمرد بين الطيارين الاحتياطيين الذين بعد تسريحهم من الخدمة يخدمون يوماً واحداً أسبوعياً في زمن السلم ويعودون الى الخدمة الكاملة في زمن الحرب. وبصورة عامة، فان هؤلاء الضباط يكونون أكبر سناً وباتوا يعيشون حياة مدنية وباتوا يرون العالم بانطباع الحكم الديمقراطي بدلاً من البدلة العسكرية. وقد نشرت مجموعة من هؤلاء – طيارون وضباط احتياط في وحدة سريات ميتكال – رسائل في وسائل الاعلام، ولكن بصورة منفردة، تعلن رفضها المشاركة بأعمال عدائية ضد الفلسطينيين، وبالأخص القتل المتعمد. وكان طيارو سلاح الجو والجنود يعرفون انهم سيدفعون ثمناً غالياً لتوقيعهم العلني على هذه الرسائل، لأنها في الوضع الشعبي المتوتر الناجم عن حمام الدم الذي يخلفه “الارهابيون الانتحاريون” كانت تجعل العديد من “الإسرائيليين” ينظرون اليها على انها لا تقل عن الخيانة وبالنسبة لبعض كبار المسؤولين في الجيش “الإسرائيلي” كان يُنظر اليها على انها رفض لتنفيذ الأوامر في زمن الحرب”.

وأكثر ما شكل صدمة، يقول بيرغمان، “كان توقيع العميد السابق ايفتاح سبكتور، الطيار العسكري الذي حقق رقماً قياسياً عالمياً بإسقاطه 12 طائرة عدوة أسرع من الصوت، وكان يُنظر اليه من قبل الكثيرين على انه أفضل طيار مقاتل في تاريخ “سلاح الجو الإسرائيلي”. ثمة توقيع آخر صادم كان للعقيد يوئيل بيتربيرغ، وهو طيار يقود مروحية عسكرية وحائز على وسام الشجاعة لإنقاذه قوة عسكرية برية وقعت في كمين في جنوب لبنان. وقال بيتربيرغ في مهرجان احتجاجي “شالوم، اسمي يوئيل، كنت في سلاح الجو الإسرائيلي قائد طيارات هليكوبتر من طراز “كوبرا” و”اباتشي” و”بلاك هوك” واليوم انا ارفض ان اخدم في قوات الاحتلال الإسرائيلي.. نحن جنود سلام، سوف نوقف الحرب، سوف نوقف الموت والأسى، وأنتم يا قادة الدولة وقادة الجيش ستواجهون العواقب، ان لم يكن في المحاكم الإسرائيلية ففي محكمة لاهاي وان لم يكن في لاهاي فأمام خالقكم”.

ووفق سردية بيرغمان “قبل الانتفاضة الفلسطينية كان “القتل المتعمد” مبدئياً من صنع فرق عمل صغيرة جداً في “الموساد” وبعيداً عن حدود البلاد، ومن الممكن القول ان ذلك القتل كان يتم من اجل المصلحة الوطنية واي محاسبة أخلاقية كانت تتم فقط لأشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة من العملاء او الوزراء، ولكن عندما تطورت تلك العمليات لتصبح آلة قتل على نطاق واسع بات هناك الاف الأشخاص المتواطئين، وبينهم جنود في الجيش “الإسرائيلي” والعديد البشري لجهاز “الشين بيت” والأشخاص الذين كانوا يجمعون ويحللون ويصفون المعلومات الاستخبارية الصغيرة – كل هؤلاء كانوا متورطين، وفي غالب الأحيان بطرق اكثر أهمية من أولئك الذين ينفذون القتل الفعلي. وفي صيف العام 2002 لم يعد بمقدور أي “إسرائيلي” الادعاء بجهل ما كان يتم فعله باسمه”.

إقرأ على موقع 180  "خطبة الجمعة.. وفوضى المنابر" مرجع علمي وإعلامي

وأكثر ما ووجهت به الاحتجاجات، يضيف بيرغمان “هو الداحضين لها مثل ايهود ياتوم العميل السابق في “الشين بيت” الذي قتل خاطفي (اثنين) الحافلة رقم 300 بعد اسرهما، والذي أصبح سياسيا في حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو (وكان سيصبح عضواً في الكنيست في العام 2003)، فقال ان هؤلاء الذين يرفضون الخدمة العسكرية هم “انهزاميون يجب ادانتهم ومحاكمتهم وتجريدهم من شعارات وحداتهم وطردهم من صفوف الجيش”. وفي الحقيقة فقد أعلن الجيش “الإسرائيلي” انه سيطرد كل من لا يسحب توقيعه من رسائل الاحتجاج. وبعد ثلاثة أيام من نشر رسالة الطيارين اجتمع رئيس الحكومة أرييل شارون بمستشاريه في مزرعة سكامير التي يملكها في جنوب “إسرائيل” حيث قال أحدهم عن الرسالة انها “نحيب الانهزاميين”، ورفع شارون صوته مقاطعاً: “أنتم مخطئون، هؤلاء ليسوا شاذين يأتون الى مراكز التدريب وفي آذانهم حلقات وعلى رؤوسهم تجعيدات شعر خضراء، هناك اشخاص في تلك اللوائح قاموا بالأعمال الأكثر جرأة من اجل إسرائيل”. ونظر شارون الى مستشاريه، وقد فهم كم أصبح الوضع رهيباً، وقال لهم “لقد وصلت النار الى القلب”.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  آثار الانتقام الإيراني.. أمريكا تستعيد هيمنتها على إسرائيل