يقول رونين بيرغمان إن العملية ضد الهدف 7068 وهو مركز مدني لحركة فتح (لم تنفذ بسبب تمرد ضابط شبكة الاستخبارات) في مدينة خان يونس في قطاع غزة، “شكّلت خرقاً منتظماً لتوجيهات سبق لقسم القانون الدولي في الجيش “الإسرائيلي” أن وضعها (ومنها أن الهدف المنوي تصفيته يجب ان يكون شخصاً مرتبطاً بـ”الإرهاب”)، في مؤشر الى الانحدار العام في الاخلاقيات السائدة والمقاييس القانونية. فقد كان هناك توجيه يدعو الى اجراء تحقيق في كل مرة يقتل فيها مدنيون مع الهدف. وفي الحقيقة فان هذا البروتوكول لم يتبع أبداً. فالتحقيق في عملية قتل (القيادي) صلاح شحادة، كان استثناء، وقد توصل الى استنتاج مفاده بأنه يجب الا يقع اللوم على احد في قتل 12 مدنياً خلال تلك العملية، وحتى هذا التحقيق تم اجراؤه بعد ضغط هائل من الرأي العام وبضغوط دولية على إسرائيل”.
ويضيف بيرغمان ان توجيها آخر جرى خرقه وهو ينص على انه يجب الا يحصل القتل المتعمد عندما يكون “الاعتقال بديلاً منطقياً” (اي عندما يكون هناك امكانية لاعتقال “الارهابي” من دون تعريض حياة الجنود والمدنيين للخطر). وينقل بيرغمان عن الجندي في وحدة “الكرز” الاستخبارية ألون كاستيل قوله “لقد تغير كل شيء في خدمتي العسكرية بعد اندلاع الانتفاضة (الفلسطينية عام 2000). قبل ذلك كنا نبذل جهوداً كبيرة لاعتقال الشخص المطلوب حياً، وبعد انطلاقة الانتفاضة، إنتهى هذا النموذج العملياتي، وبات من الواضح أننا نخرج لنقتل”.
ويكشف بيرغمان أن أوامر العمليات في تلك الفترة تشير إلى أن التوقعات كانت أن الشخص المطلوب سيُقتل بمجرد التثبت إيجابياً من هويته. وفي عملية “البرجين” مثلاً ناقض أمر العمليات نفسه، اذ نصّ “اولاً على اعتقال الهدف، ثانياً إذا اثبت التأطير (التثبت ايجابياً من هوية الهدف) وتبين انه مسؤول رفيع في حركة الجهاد الاسلامي (وليد عبيد وزياد ملايشة وادهم يونس)، فان القوة المنفذة مخولة بتنفيذ الاعتراض”. وتعبير “الاعتراض” يعني “التصفية” او “القتل”، وهكذا تكشفت العملية (البرجين) عن ان ملايشة تم “تأطيره” و”اعتراضه” اي اطلاق النار عليه وقتله.
ويتابع بيرغمان، “هناك خرق آخر للبروتوكول الذي وضعه قسم القانون الدولي، تم تكراره نتيجة اعتماد مبدأ ان رئيس الوزراء يملك سلطة اقرار عمليات القتل المتعمد، لكن مسؤولي جهاز “أمان” استاؤوا من حقيقة أن أرييل شارون (رئيس الوزراء) أعطى هذه السلطة العليا لجهاز “الشين بيت”. ولتجاوز توجيهات قسم القانون الدولي، فقد انشأ جهاز “أمان” نظاماً موازياً ومتطابقاً لتنفيذ عمليات القتل المتعمد من دون الحاجة لموافقة شارون، وهو ما سمي “عمليات الاعتراض” ضد اي شخص مرتبط بحيازة الاسلحة وتطويرها وتخزينها ونقلها او استخدامها نيابة عن منظمات “ارهابية”. وينقل بيرغمان عن ضابط رفيع في “أمان” قوله “كانت الأوامر تمنعني من تنفيذ عملية اغتيال، ولكن لم يمنعنا أحد من إطلاق النار على اي شخص يطلق صواريخ القسام او ينقل متفجرات”.
في بعض الحالات ـ يقول بيرغمان ـ “تم تحديد مجموعة تنقل اسلحة او تطلق صواريخ القسام، عندها كان القتل مبرراً، ولكن غالباً ما كانت عمليات “الاعتراض” تعني التخطيط المسبق للاغتيال”. وينقل بيرغمان عن مسؤول في جهاز “أمان” قوله “كنا نسميها عمليات اعتراض ولكنها كانت بالطبع عمليات اغتيال، وكنا ننفذ عملية تلو الأخرى من دون توقف. بعض هذه العمليات العسكرية كانت مشروعة، وبعضها الآخر عمليات اغتيال لإرهابيين أساسيين، والعديد منها كان في المنطقة الرمادية بين الأمرين”.
في صيف العام 2000، تبين أن عدد محاولات الهجوم قد ارتفع بدلاً من ان ينخفض وكان الفلسطينيون يفرخون المزيد والمزيد من الهجمات، وما زاد المخاوف انه مع الوقت ستتمكن المجموعات “الارهابية” من التعلم من تجربة الهزيمة لكل فرد وتتأقلم وتصبح اذكى واعنف ما يقود الى ما يمكن ان يكون تصعيدا بلا نهاية في حرب تكون ايضا بلا نهاية
ومع الوقت، يقول بيرغمان، فان المؤسستين العسكرية والاستخبارية كانتا تخترعان صياغات لضمان كسب البروتوكول الرسمي إلى جانبهما، وبالتالي وسّع الجيش “الإسرائيلي” تدابير اطلاق النار. على سبيل المثال، في المناطق التي ينتشر فيها “الارهابيون”، كانت التعليمات للجنود ان يطلقوا النار على اي شخص، يحمل اي نوع من الاسلحة النارية، او قنابل المولوتوف او اي نوع من المتفجرات، من دون اي انذار، وان يؤكدوا بعدها القتل. ومن اجل خلق وضع يُخرج “الارهابيين” المسلحين من مخابئهم الى الشوارع والازقة بحيث يصبحون عرضة للنيران “الإسرائيلية” تم تطوير تدابير عملياتية اسميت “أرملة العشب”.
وخلال احتدام الصراع في المناطق المحتلة، يضيف بيرغمان، تم استخدام عدة تقنيات لـ”ارملة العشب”، مثل اصطياد مسلحين في مخابئهم وتعريضهم لنيران قناصين مختبئين، وفي احدى التغييرات لهذه التقنية تقوم القوة “الإسرائيلية” باعتقال رفيق لـ”الارهابيين” في منطقة مفتوحة في الشارع لحث المسلحين على الخروج ومهاجمة القوة، وفي تقنية اخرى، تجوب سيارة مصفحة الشارع ذهاباً واياباً مع مكبر للصوت تبث عبره تسجيلان باللغة العربية تتضمن تحدياً مثل “اين ابطال عزالدين القسام الكبار؟ لماذا لا تخرجون الى القتال؟ اظهروا لنا انكم رجالاً”.. واحياناً كانوا يُردّدون اموراً اكثر استفزازاً مثل “كل الجهاديين مخنثين” او “جماعة حماس هم ابناء عاهرات، امهاتكم يجبن الشوارع لممارسة الجنس مجاناً مع من يشاء”. وما هذه سوى عينة مهذبة لان الملاحظات الاخرى غير ملائمة للنشر. وللمفاجأة ربما كانت هذه الطريقة ناجحة، فقد كان المسلحون يخرجون من مخابئهم لاطلاق النار على السيارة التي تستفزهم فينتهي بهم الامر تحت نيران قناص “ارملة العشب المختبىء في شقة ما”.
يقول بيرغمان إن عمليات “ارملة العشب” قتلت العشرات من المسلحين من جميع المنظمات الفلسطينية، لذلك فمن وجهة النظر العسكرية فعل هذا الاسلوب فعله، وحقق الجيش “الإسرائيلي” حرية الحركة في شوارع المدن الفلسطينية، ولكن في افضل الاحوال فان مدى قانونية هذه العمليات يبقى عرضة للنقاش.
يضيف بيرغمان، في صيف العام 2002، كان “الشين بيت” وشركاؤه قادرين على ايقاف اكثر من 80 في المئة من الهجمات قبل تحولها الى هجمات قاتلة، وكان الواضح ان القتل المتعمد ينقذ ارواحاً، ولكن كان هناك ايضا ميل مقلق في الداتا، اذ ان عدد محاولات الهجوم قد ارتفع بدلاً من ان ينخفض وكان الفلسطينيون يفرخون المزيد والمزيد من الهجمات، وما زاد المخاوف انه مع الوقت ستتمكن المجموعات “الارهابية” من التعلم من تجربة الهزيمة لكل فرد وتتأقلم وتصبح اذكى واعنف ما يقود الى ما يمكن ان يكون تصعيدا بلا نهاية في حرب تكون ايضا بلا نهاية.
وينقل بيرغمان عن مسؤول رفيع في “الشين بيت” حينها قوله “شعرنا اننا بحاجة تقريباً الى سنة او ربما اكثر من سنة بقليل لتوجيه ضربة قوية لهم تجعلهم يفهمون ان كل الامر لا يستحق”. هذه المخاوف قادت الى خطة جديدة حملت اسما سرياً هو “قطاف شقائق النعمان”. ومع العلم ان “إسرائيل” سبق ان اعلنت ان كل عضو في هذه المنظمات هو جزء من “طرطقة البنى التحتية”، فانها لم تستهدف القادة السياسيين، ولكن هذا المنطق تطور، وينقل بيرغمان عن رئيس جهاز “أمان” حينها العميد زئيفي فاركاش قوله “في حماس لم يكن هناك اي تمييز بين ما هو سياسي وما هو عسكري في الهرمية التنظيمية. القادة المدعوون سياسيين على علاقة بكل شيء، فهم يضعون السياسات ويصدرون الاوامر عن وقت اطلاق الهجمات ووقت ايقافها”. وفي وقت كان النقاش في هذا الامر يتواصل فان الهدف الوحيد من الاعلان عن وجود جناح سياسي كان فبركة وضعية دولية واعطاء قادة محددين حصانة ضد عمليات الاغتيال. ويقول زئيفي فاركاش “كان علينا بناء رادع قاطع وواضح، فلا يوجد شيء اسمه هرمية سياسية يجب الا نمسها.. وهكذا فان كل قائد في حركتي حماس والجهاد الاسلامي اصبح الآن هدفا، وكانت الخطة هي قتلهم جميعاً”.